ماسينيسا يعود إلى عاصمته سيرتا النصر جمعت خلاصة بعض المداخلات التي قدمها الباحثون و نقلت التصريحات من أكاديميين و مسؤولين عن تنظيم الملتقى في محاولة للتعريف بماسينيسا الذي حاول البعض تقزيم طموحه السياسي في سعيه للزواج من الأميرة القرطاجية صوفونيسبا، و نسجوا حول العلاقة قصة حب أسطورية، لكن الدكتورة ماتيلد كازو من جامعة مونبيليي الفرنسية قالت أن العلاقة لم تكن سوى تجلي اجتماعي لتحالفات سياسية معروفة و شائعة في تلك الفترة، و قد وصف المؤرخ الإغريقي بوليبوس ماسينيسا بأنه "من أسعد ملوك الدنيا في هذا الزمان" مشيرا إلى خصاله و طريقة عيشه المتسمة بالاستقامة الأخلاقية و عدم مجاراة بذخ ملوك قرطاج و أباطرة الرومان، فقد ورد في تاريخه المشهور أن ماسينيسا وقد تجاوز الثمانين وقف أمام باب خيمة القيادة في أحد معسكرات جيشه يأكل خبزا حافيا، و قد التقى به المؤرخ اليوناني الذي كان صديقا لشيبيون و تحدث إليه، و نقل عنه صورة الفارس القوي الذي رغم سنه كان لا يزال قادرا على البقاء فوق صهوة جواده يوما كاملا دون تعب،و قال أنه عاش بسيطا بين قومه محاطا بحبهم و تقديرهم. و قد تناول المؤرخون الرومان بعض خصاله و قدموه مثالا للحاكم الذي لا تستهويه مباذخ الدنيا و لا بهرجة السلطان. الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية سي الهاشمي عصاد قال في افتتاح الملتقى المنظم من طرف المحافظة ما بين 20 و 22 سبتمبر الحالي "أن اختيار قسنطينة لاحتضان ملتقى حول الملك النوميدي ماسينيسا يعد بمثابة عودة إلى أصول تاريخنا ومرجعيتنا الحضارية". و أضاف أن "اللقاء ( المنظم تحت شعار ماسينيسا في قلب تأسيس أول دولة نوميدية) يندرج ضمن مهمة المحافظة السامية للأمازيغية المتمثلة في توسيع تعليم اللغة الأمازيغية وترجمة بعدها الوطني". مؤكدا على أن "الأمازيغية عامل للتماسك والتلاحم وقيمة مضافة بالنسبة للمجتمع الجزائري"، مشيرا إلى "الإرادة السياسية من أجل إبراز تاريخ الجزائر المتنوع و ثقافتها المتعددة". أما الباحث ديدا بادي المنسق العلمي للملتقى فاعتبر أن توحيد نوميديا و جعلها قوة في شمال أفريقيا هو طموح حققه الملك ماسينيسا خلال نصف قرن من الحكم قبل أن تعيقه روما القوة الأخرى التي قسمتها ثم ضمتها الأمر الذي انعكست عواقبه على سكان نوميديا. بالنسبة لهذا الباحث بالمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ و الأنتروبولوجيا و التاريخ فان "أهم مرحلة" في تاريخ نوميديا تتمثل في فترة حكم ماسينيسا كونها الفترة التي توحدت فيها نوميديا الشرقية و الغربية في مملكة واحدة. و من هنا تكمن أهمية الملتقى الذي شارك فيه باحثون جزائريون و أجانب من أوروبا و أمريكا و من تونس. كيف وحد ماسينيسا نوميديا التي صمدت في مواجهة قرطاج و روما 5 قرون نجح ماسينيسا الذي وصل إلى سدة الحكم في مرحلة ميزتها الاضطرابات السياسية الناجمة عن المنافسة بين روما و قرطاج من أجل السيطرة على منطقة المتوسط لأول مرة في توحيد نوميديا التي تمثل المساحة الإجمالية الحالية لشمال الجزائر. و نفذ ماسينيسا مخططه المتعلق بتوحيد نوميديا و جعل منها دولة مستقلة حليفة لروما صمدت لمدة خمسة قرون. حكم ماسينيسا مملكة الماصيل و تحالف مع روما ضد قرطاج ليصل بعدها إلى سدة الحكم في مملكة الماصيسيل. ماسينيسا يعود إلى عاصمته سيرتا عاد الملك النوميدي ماسينيسا قبل أيام الى عاصمة الدولة النوميدية التي أسسها و وحد قبائلها من الشرق الى الغرب، في ملتقى دولي بالخروب التي تضم ضريحا يعتقد أن ابنه مسيبسا أقامه، في المكان المعروف بالصومعة، و بالقرب من عاصمة الدولة النوميدية الأولى قسنطينة ألقى باحثون و مؤرخون الضوء على شخصية فذة في تاريخ شمال أفريقيا. و يعتبر المؤرخون أن الفترة النوميدية في شمال إفريقيا بدأت حوالي سنة 250 قبل الميلاد في ظل بروز المملكتين البربريتين في شمال إفريقيا و هما ممكلة الماصيل في الشرق و عاصمتها سيرتا (قسنطينة حاليا) و الماصيسيل في الغرب و عاصمتها سيغا (أولحاسة الغرابة عين تموشنت حاليا). و كانت هاتان المملكتان تتحكمان في السهول بين جبال الأطلس وساحل البحر المتوسط. و بعد فترة من التعايش بدأت المنافسة مع تولي ملك الماصيسيل سيفاكس الحكم سنة 215 قبل الميلاد و تحالف هذا الأخير مع قرطاج بغرض محاولة السيطرة على الأراضي الماصيلية التابعة للملك زيلالسان الذي خلفه والد ماسينيسا غايا بعد وفاته. و استغل سيفاكس وفاة غايا (سنة 206 قبل الميلاد) لاحتلال سيرتا التي جعلها عاصمته في سنة 205 قبل الميلاد. لكن ابن الملك غايا استرجع مملكته بعد حرب دامية (سنة 202 قبل الميلاد) انتصرت فيها روما بمساعدة من ماسينيسا ضد الجيوش القرطاجية التي كان يقودها الجنرال حنبعل و التي انضمت إليها جيوش سيفاكس فيما بعد. و أصبح ماسينيسا يتحكم في كل الشرق الجزائري و حفر خندقا بمساعدة الجيوش الرومانية على طول عدة كيلومترات ابتداء من طبرقة إلى الغرب من أجل رسم حدود الشمال الجزائري. و استعاد ماسينيسا سيرتا و جعل منها عاصمته. و عكف ماسينيسا على إصلاح مملكته و شجع القبائل على الاستقرار و توسيع زراعة الحبوب و إصلاح الرسوم الجبائية إضافة إلى تعزيز تحالفه مع روما و إقامة علاقات مع اليونان. و وضع صورته على القطع النقدية باللغة البونيقية التي أصبحت اللغة الأكثر استعمالا في المملكة. و احتل ماسينيسا بعدها أراضي سيفاكس ثم قام بتوحيد نوميديا و رسم الحدود الغربية لمملكته ابتداء من واد ملوية القريب من الحدود الجزائرية المغربية. وتم توسيع المدن بحيث استحدثت مدن مادوروس (مداوروش) و تيبيليس (أنوما) و تشوبورسيكو (خميسة). نظام الملك عند ماسينيسا كان جماعيا في شكل المدينة الدولة اعتمد ماسينيسا نظام إدارة الدولة النوميدية مستلهما من الإغريق الذين تأثر بهم كثيرا و كانت ملامح الحضارة اليونانية الهللينية بارزة في مختلف منجزاته، فترك السلطات المحلية بيد قادة المدن الذين كانوا ينوبوه في إدارة شؤون مدنهم، و كانت المملكة تتكون من عدة جماعات يمثلهم رؤسائهم لدى الملك. و قد عرفت الكثير من الدول في الماضي البعيد و القريب هذا النظام الذي وضعه ماسينيسا و حتى فجر النهضة الإيطالية الحديثة قامت دويلات حول المدن الإيطالية المزدهرة مثل جنوة و البندقية مثلما أفاد مشاركون في الملتقى، لكن نوميديا كانت في مواجهة سلطتين مركزيتين قويتين هما قرطاج و روما بحكمهما المركزي الراسخ قد إختارت أسلوبا أكثر تفتحا في البداية، واستمرت السلطة فيها تنعم بالاستقرار من خلال تحالفات جماعات الحكم المحلي التي يمكن إعتبارها نوعا من الفيدرالية تحت قيادة ماسينيسيا لمدة تزيد قليلا عن نصف قرن (-202 إلى غاية 148 قبل الميلاد) و كانت المملكة موحدة و مزودة بجيش قوي و متطورة اقتصاديا. و بالنسبة للأستاذ ديدا "من الأكيد أن نوميديا "كانت موجودة قبل ماسينيسا بكثير لكن فترة حكمه تمثل أهم مرحلة في التاريخ بالنظر إلى الدور بالغ الأهمية الذي لعبه في توحيدها في ظرف جيوسياسي خاص في محيط المتوسط". و قال أن "نوميديا ماسينيسا كانت تمثل جزء من القوى العظمى آنذاك على غرار روما و قرطاج. ولم يكتف بتوحيدها في مملكة واحدة بل جعل منها قوة عظمى على عدة أصعدة خاصة منها الاقتصادي. و من ثم لا بد أن يكون محل فخر بالنسبة للأجيال الجزائرية". و أوضح خلال الملتقى أن "ماسينيسا مثال لتوحيد الدولة و الحكم إذ نجح في تنظيم الجيش و الفلاحة و توطين البدو الرحل. كما لم تسجل أي ثورة شعبية خلال فترة حكمه لأنه كان يكن الاحترام للشعب و لم يكن يمارس سياسة ضرائب صارمة كثيرا". و حين طالب ماسينيسا بأرض أجداده التي إستولى عليها القرطاجيون بعد هزيمة لحقت بهم على أيدي حلفائه الرومان رفضت روما مشروع ماسينيسا الرامي إلى الظفر بمدينة قرطاج التي دمرها الجيش الروماني سنة 146 قبل الميلاد، لأنها كانت تخشى فقدان سيطرتها في شمال أفريقيا بظهور دولة محلية قوية، و استغلت وفاة الأغليد المؤسس لتقسيم تركته السياسية بين أبنائه الثلاثة و التحكم مجددا في زمام الوضع. لكن البعض من المتدخلين خلال الملتقى قالوا أن تولي أبناء ماسينيسا الثلاثة الحكم في مملكته بعد وفاته كان انتقالا سلسا للسلطة دون حروب فيما بين الإخوة و هو أمر نادر الحدوث في ذلك الزمان، لأن ماسينيسا كان في حياته قد ترك تدبير شؤون بعينها بيد أبنائه الذين رباهم على ذلك و أعطى كل واحد منهم صلاحيات معينة في دولته و قد بقوا بعده على تلك الطريق مثلما أوضح الأستاذ حارش من جامعة الجزائر2. لماذا بقي تاريخ الدولة النوميدية مجهولا و شخصية ماسينيسا مكتومة يرى عدد من المشاركين في الملتقى أن كتابات المؤرخين و باقي النصوص حول نوميديا و تحديدا حول ماسينيسا تعكس "نظرة أحادية الجانب" كونها لكتاب إغريق و لاتينيين على غرار تيتليف و ديودور دو سيسيل و آبيان و بوليب. و حسب المنسق العلمي للملتقى فإن" كل ما كتب عن ماسينيسا و نوميديا منحصر في نظرة أحادية الجانب المتمثلة نوعا ما في نظرة الآخر لنا"، معلنا أنه "قد حان الوقت بالنسبة للباحثين و علماء الآثار و المؤرخين الجزائريين لتنقيه تاريخ هذه الفترة و مقارنة نتائج الأبحاث مع تلك التي وردت إلينا من الخارج". و يرى أن البحث في علم الآثار يجب أن يعزز و يركز أكثر على المرحلة النوميدية لأنها "تسمح بتقييم المعطيات التاريخية اعتمادا على أدوات مادية" و تمثل "الضامن لصحة النظرة الجزائرية لتلك الحقبة من الزمن". و أرجع ديدا بادي قلة عدد الأعمال في علم الآثار المنجزة حول نوميديا إلى عدة عوامل لاسيما ذات طابع أكاديمي إذ ذكر على سبيل المثال كون البحث في علم الآثار لا يزال فتيا بالجزائر بالإضافة إلى نقص مراكز و معاهد البحث في علم الآثار. و قال أن "علاقتنا بالماضي قريبا كان أو بعيدا ليست واضحة بعد و يكتنفها الغموض. و نحن لا نحسن استعادة كل صفحات تاريخنا و لا دراسته في العمق. و لا ينبغي في أي حال من الأحوال اعتبار المرحلة النوميدية نقطة ضعف في تاريخنا كون كل التاريخ معني". و في هذا الصدد اقترح تحسيس مؤسسات النظام التربوي و الجامعي بادراج بعد الجزائر القديمة في البرامج التعليمية و دعا الباحثين إلى إعادة النظر في التاريخ بمجمله.