"بقرة العرش" ما تزال حية منذ تسعة قرون كاملة وسط أجواء حميمية مفعمة بالمودة والتعاون والتضامن، أحيا صبيحة أمس الأول سكان قرى ومداشر بلدية أوريسيا الواقعة شمال مدينة سطيف عادة "بقرة العرش" التي توارثوها عن الأباء والأجداد منذ غابر السنين، وهي عبارة عن وليمة جماعية، يتم خلالها توزيع حصص معتبرة من لحوم الأبقار على العائلات أو ما يعرف ب"الوزيعة" عند هؤلاء السكان. وحسب رئيس الجمعية المكلفة بهذه المبادرة التضامنية فإن أعيان المنطقة دأبوا على إحياء هذه العادة منذ تسعة قرون كاملة، وذلك مرة واحدة في السنة، حيث يقوم السكان بعد جمع التبرعات، بشراء عدة رؤوس من الأبقار ونحرها وتوزيع لحومها على كل العائلات بدون إقصاء أو تهميش. ذات المصدر أوضح أن العملية مست هذه السنة أزيد من 600 عائلة تقطن بمختلف التجمعات الريفية التابعة للبلدية، وهي العائلات التي ساهمت بمبالغ مالية حددها أعيان المنطقة، كما تم بالمناسبة توزيع 34 حصة على اليتامى والمساكين بصفة مجانية عملا بمبدأ التكافل الاجتماعي الذي تسعى الجمعية المذكورة إلى ترسيخه في الأذهان من خلال إشراك الأطفال. وحسب رئيس هذه الجمعية فقد تم هذه السنة نحر ست بقرات كانت كافية لاستفادة كل العائلات من لحومها وسط أجواء من البهجة والتآزر والتعاون بين الجميع. ربات البيوت بدورهن يساهمن مساهمة فعالة في إحياء هذه العادة وذلك بإعداد أطباق شعبية لا يمكن الاستغناء عنها في مثل هذه المناسبة وفي مقدمتها طبق الكسكسي أو "البربوشة" كما يعرف عند العامة، وهو الطبق الذي يتم إعداده من دقيق القمح الصلب، ويحتوي بالإضافة إلى اللحم على العديد من الخضر البرية المنتشرة عبر حقول المنطقة بكثرة على غرار "القرنينة" و"الخرشوف" وغيرها وهو ما يعطي نكهة مميزة للطبق المذكور. وزيادة على ذلك تقوم ربات البيوت في هذه المناسبة بتحضير طبق آخر يسمى "الزريقة" وهو يتكون أساسا من فتات "الكسرة" ويسقى بمادة "الدهان" أي زبدة الأبقار، وهذا الطبق الأخير يتم تقديمه خصيصا للضيوف. وحسب شهادات بعض شيوخ وأعيان المنطقة فإن الظاهرة الغريبة في الاحتفالات بالعادة المذكورة هي ظهور طائر أسود في كل سنة وقت الوليمة، وبعدها يختفي عن الأنظار لمدة سنة كاملة الزائر الغريب حسب نفس الشهادات يظهر في الساعات الأولى من يوم الوليمة، ولا ينصرف إلا عندما ينال نصيبه من لحم البقر، والذي تعود السكان عليه منذ عدة سنوات، حيث يقومون بوضع نصيبه من اللحم فوق الجبل المعروف باسم "كاف الطير" نسبة إلى هذا الزائر الذي سرعان ما يلتهم اللحم الممنوح له، ثم يطير إلى وجهة مجهولة ويختفي عن الأنظار، على أن يعود في العام الموالي. وبالرغم من أن السكان لم يجدوا لهذه الظاهرة أي تفسير في ظل امتزاج الحقيقة بالخيال والأسطورة، إلا أنهم يتفاءلون خيرا عندما يرون هذا الطائر الغريب، ويعتبرونه فأل خير على المنطقة كلها.