ماتزال أكثر من 66 عائلة جزائرية تعاني من ويلات فراق فلذات أكبادها، بعدما اختاروا ركوب قوارب الموت باتجاه سردينيا الايطالية. فالمعلومات تؤكد أن الحظ لم سعفهم في الوصول إلى الضفة الأخرى، إلا أنهم وقعوا في قبضة السلطات التونسية التي امتنعت عن الكشف عن أماكن تواجدهم رغم جهود السفارة الجزائرية بتونس، وهو ما أدى بعائلات 70 مفقودا ليلتي 8 و9 أكتوبر الماضيين، إلى مناشدة رئيس الجمهورية والوزير الأول والوزير المكلف بالجالية للتحرك، فضلا عن منظمات حقوق الإنسان للتدخل بهذا الشأن. التاريخ ليلة 7 من شهر أكتوبر الفارط، المكان ساحل عنابة والوسيلة ثلاثة قوارب خشبية، أما الاتجاه فكان جنوب إيطاليا، لكن الرياح تسير عكس ما تشتهيه السفن أحيانا كثيرة، وهو ما حدث لرحلة الموت هذه، فالأقدار جعلت مغامرة إبحار 70 شابا للالتحاق بالضفة الشمالية بجنوب إيطاليا تؤول إلى الفشل، فحراس السواحل التونسية تمكنوا من القبض عليهم دون العمل على استرجاعهم إلى البلد الأم. هي إفادات وصرخات تنهد بها بعض أقارب الشباب الذين لم يتجاوز عمر أكبرهم 28 سنة، فيما ينزل عمر أصغرهم إلى حد 17 سنة، فكل من عيسو نبيل، عيسو رشيد، علاء بوسحابة، وياسين عوادي، إضافة إلى 66 آخرين، منحدرين من ولايتي عنابة والعاصمة، والذين من بينهم فتاتان من براقي، وثلاثة شباب من تونس وشاب آخر من المغرب، قاموا بدفع مبالغ تتراوح مابين 5 و15 مليون سنيتم من أجل الالتحاق بباقي الشباب الذين أسعفهم الحظ في الهجرة إلى الدول الأوروبية، أملا منهم في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. أشخاص يتاجرون بحياة قصر مقابل مبلغ 5 ملايين و15 مليون سنيتم أكدت المعلومات التي تحصلت عليها "الفجر"، أن كلا من الأخوين (ج .ن) و(ج.ف) إضافة إلى المدعو (ب.ع) من ولاية عنابة، قاموا بشراء قوارب محركاتها لا تعمل جيدا، وحينما أرادوا إرجاعها لم يقبل بائعها، ومع ذلك منحت هذه القوارب للشباب، مقابل 15 مليون سنتيم لشباب من العاصمة، وبين 5 و8 ملايين لشباب عنابة. وفي الليلة التي انطلق فيها القارب، وبالضبط في حدود الساعة 23 و45 دقيقة، لتليها القوارب الأخرى على الساعة الواحدة والثالثة صباحا على التوالي، لكن الرحلة لم تكن طويلة، فالقارب الأول ينفد منه الوقود أثناء الاقتراب من السواحل التونسية، في حين أصيب القارب الثاني بعطل على مستوى المحرك، وهو ما سهل عملية القبض عليهم من طرف السلطات التونسية، والتي قامت بتشديد الرقابة لتتمكن من إلقاء القبض على آخر قارب، رغم أنه وردت أخبار أن هذا الأخير تمكن من الوصول إلى سواحل سردينيا الايطالية، مع أن المعلومات التي وردت "الفجر" تشير إلى أنهم في تونس. في حين أكدت العائلات والأقارب أن بعض الحراقة أرسلوا رسائل إلكترونية قصيرة عبر هواتفهم النقالة تؤكد وصولهم إلى الحدود التونسية، لتنقطع بعدها الأخبار. وتمر الأيام إلى غاية إعلان السلطات التونسية أنها تمكنت من إلقاء القبض على عدد من المهاجرين غير الشرعيين من جنسية جزائرية، كانوا متوجهين إلى جنوب إيطاليا دون إعطاء تفاصيل أكثر، وهو ما شجع أقارب المفقودين على البحث عنهم، حيث توجهوا إلى تونس لتقصي الحقائق، لكن هذه الأخيرة لم تتعاون معهم، وهو ما استدعى الاتصال بالسفارة الجزائرية بتونس، التي باشرت في مراسلة السلطات التونسية ومع ذلك لم تتلق أي جواب. وأمام هذا الوضع، عملت عائلات المفقودين على مواصلة البحث إلى أن توصلوا لخيط يؤكد حقا أن الشباب حقا في قبضة مصالح الأمن التونسي، بدليل أن التونسيين الثلاثة الذين كانوا معهم صدرت أسماؤهم ضمن المتهمين المحالين على المحاكمة، لكن المفاجأة أن الأسماء اختفت مباشرة بعد ذلك وفي ظروف غامضة، وعائلاتهم لم تعرف لهم أثرا هم أيضا، لتقوم هي الأخرى بمسيرة بحث موازية بالتنسيق مع العائلات الجزائرية، أملا في العثور على أبنائها، خصوصا وأن بعض المصادر الخاصة كشفت لهؤلاء أن الحراقة قد وضعوا في مركز خاص تابع لوزارة الخارجية التونسية. "الأمر يستدعي ضرورة تحرك السلطات الجزائرية"، حسب قول العائلات التي تمكنت "الفجر" من الاتصال بها، خاصة وأن أمهات العديد من هؤلاء القصر في حالة مزرية، نتيجة تدهور حالتهن الصحية، حيث قالت إحدى هذه الأمهات وهي والدة (علاء ب.)، البالغ من العمر 17 سنة، أنها تعيش مرارة الحياة منذ مغادرة فلذة كبدها، مؤكدة أنها لأول مرة لم تذق حلاوة الاحتفال بعيد الأضحى، أين تحول المنزل إلى مكان للحزن والغم، بعد أن كان منبعا للفرح والسرور. كما أكدت عائلات أخرى أنها لم تتجرأ على ذبح أضحية العيد ومنبع سعادتها بعيدين عنهم. من جهتها، عملت "الفجر" على تقصي الحقائق أكثر التي أفادت بأن السفارة الجزائرية بتونس قامت بمراسلة السلطات التونسية، إلا أن اتصالاتنا باءت بالفشل، فالمكلفة بتلقي المكالمات الهاتفية، قالت إن المكلف بملف الحراقة ليس موجودا. وفي انتظار محاولات أخرى، تبقى قضية 70 شابا قصة مؤلمة، تنتظر التحرك العاجل للسلطات العليا، بما فيها منظمات حقوق الإنسان، فملف الحرافة لا يعني فقط عائلاتهم وإنما هي قضية الدولة الجزائرية.