استعرض أمس، المخرج المسرحي الجزائري، سيد أحمد قارة، تجربته الركحية الثرية التي صقلها لعقود من الزمن، والتي أنطلق فيها منذ صغره كممثل عاشق للخشبة، قبل أن يغوص فيها أكثر ويتوج مسيرته كمخرج استطاع أن ينقل المسرح الجزائري نحو الحداثة كما يراه العديد من النقاد والمتتبعين، خاصة وان اسمه ارتبط بكبار المسرحين الجزائريين كعبد القادر علولة ومحمد بن قطاف وغيرهم من الأسماء التي صنعت أمجاد الركح في الجزائر، قارة ورغم كل تجربته الغنية، إلا أنه يرغب في ترك بصمته في الركح الجزائري، من خلال توجهه لإنشاء ما يسمى بالمسرح الصوفي الذي يعتتقد أنه قريب جدا من الخصوصية الاجتماعية الجزائرية، ويجسد الدين في أقرى معانيه الإنسانية. تحدث المسرحي خلال استضافته في فضاء صدى الأقلام الذي ينشطه الإعلام والروائي والشاعر المتميز عبد الرزاق بوكبة، عن إيمانه العميق بالركح الجزائري، كفضاء لصناعة الوعي الجماهيري فضلا عن وظيفته في خلق المتعة على الخشبة، والذي يراه يتحدد من خلال الخصوصية المجتمعية الغنية والمتنوعة التي تتمتع بها الساحة الجزائرية، وهذا ما يجعله يروي كرونولوجيا تجاربه المختلفة والمتعددة على الخشبة منذ سنوات. لم يفوت سيد أحمد الفرصة للحديث عن تجربته المسرحية منذ الصغر وعاشقا للمسرح، وبالرغم من اصطدام أحلامه بالأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر، خلال تسعينيات القرن الماضي، والتي كانت من الممكن أن تغيير كل خياراته وتوجهاته وميوله الإبداعية، إلا أنه ظل متمسكا بالإبداع كطقية لمواجهة التطرف والعنف قائلا (لم نكن مسرحيين فقط في تلك الفترة، كنا مناضلين حقيقيين من أجل أن نمتع الجمهور، ورغم كل الضغوطات التي عشناها حوالنا أن ننزل بالمسرح إلى الواقع لنعبر عنه بكل تجلياته)، ولما إنفرجت تلك الأزمة استطاع المسرحي المجدد، أن ينجز العديد من المسراحيات التي لقيت صدا دوليا كبيرا على غرار (الجذور1 و2) و(نزول عشتار إلى الجحيم) التي حققت نجاحا ورواجا غير متوقع، على حد قوله. وكانت إحدى المسرحيات الأولى عربيا التي تمت تمثيلها على ركح مسارح فنزويلا، والتي خلفت صورة جيدة عن مسرح الجزائر وقتها. بعد تجاوزه لصدمة العشرية السوداء، استطاع المتحدث أن ينتج العديد من المسرحيات على غرار (بنات لير)، (صرخة شعب) وغيرها، محاولا أن يصقل تجربته أكثر في اتجاه نمط جديد من المسرح سماه مسرح الصوفية، فإخراجه لمسرحية (عودة العباد) التي يراها علامة فارقة في الركح الجزائري، والتي تناولت السيرة الصوفية لسيدي بومدين الغوث، خاض من خلالها المسرحي الجريئ تجربة مختلفة تماما لقيت استحسانا كبيرا عند البعض وجدلا عند البعض الأخر، إلا أن سيد أحمد لايزال متمسك جدا، بهكذا توجه لأنه يرى هذه الصورة المسرحية متجلية في التراث والتاريخ المجتمعي الجزائري، وبالتالي يمكن أن تكون لبنة أساسية لتأسيس مسرح جديد بالجزائر في هذا التوجه. وفي هذه النقطة بالضبط يسعى قارة بأن يواصل دربه في هذا المسار الروحاني حيث يتطلع لإنجاز مسرحية جديدة لكن هذه المرة، عن عالم الدين المتصوف مولانا جلال الدين الرومي قائلا (أنا أؤمن بالصوفية لأنها تمثل تراثنا الديني في الجزائر وسيكون عملي المسرحي في هذا المسار.. ولن يهنأ لي بال حتى أنجز المسرحية عن هذا العام الرباني)!. وعلى مدار ساعة من الزمن في فضاء صدى الأقلام، تطرق صاحب فكرة (المسرح في الشارع) التي لقيت صدى واسعا خلال السنوات الماضي، إلى كل شيء تقريبا في مساره الكرنولوجي في تجربته المسرحية بالجزائر، الا أنه تحدث باقتضاب عن مشروعه المسرحي المقبل الذي يقول أنه لا يزال يشتغل عليه وسيرى النور العام المقبل لكنه خارج الوطن.