كثيرا ما صاحبت عملية اعتقال النساء تعذيب وضرب مبرح دون مراعاة لجنسهن.. ويجتهد جنود الاحتلال لابتداع السبل لإذلالهن وقمعهن والمساس بشرفهن وكرامتهن - تمارس سلطات الاحتلال سياسة العقاب الجماعي بحق الأسيرات والأسرى السياسيين وعائلاتهم - برغم ما تتعرض له المعتقلات في سجون الاحتلال إلا أنهن يبدين عدم ندمهن على ما قمن به من مقاومة الاحتلال === على مدى أكثر من نصف قرن تعيش المرأة الفلسطينية مأساة لا تنتهي، فلم تعان فقط من فقدان الزوج والأبناء بالاعتقال أو الموت، بل طالتها حملات الاعتقال وجرح الكرامة من تفتيش غير آدمي وتنكيل وقهر إلى ضرب عنيف بمؤخرات البنادق ولم يراع المحتل سنا فكما نكل بالشابات فعل أيضا بالمسنات، سواء داخل سجون الاحتلال أو من خلال مداهمات المحتل للبيوت الفلسطينية وترويع النساء. قبل أيام أصدرت وزارة شؤون الأسرى والمحررين بفلسطين، تقريرا يوضح أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت منذ عام 1967، ما يقارب 15 ألف امرأة فلسطينية، من أعمار وشرائح مختلفة، وأن تلك الاعتقالات طالت أمهات، زوجات، فتيات قاصرات، طالبات، قيادات مجتمعية ونائبات في المجلس التشريعي، وغيرهن. وأوضح التقرير أن أكبر حملة اعتقالات للنساء الفلسطينيات جرت خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 حيث وصل عدد حالات الاعتقال إلى 3000 أسيرة فلسطينية، ومنذ عام 2000 حتى نهاية عام 2009 بلغت حالات الاعتقال في صفوف النساء 900 امرأة. وتتعرض الأسيرات للضرب والإهانة والسب، ولا يعلمن بالجهة التي سينقلن إليها كما لا ترافق مجندة إسرائيلية وحدة الجنود التي تعتقل الفلسطينيات في جميع عمليات الاعتقال. ولا تفرق المخابرات الإسرائيلية، حسب التقرير، بين الأسرى الرجال والأسيرات النساء إذ كثيرا ما صاحبت عملية اعتقال النساء تعذيب وضرب مبرح دون مراعاة لجنسهن. بل ويجتهد جنود الاحتلال لابتداع السبل لإذلالهن وقمعهن والمساس بشرفهن وكرامتهن من خلال اقتحام أقسامهن ليلاً أثناء النوم. التفتيش العاري الأسيرة »قاهرة السعدي« من مخيم جنين، هي أم لأربعة أطفال، حكم عليها بالمؤبد 3 مرات و30 سنة، وتعرضت للضرب بأعقاب البنادق عقب اعتقالها من منزلها، وتعذيبها لأيام بتثبيتها مربوطة الأرجل والأيدي على كرسي، والتفتيش العاري، والتحرش من قبل المحققين. ويشير تقرير وزارة شؤون الأسرى إلى أن »السعدي« التي تم نقلها إلى زنازين تحت الأرض تعج بالصراصير والحشرات والروائح الكريهة، تم تهديدها بالاغتصاب عدة مرات، وأمضت ثلاثة أشهر ونصف في زنازين التحقيق تعرضت خلالها لشتى صنوف الإذلال، وقالت أن ضابطا إسرائيلياً ضربها بحذائه الحديدي بعد أن طلبت منه أن يسمح لها بالاستحمام. وحذرت الوزارة من تدهور الوضع الصحي في الزنازين التي تنتشر فيها الجرذان التي تقاسم الأسيرات طعامهن الغير صحي بالأساس وكثيراً ما وجدوا فيه الذباب والحشرات، بالإضافة للبرد القارس في الشتاء والرطوبة، وعدم وجود تدفئة وأغطية كافية، والازدحام وقلة التهوية. وتنتشر الأمراض الجلدية والطفح الجلدي بين الأسيرات، ولا يقدم لهن العلاج، حيث تقيد الإدارة عدد الأسيرات المسموح لهن بالخروج لتلقي العلاج الذي لا يمكن الحصول عليه إلا عند وجود الطبيب. العقاب الجماعي وتمارس سلطات الاحتلال سياسة العقاب الجماعي بحق الأسيرات والأسرى السياسيين وعائلاتهم من خلال العقبات التي تضعها أمامهم، باشتراط حصولهم على تصاريح خاصة للتمكن من زيارة أبنائهم وأقربائهم المعتقلين الذين تم نقلهم للسجون في داخل إسرائيل. يأتي ذلك على الرغم من حظر اتفاقية جنيف بشان حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب من النقل الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أيا كانت دواعي هذا النقل. كما تحرم الأسيرات من الزيارة الخاصة للبيت حتى في أكثر الظروف الاستثنائية مثل وفاة أحد الوالدين أو مرضهم، وذلك بتمييز صارخ بينهم وبين ذوي المعتقلين الإسرائيليين الذين يسمح لهم بالزيارة من دون شبك عازل. من جانبه اتهم مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية الشرطة الإسرائيلية بارتكابها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال قمعها للاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلدة القديمة من القدس والأحياء المحيطة بها، والتي أسفرت عن إصابة أكثر من مائة وخمسين مواطنا بينهم أطفال ونساء وصحافيون محليون وأجانب. وقد شمل استخدام القوة المفرطة الاقتحام العنيف للمنازل والاعتداء على من فيها من النساء والأطفال واعتقال الشبان كما حدث في حي الجالية الإفريقية المتاخم للمسجد الأقصى، حيث حطمت الشرطة أثاث تلك المنازل، قبل أن تنهال بالضرب على من تواجد في تلك المنازل لتصيب ثلاث مواطنات في الخمسين من العمر برضوض. وأشار التقرير إلى أن عمليات الاعتقال داخل البلدة القديمة طالت أيضا أطفالا قاصرين دون سن الخامسة عشرة، تعرضوا جميعا للضرب المبرح خلال اقتيادهم إلى مراكز الشرطة في البلدة القديمة وخارجها. غير نادمات وبرغم ما تتعرض له المعتقلات في سجون الاحتلال، إلا أنهن يبدين عدم ندمهن على ما قمن به من مقاومة الاحتلال، وفي هذا أكدت عدد من الأسيرات الفلسطينيات اللاتي أطلق سراحهن أن »المقاومة هي سبب دخولهن السجن، ولكنها هي أيضا التي أجبرت الاحتلال على الإفراج عنهن«. تقول المحررة »لنان أبو غلمة« التي قضت خمس سنوات في الأسر »لم ولن أندم، ونحن الفلسطينيين ليس لنا سوى طريق المقاومة«. ورغم تعرضها، مثل غيرها، لتعذيب شديد وشبح متواصل استمر عشرين يوما منعت خلالها من النوم والراحة، لكنها تقول »لم يزدني ذلك إلا حبا لوطني وقضيتي«. وكانت »لنان« قد اعتقلت عند حاجز عسكري جنوب مدينة نابلس في سبتمبر 2004 بتهمة التخطيط لعملية استشهادية ردا على اغتيال زوجها الناشط في الجبهة الشعبية. أما الأسيرة المحررة »ميرفت طه« فقد اعتقلت وهي في الأشهر الأولى من زواجها، وأمضت أشهر الحمل الأولى داخل الزنازين، إلى أن تم نقلها إلى سجن نفي ترتسا، وفي الثامن من شهر فيفري عام 2003، ولد ابنها »وائل«، ليقاسي الطفل وأمه أطياف المعاناة داخل سجن نفي تريتسا. وتذكر الأسيرة »ميرفت« أن لحظة الإنجاب كانت من أصعب لحظات حياتها، ولن تستطيع محوها من ذاكرتها. أما الابن فقد لاقى ما لاقته أمه من معاناة، حيث أن إدارة السجن لا توفر له ما يحتاجه من حليب، وحفاظات، وملابس ورعاية صحية، حتى أنه لم يتلق التطعيمات الطبية في مواعيدها المحددة. قصة عميدة الأسيرات »سونا الراعي« اسم ربما لا يعرفه الكثيرون، هي امرأة فلسطينية قضت 12 عاما بين السجون ومعتقلات الاحتلال، بعد أن تركت طفلها »محمد« وهو ما زال لا يعي شيئا. تبلغ سونا من العمر 40 عاما، اعتُقلت في أفريل 1997 بعدما نفذت هجوما على مجموعة من الجنود في جسر يصل بين الضفة الغربية والمملكة الأردنية، وذلك في عملية ثأر الجبهة الشعبية لاستشهاد شقيقها أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. عن المعتقل تقول سونا »أصعب أيام السجن تلك التي قضيتها في سجن المسكوبية، حيث سجنت مع الجنائيات الإسرائيليات، وحيث المضايقات مضاعفة، كوني كنت الأسيرة الفلسطينية الوحيدة وقتها«. وتضيف: »إن أشد ما تعرضت له هو التعذيب النفسي، وعزلي لفترات طويلة، دون أن يكلمني أحد، وكانوا يقومون بتشغيل موسيقى صاخبة، أو صدى نقط الماء من إحدى الحنفيات.. وهي حرب نفسية يشنونها علينا، منعنا فيها من الزيارات.. وطوال فترة سجني لم يستطع أحد زيارتي، سوى زيارة واحدة لأخي«. اعتقلت عميدة الأسيرات بينما كان ابنها »محمد« في الثالثة من عمره، والذي سمح له بزيارتها مرة واحدة وهو في السادسة من عمره، تقول سونا: »لطالما اشتقت إلى رؤيته واحتضانه.. كنت أفكر به دائماً وأنا خلف القضبان، أتخيل وجهه وابتسامته، وأتخيله وهو ينادي علي: »أمي«..! أنا أمّ حُرِمت رؤية طفلها، ومشاعري ما زلتُ أحتفظ بها من أجل طفلي الذي لم أره سوى مرة واحدة، وهو بعمر السادسة«. وتؤكد سونا أن الأسيرات يعشن في ظروف اعتقال صعبة، ووضعهن صعب جداً، ويتعرضن لإهمال طبي كبير، وهناك عدد منهن يعانين من أمراض مزمنة، وبحاجة إلى علاج سريع، ويواجهن مماطلة في عملية العلاج«.