تلاميذ يتناولون "المنشطات والمقويات" مثل الكاوكاو عشية البكالوريا يتهافت الكثير من الآباء والأمهات على اقتناء الأدوية المنشطة والمقوية للذاكرة والمضادة للارهاق والقلق ومختلف الفيتامينات لأبنائهم المقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا، رغم ارتفاع أسعارها، لأنهم يعتقدو ن بأنها تضمن لهم التركيز والاستيعاب الجيد والسريع للدروس وتوصلهم حتما إلى النجاح وبوابة الجامعة... وبالمقابل يتنافس الصيادلة على جلب أكبر عدد ممكن من أصناف هذه الأدوية المطلوبة بإلحاح والتي أصبحت بمثابة موضة طاغية هذا الموسم والأهم أنها تحقق لهم أرباحا سريعة قد تفوق مبيعات أدوية الأمراض المزمنة في باقي شهور السنة. وقبل حوالي شهر من موعد الامتحان، وتحت وطأة الضغوط والمخاوف المتزايدة التي يعاني منها الأولياء وتنعكس على الأبناء، بلغ الإقبال على هذه الأدوية ذروته لدرجة أن العديد من صيدليات قسنطينة التي زارتها "النصر" نفذ مخزونها من الفيتامين سي (C) وأقراص "جوفامين" المنشطة للذاكرة، على وجه الخصوص، لأنها –كما قال- "الباعة" بيعت كالفول السوداني (الكاكاو) أو الحلويات لطلبة البكالوريا. ويكفي أن تسأل أحدهم عن دواء قد يفيد ابنك هذه الفترة في أوج تحضيره للامتحان ليجلب لك مختلف الأنواع التي بحوزته الجديدة منها التي ظهرت هذا الموسم، أو القديمة المعروفة.. ويتفنن في استعراض فوائد ومزايا كل نوع وأحدثها -كما يبدو- "فوكوس" الذي يروج له الجميع "كملك" لأدوية تنشيط وانعاش الذاكرة الخاملة والمتعبة. لكن يظل "جوفامين" و"سوبرادين" و"ألفتيل" و"لاجولي روايال" وقائمة متنوعة من الأدوية والفيتامينات في خضم المنافسة وفي قمة المبيعات! حتى إلتهاب أسعارها لم يؤثر في درجة الهوس باقتنائها. المنشطات والمقويات موضة موسمية! بهذا الخصوص قال صيدلي في حي قدور بومدوس: "منذ أكثر من شهرين زاد الاقبال على هذه الأدوية وكلما أحضرنا كميات جديدة نفذت بسرعة من الرفوف. بعض الأولياء يحضرون وصفات طبية تسهل مهمتنا والبعض الآخر يطلب منا الاطلاع على النشرات والتوجيهات الموجودة في علب الأدوية قبل أن يحددوا ما يريدون. في حين تطلب الفئة الثالثة وهي الأكبر عددا، النصح والاستشارة.. ولا نبخل عليهم في حدود معلوماتنا وخبرتنا ووقتنا.. كأن الأمر يتعلق بموضة منتشرة بين الطلبة وأوليائهم، فيحرصون على مواكبتها..." وقال صيدلي آخر بوسط المدينة: "العديد من الأولياء يقولون لنا بأن أساتذة أبنائهم نصحوهم باقتناء نوع معين من أدوية تنشيط الذاكرة التي جربوها، بدل أن ينصحوهم بالتركيز على المراجعة وتجنب الارهاق... وفي هذه الحالات لا يمكن أن يمتثلوا إلا لرأيهم ولن يستمعوا لتوجيهات الصيادلة أو الأطباء... فيكون للدواء تأثير نفسي أكثر من العضوي الجسمي" . في حين استغرب صيدلي ثالث بحي المنظر الجميل من تفشي هذه الظاهرة وقال: "بعض الأولياء يعتقدون بأن الأدوية الأغلى ثمنا هي الأكثر فائدة فلا يبخلون على أبنائهم بها وكأنها مفاتيح النجاح.... ولو كنت مكانهم لاشتريت لأبنائي صندوقا مليئا بأنواع الفواكه الموسمية الطازجة بدل كيس من الأدوية قد لا تفيدهم في شيء. تصوروا أحد الأولياء حضر قبل حوالي شهر ونصف وطلب مني فيتامينات وأدوية للذاكرة والتركيز لكافة أبنائه المقبلين على الامتحانات وتتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاما.. دفع 4000 دج وانصرف مستبشرا وكأنه ضمن نجاحهم ! . الفواكه والخضر أفضل وصفة للطلبة أوضح من جهته رئيس مجلس أخلاقيات الصيادلة لناحية الشرق، الدكتور كمال بغلول بأن هذه المواد لا تصنف في خانة الأدوية التي تضمها القوائم الرسمية التي حددتها وزارة الصحة، ولا يتم اخضاعها بالضرورة لاجراءات المراقبة واختبارات النوعية، ويتم جلبها –كما قال- من طرف التجار ومستوردي مستحضرات التجميل، باعتبارها مكملات غذائية تلصق عليها قسيمة بيضاء تقترح سعرا لها وبالطبع لا يتم تعويضها من طرف مصالح صندوق الضمان الاجتماعي. وأضاف بأن رواجها المتزايد يعود لأن بعض المندوبين التجاريين يقترحونها على الأطباء فلا يترددون في وصفها للطلبة وينظر اليها الكثير من الصيادلة على انها تجارة مربحة، فأصبحت بمثابة الموضة... وحذر من الأعراض والآثار الجانبية لهذه المنتجات التي يتعامل معها الجسم كمواد غريبة عنه. خاصة وأن لا أحد يراعي الجرعات والأوقات التي يمكن أن تستهلك فيها.. واستطرد قائلا: "حتى أقراص فيتامين "سي" الذي يقال أنه يحارب الارهاق وينشط الجسم، له أعراضه الجانبية وآثاره السلبية.. فإذا تم تناوله ليلا وبجرعات كبيرة يتسبب في الأرق والارهاق والهيجان.. لتجنب كل ذلك أنصح الأولياء بالاعتماد على أصناف الخضر والفواكه الطازجة والعصائر الطبيعية المنعشة بدل المواد الغالية المعروضة في الصيدليات وكأنها تأشيرات للنجاح". وينصح بدوره الدكتور عبد الرحمن عبداوي، طبيب بالمستشفى الجامعي بن باديس ورئيس الجمعية العلمية لكلية الطب بقسنطينة "الحكمة" باستهلاك الفيتامينات المتوفرة في الخضر والفواكه والعصائر الطبيعية والنوم ليلا من 7الى 8 ساعات لتقوية وتنشيط الذاكرة وضمان الحيوية والتركيز بشكل طبيعي وفعال. أما الأدوية والمستحضرات التي أصبحت – كما قال – توفر للصيادلة خلال شهرين أرباحا تناهز أو تفوق مداخيل بيع الأدوية في باقي شهور السنة وتظهر كل يوم أصناف منها بأسماء تجارية متعددة، فمن الأفضل تجنبها.. ومن يصمم على اعطائها لأبنائه فليستشر طبيبا، قبل أية خطوة وأضاف: "أنصح الأولياء بتجنب الضغط على أبنائهم قبيل الامتحان والحرص على توفير أغذية متوازنة لهم غنية بالأسماك والخضر والفواكه الموسمية الطازجة على الأقل هذه الفترة فهي تمنح الجسم والذاكرة كل ما يحتاجانه من مواد وفيتامينات وتغنيهم عن الأدوية". ويرى أستاذ علم النفس ومعدّ ومقدم العديد من حصص الارشاد النفسي الاذاعية رابح لوصيف بأن الأولياء يجعلون أبناءهم يتكئون قبل اجتياز امتحان البكالوريا على عصا الدروس الخصوصية المكثفة وعصا الأدوية التي يعتقدون بأنها تنشط وتقوي الذاكرة وتطرد الارهاق والقلق بدل ترسيخ ثقتهم بأنفسهم وتقوية شخصيتهم واعتمادهم على قدراتهم وامكانياتهم.. وهذه هي مفاتيح النجاح الحقيقية وأضاف:"المؤسف أن الكثير من الأولياء لايهتمون بتكوين شخصية الأبناء ككل وكيفية تنميتها وإثرائها وتطويرها بقدر ما يهتمون بتحضيره للبكالوريا... لاحظت بأن العديد من الطلبة لا يحبون تناول الأدوية، ويرغمهم أباؤهم على ذلك، مما يثير لديهم حالات انفعالية سلبية تتسبب في عدم التركيز والاضطرابات المختلفة. أما الأولياء فيتعاملون مع هذه الأدوية وينظرون إليها بطريقة خاصة... وكأنها وسائل للتخفيف عن الضغوط التي يمارسونها على أبنائهم وإنقاذهم من القلق والخوف... وهي في الواقع تزيد من هذه الضغوط في خضم إغراقهم بالدروس الخصوصية فيشعرون بالاكتئاب و"بالانسداد" من فرط الإرهاق وقد تتواصل هذه الحالة الى ما بعد الامتحان... لهذا أنصح الأولياء بالتعامل مع أبنائهم بشكل عادي وتوفير الغذاء المتوازن لهم... كما تنصح النفسانية بوجدير من ديوان مؤسسات الشباب الطلبة بتجنب المنبهات وكل أصناف الأدوية المنشطة والسهر الطويل والمحافظة على الهدوء وتنمية الثقة بالنفس...