تستعد الجزائر للاحتفاء بذكرى اندلاع الثورة التحريرية الكبرى، لتؤكد أن جيل اليوم متمسك بحق آبائه وأجداده في الاعتذار الرسمي من طرف فرنسا اليوم، بناء على ما اقترفته فرنسا الاستعمارية، في حق الأبرياء العزل، الذين أبوا إلا ان يضحوا بالغالي والنفيس في سبيل نيل الحرية والسيادة. وقد طالب جيل الثورة، من جيل ما بعد الاستقلال عبر «السياسي» بضرورة استمرار النضال، لأخذ حق الجزائر في الاعتذار، وإجبار فرنسا الحالية على الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت في حق الجزائريين، من خلال رفع قصية شعب كامل إلى المحكمة الدولية للفصل فيها. «مجازر مرعبة في حق النساء والأطفال بالولاية الرابعة» عاد المجاهد الحاج لعقراري بن محمد بذاكرته إلى سنوات تواجد الاحتلال الاستيطاني الفرنسي بالوطن، والذي تفنن حسبه في تسليط مختلف أساليب القتل الجماعي وتشريد الشعب، في أحداث مؤلمة عاشها، ليكون شاهدا على إحدى أبشع المجازر التي ارتكبها الاستعمار في حق الشعب الجزائري. قال الحاج لعقراري في حديثه ل«السياسي» أن فظاعة الجرائم الاستعمارية، جعلت من ذكرياتها تلاحقه بشكل دائم، فإذا كنت جالسا أو نائما أو أسير، فقد علقت بين عيني مشاهد النسوة والأطفال، وجنود فرنسا الاستعمارية، يصففونهم ويحضرونهم للإعدام، يضيف المجاهد لعقراري، أن المجازر التي ارتكبت في حق الشعب منذ 1957 و1962، أخذت طابعا انتقاميا، حيث كان الجيش الفرنسي يجمع النساء والأطفال من 3 أشهر إلى غاية 10 سنوات، بعد كل عملية يقوم بها جيش التحرير الوطني، ليطلقوا عليهم وابلا من الرصاص، وقد تحدث العقراري عن 8 مجازر علقت بذاكرته، دارت أحداثها بالولاية الرابعة، حيث كانت المجزرة الأولى التي قتلت فيها فرنسا 45 امرأة وطفلا، بواد سيدي علي على مستوى بلدية واد قوشين، بالولاية الرابعة، المنطقة الرابعة، بالناحية الثانية الدوار الثاني، حيث تم إعدامهم بالرصاص الحي، ثم إحراق جثثهم، لطمس آثار الجريمة الشنعاء، التي تفنن خلالها ضباط الجيش الفرنسي آنذاك، في تسليط مختلف أنواع التنكيل على الشعب. وقد شهدت المجزرة الثانية بمنطقة سيدي لحسن ببلدية تنس، إعدام 29 فردا بين نساء وأطفال، عن طريق وضعهم داخل كوخ، ورميهم بالقنابل اليدوية، فالإجهاز على المتبقين بالرصاص الحي، لتتواصل الانتهاكات المرتكبة في حق الشعب الأعزل، والضعفاء من الأطفال والنساء، لتجهز ببلدية تزعنونت على 25 فردا، وفي واد سيدي علي سنة 1957 على 18 شخص من النساء والأطفال وبينهم 9 رجال مجاهدين، لتخسر ذات المنطقة بعدها 6 أشخاص منهم 4 أطفال وامرأتين، وقد كانت منطقة روباين هي الأخرى شاهدة على جرائم فرنسا التي أعدمت جماعيا 14 امرأة وطفل. «الأدلة الرسمية موجودة.. ومن يمتلك قلبا لن ينسى تضحيات الشهداء» وأضاف لعقراري أن الأدلة الرسمية، ممثلة في مقبرة «جبل بيشا»، التي جمعت شهداء بلديات بني حواء والزبوجة وتنس، البالغ عددهم 1261 شهيد، مازالت شاهدة على جرائم الحرب التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في الجزائر، وتعزز بما لا يدع مجالا للشك، طلب الجزائر من فرنسا الاعتراف بجرائمها في حق الشعب طيلة فترة الاحتلال، مشددا على أن من يمتلك قلبا مفعما بالوطنية، لا ينبغي أن ينسى التضحيات الجسام التي قدمها الشهداء في سبيل نيل الحرية والسيادة، مهما كانت الصعوبات التي يواجهها اليوم في الحياة. «تجريم الاستعمار واجب تجاه شهداء الوطن» وأكد المجاهد الحاج، أنه لابد من تجريم الأعمال الفرنسية في الجزائر، ومعاقبتها على جرائم الحرب، وطالب لعقراري السلطات العليا في البلاد بضرورة العمل على رفع قضية جرائم الحرب الفرنسية في الجزائر، إلى هيئة الأممالمتحدة لتفصل فيها. وأوصى لعقراري جيل اليوم بجعل أمن وسلامة وطنهم والحفاظ على سيادته أولوية، ودعا إلى تجنب المساومة على المال، ذلك أن الوطن أمانة أوصى عليها الشهداء، وقدموا فداها أرواحهم، والابتعاد عن المغالطات التي تلجأ إليها بعد الأطراف، حيث أكد أن ما تمر به بعض الدول في الوقت الراهن، أمر مؤسف، يتطلب من الشعب الجزائري، الفطنة والذكاء لتفادي الانسياق وراء أبواق الفتنة، ويضيف المجاهد«على الشباب ان يكون ذكيا وينظر للمستقبل نظرة بعيدة، ويأخذ الدرس من معاناة بعض الدول». «على جيل الثورة سرد الحقائق التاريخية» ومن جهته دعا المجاهد بوحارة من خلال «السياسي» كافة المجاهدين، الذين عايشوا وقائع الثورة التحريرية للكتابة عن الحقائق التاريخية والإدلاء بشهاداتهم، باعتبار ذلك واجبا يفرضه مسعى الحفاظ على ذاكرة الجزائر التاريخية، مشيرا الى أن الشباب الجزائري يبحث عن أحداث تاريخية ظلت مجهولة بسبب نقص الكتابات المتعلقة بهذا الجانب، كما دعا إلى ضرورة السير على نهج المشروع السياسي للثورة التحريرية بكل ما يحويه من قيم، على أساس أن الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد خلال العشرية السوداء، ناتجة عن انهيار ركيزة هذا المشروع، وعلاوة على ذلك أكد على أهمية تدوين شهادات صناع الثورة الحقيقيين لمواجهة ظاهرة تزوير الحقائق التاريخية. «على جيل اليوم التمسك بالمبادئ النوفمبرية» تحدث المجاهد الواحد عيسى ل«السياسي» عن كيفية تمكنه من تخطيه المرحلة التجريبية للالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، حيث أكد أنه لم يكن من السهل الفوز بثقة عناصر جيش التحرير الوطنين نظرا لوجود بعض «الحركى» والعملاء لفرنسا الاستعمارية، وأوضح المجاهد عيسى أنه وبالعودة 50 سنة إلى الوراء، فإنه يتذكر اللحظة التي استقبل فيها وفد جش التحرير في منزله، وهم المجاهد زبير والمجاهد محمد الروبايمي والمجاهد سي قليل، والذين طلبوا منهم إخبارهم عن الأشخاص الذين يملكون أسلحة في الدوار، ليدلهم على منزل قريدي معمر، مع عوفن محمد وبن شاعة العربي وبن زهرة محمد والواحد علي، الذين كانوا يملكون أسلحة، وأوضح المجاهد الواحد أنه كان يتلهف لقبوله في صفوف جيش التحرير، حيث كان ينتظر عودة المجاهدين، بعد أسبوع، وهو ما حدث، حيث طلبوا منه القيام بحرق محصول التبن للمعمرين الفرنسيين «الروزي» و«بوران» و«برحي»، ليتم تعيينه فيما بعد للقيام بعملية اغتيال «الكوميسار» في الجيش الفرنسي المكلف بمنطقة قيصر، بمشاركة المجاهد بولنوار محمد، ليتم قبوله في صفوف جيش التحرير لتبدأ رحلته مع العم الثوري. وفي سياق سرد المجاهد الواحد عيسى لذكرياته مع العمل الثوري، طالب شباب اليوم بالمحافظة على الوطن، مشددا على أن جيل اليوم ومهما سرد أمامه من وقائع، لا يمكن أن يتصور مدى صعوبة الوضع الذي عاشه المجاهدون وشهداء الثورة، بالموازاة مع كونهم قد اقبلوا اليوم على حياة مهيأة من مختلف النواحي، مؤكدا أنه وعلى الرغم من بعض النقائص التي تستوجب التحسين إلا أن جيل اليوم وبفضل من ضحوا بأرواحهم لقاء الوطن، يحظى بحياة مستقرة في وطن ذا سيادة كاملة، مشددا على ضرورة دعم مطلب تجريم الاستعمار، لإجبار فرنسا على الاعتذار الرسمي للشعب الجزائري. «المصادقة على قانون تجريم الاستعمار خطوة لمتابعة الجناة في المحاكم الدولية» مازالت تفاصيل عمليات التعذيب الوحشي التي تحملتها المجاهدة إيغيل أحريز لويزة وعائلتها من أجل تحرير الجزائر، ترهق ذاكرتها، حيث تتجدد آلامها حسبما أكدته ل«السياسي»، مع حلول كل ذكرى خالدة من ذكريات الثورة الجزائرية، حيث لا تتخلف المجاهدة لويزة ايغيل أحريز عن استعادة بكل ألم، تلك الممارسات البشعة التي تعرضت لها بعد تحويلها إلى سجون الاحتلال الفرنسي في كل من الجزائروفرنسا. وقد شددت المجاهدة إيغيل أحريز بمناسبة إحياء ذكرى اندلاع شرارة الثورة التحريرية الكبرى، على ضرورة متابعة ملف مقاضاة جنرالات الجيش الفرنسي الذين اشرفوا وقاموا بعمليات التعذيب والإبادة على المناضلين والشعب الجزائري، مشيرة إلى أنها بانتظار المصادقة على قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، لأنه سيمثل دعما آخر وخطوة للأمام من أجل ملاحقة الجناة في المحاكم الدولية، وبنفس المناسبة دعت لويزة إيغيل أحريز شباب الجزائر لاحتضان الاحتفالات بالأعياد الوطنية الخالدة، والتحلي بالروح الوطنية لتغلب على ما يمكن أن يحاك ضد سلامة واستقرار الجزائر. وعادت المجاهدة إلى شبابها عندما اجتمع والدها سعيد إيغيل أحريز بأفراد عائلته، وأخبرهم أن وقت الثورة قد حان، وحث الجميع على تحمل مسؤولياته، تحوّلت مخبزته بالقصبة إلى مكان لعقد اجتماعات الفدائيين، كان عمر لويزة آنذاك ثمانية عشر عاما، كلفت بمهمة نقل الرسائل وجمع التبرعات، وفي جانفي 1957 ألقت الشرطة الاستعمارية القبض على سعيد إيغيل أحريز، وفي شهر أوت، علمت لويزة أنها محل بحث، فقرّرت الفرار إلى الجبل بالولاية الرابعة، وفي يوم 28 سبتمبر، وقعت رفقة تسعة فدائيين في اشتباك مع الجيش الفرنسي بمنطقة الشبلي، فأصيبت بجروح بليغة، نقلت على إثرها إلى مستشفى مصطفى باشا، ومنه إلى مقر قيادة الجنرال ماسو للاستنطاق والتعذيب من قبل عسكري برتبة نقيب يدعى غرازياني، بحضور ماسو شخصيا، كان وقع التعذيب فظيعا. لم يكن سهلا على لويزة إيغيل أحريز المناضلة الجزائرية أن تخبر أمها بأنها اغتُصبت ولكنها فعلت خلافا للكثير من المناضلات الجزائريات الأخريات اللواتي فضلن دفن السر مع الكثير من الصور صور العذاب ولكن هل تختفي صور القمع والتنكيل والاغتصاب لويزة إيغيل أحريز سعت لأن تنسى تارة عبر طبيب نفسي وتارة أخرى من خلال دراسة علم النفس وتعلمت الرسم على أمل أن تعكس في لوحاتها مكامن النفس وعذاب الروح وهنا في منزلها المطل على العاصمة الجزائرية كانت تجلس كل مساء حاملة ريشتها وألوانها لتنسى ذاك اللون القاتم الذي عرفته في خلال الاعتقال ولكن هل نسيت فعلا؟