صراخ زوجته أنقذ ابنهما الرضيع من وسط اللهب زارت النصر المواطن الذي أقدم على حرق بيته الكائن بالقرية الفلاحية 20 أوت ببلدية عين عبيد بولاية قسنطينة ، للوقوف على حقيقة هذا الحادث الذي هز سكان المنطقة ، بعد تلقينا مكالمة منه يقول فيها بأن دافعه الحقيقي هو معاناته من الظلم الذي نغص عليه حياته ، وجعله يقدم في لحظة غضب فقد فيها السيطرة على نفسه ، بنفث دخانها الذي ألهبت نيرانه منزله . وعلى بعد حوالي 05 كم من مقر بلدية عين عبيد ، توقفت بنا السيارة عند مدخل قرية 20 أوت الفلاحية، ببيوتها القرميدية المتلاصقة ، ذات الهندسة المعمارية التي طبعت القرى الإشتراكية في عهد الثورة الزراعية ، ولم يبق من شاهد عليها إلا هذه الجدران الإسمنتية التي تخلى العديد من الفلاحين عنها ،وباعوها للإقامة في المدينة. وأول شخص التقيناه دلنا على بيت المواطن عاشور محمد الذي أصبح الحادث الذي تعرض له حديث كل أهل القرية ، الذين سارع عدد كبير منهم إلى نجدته ، ومحاولة تخفيف مصابه ، بعد أن أتت النيران على جزء كبير من بيته. ورغم مرور ثلاثة أيام عن الحادث عند تنقلنا إليه، إلا أن رائحة الحريق مازالت تخيم على البيت، حيث قابلتنا أمام عتبة الباب بقايا الأثاث الملتهب، والدخان الأسود الذي يغطي الجدران، وكلما خطونا خطوة أخرى تتسع صور الدمار الذي انهار في لحظة غضب. وجدنا ثلاثة من الجيران من أهل البر والإحسان يقومون بعملية الترميم ، فيما تم وضع بعض المساعدات الأخرى من أغطية وأفرشة تبرع بها محسنون في إحدى الغرف التي مازالت تحمل آثار عملية الإطفاء ، وسط ذهول صاحب المنزل الذي مازال تحت الصدمة . وقد اعترف لنا بأن صراخ زوجته التي كانت تطلب النجدة من أجل إخراج إبنهما الرضيع من وسط اللهب هي التي جعلته يسارع إلى حمله والخروج إلى الشارع ، وتحول الأقدار بالتالي دون محاولته الإنتحار حرقا . قال وهو يحاول أن يتماسك نفسه ، وكل ما في البيت يذكره بما وقع ، بأنه صباح وقوع الحادث ، كان يفكر في كيفية توكيل محامي في قضية مطروحة على العدالة ، حكمت عليه في جلستها الأولى بتغريمه بمليوني سنتيم ، وينتظر الفصل فيها هذا الشهر بعد طعنه فيها . أخبرنا بأنه ذهب فيها ضحية تنازله عن المطالبة بحقه وحق ابنته الصغيرة التي تعرضت إلى حادث داخل مدرستها “ حبيب رمضان” ، قبل فيه بإجراء صلح موثق ، أطلعنا على نسخة منه ، موقع من طرف مدير المدرسة ، رغم أن لديه تقريرا طبيا بعجز ابنته مدته 15 يوما ، نتيجة سقوطها داخل القسم بتاريخ 17 جانفي، وإصابتها على مستوى فكها إصابة بليغة أدت إلى اقتلاع السن الذي انغرس داخله ، تم اكتشافه بالتصوير بالأشعة عند عرضها على أطباء الأسنان في قسنطينة . و هي اليوم تعاني من تبعات هذه الإصابة المؤلمة، التي جعلتها لا تقدر على فتح فمها أيام البرد، بسبب الآلام الشديدة التي تصيبها، كما نفرتها من المدرسة، وجعلتها تخاف من الذهاب إليها، وتدهورت نتائجها الدراسية. وبعد أربعة أشهر من الضغوط، والألم الذي يعتصر قلبه بسبب شعوره بأنه مظلوم كما قال لنا ، لأنه ضيع عليه فرصة مقاضاة المدرسة التي صدق خطوة الصلح التي عرضتها عليه ، خاصة وأن أخلاقه لم تكن تسمح له كما قال بمقاضاة امرأة وجرها إلى المحاكم ، فتحول من ضحية إلى متهم متابع بالإعتداء على موظف أثناء أداء مهامه ، و فقدانه لمنصب عمله كحارس لدى أحد الخواص ، نتيجة غياباته الكثيرة من أجل علاج ابنته ، وحضوره جلسات المحاكمة التي تأجلت أكثر من مرة ، لم يعد يتحمل المزيد. ولما عاد إلى البيت يوم الحادث حوالي منتصف النهار، أخبرته زوجته بأنهم قطعوا عنهم الكهرباء ، لعدم تسديد فاتورته الأخيرة ، بعد انقضاء أجل الدفع بيوم واحد ، فسارع إلى عون “سونلغاز” الذي مازال لم يغادر بعد المكان ، وترجاه كما قال لنا بأن يمهله يوما آخر من أجل أن يتدبر مبلغ الفاتورة المقدر ب3400 دينار ، لكنه رفض توسلاته . وأمام هذه التراكمات الكبيرة التي أطبقت على أنفاسه ، اسودت الدنيا في وجهه ، فلم يشعر بما كان يقوم به كما قال لنا ، حيث سارع إلى إخراج زوجته وبناته الثلاث من البيت ، إصلاح 12 سنة ونور الهدى 09 سنوات وإيمان 07 سنوات، وأشعل النار داخله باستعمال البنزين ، في محاولة لوضع حد لحياته ، والتخلص من هذه المشاكل التي لا تنته . ووسط اللهب سمع زوجته تصرخ لأن إبنهما الرضيع أيوب (09أشهر ) داخل الغرفة التي اندلعت بها النيران . فهو لم يتفطن إلى وجوده ، حيث كان ملفوفا في غطاء صوفي في زاوية من غرفة الإستقبال ، وعندما أخرج زوجته من البيت لم تكن تعلم بما سيقدم عليه ، فسارع إلى إبعاده عن الخطر . ولم تزل الغشاوة من عينيه إلا بعد أن التفت ليجد نفسه في مركز الحرس البلدي، ومحاولة أعوانه تهدءته. وبعد الحادث فقط قابل رئيس البلدية الذي قال أنه يراه لأول مرة بعد استدعائه من طرفه ، لأن نفسه الكريمة وأنفته منعت من مد يده وطلب مساعدة مصالحها ، للحصول على قفة رمضان ومنحة الدخول المدرسي ، حيث ظل يواجه عوزه في صمت ، لولا إعانة أهل الخير الذين كانوا يقفون إلى جانبه ، ولا يشعرونه بأي منة مبتغاة الثواب عند الله . و المصيبة التي حلت به، جعلت العديد من أهل البر والإحسان يسارعون إلى نجدته من جيرانه وحتى من خارج القرية، وقد فتح له جاره بيته لإيواء زوجته وأبنائه في انتظار انتهاء أشغال ترميم البيت. كما وعده رئيس البلدية الذي استمع إلى مأساته بتقديم يد المساعدة، وتوفير منصب عمل. وهو بالإضافة إلى الفقر الذي لا يعتبره عيبا يخجل منه ، يعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري ، ومع ذلك يؤكد بأن كل ذلك يهون ، وقد تعود على أن يصبر عليه ، وأن كل ما يطلبه هو إنصافه من طرف العدالة ، مؤكدا بأنه اتصل في اليوم الموالي للحادث بمديرية التربية مرفوقا بابنته، لكنهم رفضوا استقباله ، وبعد عدة محاولات استمع إلى شكواه أحد المسؤولين بها ، ووعده بإرسال لجنة للتقصي في الحادث . مصلحة المنازعات بمديرية التربية بالولاية قالت بأنه ليس لديها علم بهذه القضية المطروحة على العدالة، فيما اعترف مدير المدرسة بهذا الحادث الذي وقع لهذه التلميذة داخل القسم أثناء تواجده بمديرية التربية في ذلك اليوم، وعند عودته عرف بما حدث. وحسبه فإن ما وقع كان حادثة بسيطة، نتيجة ارتطام رأس التلميذة التي كانت تجلس في الصف الأخير بطاولتها في حركة صبيانية، مما أدى إلى فقدانها لسنها . و أنه بادر إلى التهدئة بين الطرفين على أساس أن دور المؤسسة التربوية هو تربوي بالدرجة الأولى، بعد أن علم بما وقع بين المعلمة وولي التلميذة الذي كان في حالة غضب شديد وهدد برفع القضية إلى العدالة. و بالفعل نجح كما أوضح لنا في إبرام صلح موثق بينهما أرسل نسخة منه إلى مفتش المقاطعة، اعتذر خلاله المتخاصمان عما بدر من شجار لفظي بينهما، وقبلت المعلمة تلميذتها وأصبحت تجلس في الطاولة الأولى. وبالنسبة إليه ملف القضية أغلق بعد هذا الصلح، وليس لديه علم بتبعاته. و قد امتنعت معلمة نور الهدى عن الإدلاء بأقوالها حسبما أخبرنا مدير المدرسة، الذي أشار إلى أنها رفعت القضية أمام العدالة قبل الصلح، وعلى ولي هذه التلميذة أن يطلع المحكمة بالوثيقة التي سلم له نسخة منها. صفية/ب