خططت لتصفية ثلاثين زعيما في مختلف أنحاء العالم - وثائق تكشف العلاقة الوثيقة بين ال CIA وتجار المخدرات == الغش والتدليس وفبركة المعلومات أصبحت هي المبادئ التي تحكم العمل داخل الاستخبارات الأمريكية تعرض جهاز المخابرات الأمريكية لكمّ هائل من النكبات والانكسارات والهزائم خلال تاريخه لم يتعرض لها جهاز آخر في العالم === جهاز المخابرات أي جهاز مخابرات في العالم هو الترمومتر أو المؤشر الحقيقي لقوة الدولة أو ضعفها وعلى أساس ما يمتلك من معلومات تشن الحروب وتنسحب الجيوش وتبرم المعاهدات والاتفاقيات ولم يعرف التاريخ المعاصر جهاز مخابرات تعرض لهذا الكم من الانكسارات والهزائم والفشل مثل المخابرات المركزية الأمريكية (CIA). وقد بدا واضحا أن هذا الجهاز قد دخل مرحلة الهذيان بعد أن بلغ من العمر عتيا وهو ما دفع المسؤولين الأمريكيين مؤخراً إلى الاعتراف بفشل ال CIA في العراق قبل وبعد وأثناء الغزو حيث جاء هذا التصريح بعد أن ساد شعور بالغضب داخل أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية ووصل الأمر ببعض العاملين بتلك الأجهزة إلى اتهام ديك تشيني بشكل مباشر وصريح بأنه قد مارس ضغوطا على الوكالة بهدف تسييس التقارير الاستخباراتية عندما كان يشغل منصبه السياسي وقد نقلت صحيفة »ليبراسيون« عن »ألكسي ديبت« وهو باحث في تاريخ وكالة المخابرات الأمريكية قوله إن السياسيين حولوا المخابرات إلى سوبر ماركت يمكن أن تجد فيه كل ما تريد سماعه النشأة والأهداف تعود نشأة المخابرات المركزية الأمريكية إلى منتصف العام 1947 أي بعد عامين فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية وفي الوقت الذي انقسم فيه العالم إلى كتلتين إيديولوجيتين والإعلان عن بدأ الحرب الباردة، وكان الهدف المعلن هو محاربة الشيوعية، ومع مرور السنوات تحولت هذه الوكالة إلى جهاز يمارس الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية في مختلف دول العالم ولم يعرف أحد جهاز أثار كل هذه المشاعر المضادة مثل المخابرات المركزية الأمريكية حيث مارست دور الوسيط لقلب النظم القائمة في بعض الدول والمجيء بنظم تدين بالولاء للأمريكان أو على الأقل لا توجه لهم العداء. كما قامت الوكالة بتشكيل منظمات عمالية وطلابية قاد أفرادها السريين المظاهرات والاضطرابات في كل مكان في العالم لا يقدم فروض الولاء والطاعة للأمريكان كما قامت أيضا بإنفاق ملايين الدولارات للحفاظ على سياسيين بعينهم في مواقعهم التي بالطبع تخدم الأهداف الأمريكية وبنفس السخاء أنفقت الملايين للتخلص من سياسيين آخرين وهكذا تحولت المخابرات الأمريكية إلى أداة في أيدي الإدارة الأمريكية لتنفيذ الأعمال القذرة في مختلف بقاع الأرض. وبشكل عام لم تكن ال (CIA) ذلك المولود اللقيط كما يؤكد »آلان جيران« في كتابه»ما هي ال CIA؟« حيث يؤكد إن وكالة المخابرات الأمريكية هي الإرث الأمريكي للمخابرات الألمانية النازية مشيرا إلى أن البداية كانت خلال الحرب العالمية الأولى حيث كان هناك دبلوماسي أمريكى شاب يعمل في السفارة الأمريكية في فيينا ويدعى »آلان ولش دالاس« ثم عمل في سويسرا وخلال عمله في السلك الدبلوماسي أقام العديد من العلاقات مع رجال صناعة وعسكريين ألمان ليصبح ولش دالاس فيما بعد مؤسس وكالة المخابرات الأمريكية وفي الحرب العالمية الثانية تم إنشاء مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS) وترأسه شخص يدعى »دونوفان« حيث طلب من »آلان دالاس« مساعدته في تكوين شبكة تجسس ضخمة تمتد في كل من ألمانيا وفرنسا ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا والمجر وإسبانيا والبرتغال وشمال إفريقيا. وبالفعل بدأ »دالاس« في تكوين هذه الشبكة لتصبح النواة الأولى لشبكة تجسس ضخمة حول العالم وفي نفس الوقت كانت علاقة »دالاس« مع الألمان تزداد قوة وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب قام باستقدام النازين القدامى إلى الولاياتالمتحدة وكان من بينهم »راينهارد جيهلن« الملقب باليد الرمادية أو الرجل الرمادي والذي يعد من أخطر رجال المخابرات وأكثرهم دهاء وكانت أفكار وأساليب الرجل الرمادي هي الأساس الذي بنى عليه »آلان دالاس« جهاز المخابرات الأمريكية في العام 1947. وعلى الرغم من أن الفكر الألماني هو الذي قامت عليه ال (CIA) إلا أنه تم المزج فيما بعد بين الفكر الألماني والبريطاني وكانت تقوم بتعين موظفيها من الطبقات الاجتماعية العليا واتجهت إلى خريجي الجامعات الكبرى في الساحل الشرقي الأمريكي المعروف بالعائلات الأرستقراطية وظلت وكالة المخابرات الأمريكية تعمل لسنوات طويلة للقضاء على الشيوعية وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي بدأت ال CIA تتآكل من داخلها وهذا ما كان يتوقعه الكثيرون فنجد على سبيل المثال »أوكران مارانش« مدير المخابرات الفرنسية الأسبق يذكر في كتابه »في طي الكتمان« أن الأمريكيين قضوا خلال سنوات قليلة على جهاز مخابراتهم ورقصوا حوله كما يرقص الهنود الحمر حول ضحيتهم. إعلانات صحفية لتجنيد جواسيس من الممكن أن يطالعك إعلان في أحدى الجرائد يطلب موظفين جدد لإحدى الشركات أو عمال لأحد المصانع، ولكن أن تجد إعلانا يطلب جواسيس ويحدد أيضا المواصفات المطلوبة وصاحب الإعلان هو جهاز المخابرات نفسه وليس شركة أمن خاصة.. هذا ما حدث بالفعل مؤخرا.. إعلانا نشرته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تطلب فيه جواسيس حيث تؤكد الوكالة أنها تخطط لتوظيف عدد كبير من الجواسيس الجدد بعد عشر سنوات من الفشل في الكثير من العمليات. وقد جاءت هذه الخطوة بعد انتهاء الحرب الباردة وتغير الفكر الذي كانت تدار به الوكالة حيث كانت أغلب العمليات الاستخباراتية تتم عن طريق التعاقد مع شركات تحترف الأعمال الأمنية كما كان يتم التعاقد مع شركات متخصصة في جمع المعلومات وتحليلها وشركات أخرى كانت تتولى أعمال التخريب بشقيه الاقتصادى والسياسي وكان دور المخابرات الأمريكية يتركز فقط في إدارة العمليات.. وليست هذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها ال (CIA) إعلانا تطلب فيه جواسيس. فمن قبل وتحديدا في 1998 كان هناك إعلانا مماثلا وبعدها بنحو العام قام الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت بيل كلينتون بالتصديق على قرار إنشاء كلية جديدة للتجسس والهدف المعلن هو تخريج جيل جديد من الجواسيس والعاملين في مجال الاستخبارات ويحصل الطالب بعد التخرج على شهادة في العلوم السياسية، وبالنسبة للمواصفات المطلوبة للجواسيس الجدد أو الطلبة الجدد فهي إلى جانب الذكاء الحاد والقدرة على تحليل المعلومات من مختلف المصادر وقبول الانتقال المنتظم من مكان إلى آخر. أيضا توجد بعض المواصفات الخاصة بشخصية الجاسوس نفسه وأولها أن يكون متبلد المشاعر وأناني وانتهازي وشكاك ويعتبر عمله أهم شيء في حياته ولديه القدرة النفسية والجسدية على العمل في ظروف مناخية صعبة، أما الاختبارات التي يمر بها فتبدأ بالاختبارت الثقافية والمعلومات العامة ومعظمها تتم الإجابة عليها بنعم أو لا وبعد تحليل الإجابات تبدأ الاختبارات الطبية والصحية ثم يعود بعدها إلى طبيب نفسي ليسأله نفس الأسئلة السابقة ولكن بطريقة أخرى ويعاد تحليل الإجابات مرة أخرى. أيضا وبعد اجتياز هذه الاختبارات تبدأ مرحلة التدريب والإعداد والتي تمر بالعديد من الخطوات المعقدة والمتشابكة والجزء الأول منها هو عبارة عن عملية غسيل مخ لنزع الأفكار القديمة وزرع الأفكار الجديدة وبعدها يتم تزويدهم بالمعلومات الضرورية عن الأوضاع الدولية والنظم الخاصة بتحليل المعلومات والبيانات مع التدريب على استعمال كافة أنواع الأسلحة ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي التعليمات التي تضمن سلامة العمل وسلامة الجاسوس نفسه وأهمها التكتم الشديد وعدم الاختلاط اجتماعيا إلا على نحو مخطط ومدروس وعدم الإدلاء بأي معلومات عن العمل حتى لأقرب الأشخاص إليه ويلتزم كل منهم بكتابة تقرير يومي عن ممارساته والأشخاص الذين قابلهم والأعمال التي قام بها خلال اليوم حتى وإن كان شيئا خاصا مثل الأمور العاطفية وبعد التخرج يحصل الجاسوس على الدرجة الخامسة، وإذا أثبت كفاءةً في العمل ينتقل إلى الدرجة الرابعة ثم الثالثة وهكذا. التحالف الأسود لعل من أخطر الكتب التي صدرت مؤخرا هو كتاب »التحالف الأسود« للمؤلفان »ألكسندر كوكبرن« و»جيفري سانت كلير« الذي يكشف عن العلاقة الوثيقة بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وتجار المخدرات وبعض الصحافيين وهؤلاء الصحافيين منهم من هو متورط بشكل كامل في العمليات الإجرامية المشتركة بين ال CIA وتجار المخدرات ومنهم من يقوم فقط بالدفاع عن وكالة المخابرات إذا وجه لها أي اتهام في وسائل الأعلام أو داخل الكونغرس. وعلى جانب آخر وبعيدا عن الكتاب نجد أن الغش والتدليس أصبحت هي المبادئ التي تحكم العمل داخل الاستخبارات الأمريكية وكذلك فإن فبركة المعلومات ليست وليدة فترة بوش الابن ولكنها تمثل اتجاه قوي وركيزة أساسية داخل البيت الأبيض فنجد على سبيل المثال الرئيس جونسون ومن كانوا يلتفون حوله من مستشارى الأمن القومي مارسوا ضغوطا ضخمة على محللي وكالة الاستخبارات الأمريكية في حرب فيتنام وتم تغيير كل التقارير الخاصة بإمكانية خسارة الحرب لتتلاءم مع فكر السياسيين والمستشارين وقبلهم الرئيس الأمريكي. والمتابع للحرب الأمريكية على العراق وقبلها بقليل يجد سلسلة طويلة من الأكاذيب ولعل أشهرها عندما وقف كولن باول وزير الخارجية في ذلك الوقت في زاوية من العالم يشرح كل شيء وكأنه حقيقة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وفي الزاوية الأخرى وقف توني بلير ليسير في نفس الاتجاه داخل مجلس العموم البريطاني وكأنهما في مباراة من الأكاذيب، وبعد الغزو الأمريكي للعراق ووضوح الرؤية وأن العراق لا يمتلك تلك الأسلحة، بدأ بوش يتحدث عن أنه جاء بقواته لتخليص العراق والمنطقة من ديكتاتور. ورغم ملايين القتلى والجرحى والمُهجّرين فهو يتحدث دائما عن الديمقراطية في العراق وكيف أنها ستصبح نموذجا لكل دول المنطقة وكأنه لا يعلم أن العالم كله يعلم أنه هو وأجهزة مخابراته كاذبون. الفشل سيد الموقف داخل ال CIA تعرض جهاز المخابرات الأمريكية لكمّ هائل من النكبات والانكسارات والهزائم خلال تاريخه لم يتعرض لها جهاز آخر في العالم بحجم جهاز يتبع دولة تم تصنيفها كدولة عظمى ولعل أشهر تلك النكبات كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وفي العام 2006 كشفت الصحف الأمريكية عن أن استقالة »بورتر جوس« مدير المخابرات كانت إقالة بعد ثمانية عشر شهرا فقط من توليه المنصب حيث جاءت الإقالة بعد عمليات الفشل المتتالية والمتزايدة في العراق بشكل خاص وفيما يسمى بالحرب على الإرهاب بشكل عام حتى أن صحيفة »نيويورك تايمز« قالت بالحرف الواحد »إنه ما من شك في أن ال (CIA) تحتاج إلى من يُعبّد لها الحياة«، كما قالت صحيفة »لوس انجلوس تايمز« أن »ال (CIA) أصبحت تتميز بالتخبط المخابراتي«. ويشير المحللون الأمريكان إلى أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فقدت سلطاتها بعد أن أصبحت تخضع لإشراف مدير المخابرات القومية مما أحدث نوعا من الصراع والتصادم والتخبط. وقبلها كان قد صدر كتاب »العدو الرئيسي« وهو من إعداد ضابط السي أي إيه السابق »ميلتون ببرد« بالاشتراك مع الصحفي »جيمس راسين« حيث يؤكد الكتاب أنه منذ العام 1985 بدأت السي أي إيه تفقد أعدادا كبيرة من عملائها داخل الاتحاد السوفياتي وبالرغم من سقوطه إلا أنه مازال هناك الكثير من الجواسيس الذين يعملون حتى الآن لصالح روسيا داخل السي أي إيه وفي أوروبا وأمريكا، وإذا عدنا إلى الوراء قليلا نجد الكثير من العمليات الفاشلة للسي أي إيه وعلى سبيل المثال محاولاتهم اغتيال الرئيس الكوبي كاسترو والرئيس العراقي الراحل صدام حسين أثناء وجوده في السلطة. وفي مساء السابع والعشرين من أفريل من العام 1996 اكتشف جيران »ويليام كولبي« الرئيس الأسبق للسي أي إيه إن قاربه الخاص به مقلوب في مياه النهر الذي يطل عليه كوخه الشتوي ثم ظهرت جثته وهي تطفو فوق مياه النهر وشهد بعض جيرانه أنهم شاهدوا سيارة سوداء دخلت إلى المنتجع وتوجهت إلى كوخ »كولبي« كما أكد الجيران أنه كان يجيد السباحة والغطس وبالرغم من أن الطبيب الشرعي لبلدية المدينة أكد في تقريره أن »كولبي« مات غرقاً إلا أن المخابرات الأمريكية طلبت من زوجته »سالي شلتوت« تقبل الأمر على أنه موت عادي وأعطوها شهادة تفيد أنه لا توجد شبهه جنائية في الوفاة. وهنا لابد أن نذكر شيئين مهمين، أولهما أن »ويليام كولبي« هو أحد أهم المؤسسين المخضرمين للمخابرات الأمريكية، وثانيهما أن »كولبي« كان عاكفا خلال الفترة التي تم فيها اغتياله على كتابة مذكراته عن عملية »فينكس« الشهيرة التي وضعتها المخابرات الأمريكية في نهاية الستينات لاغتيال ثلاثين زعيما وسياسيا في مختلف أنحاء العالم.