"الخرشة" بالمدية.. من هنا تخرج أحذية وملابس جلدية تتحدى المستورد تمثل « الخرشة « أو الأقبية، إحدى المعاقل المتبقية التي تحافظ على صناعة الأحذية و الألبسة الجلدية بولاية المدية من الاندثار، أمام موجة الاستيراد التي قد تعصف بحرفة تمتد لعقود طويلة من الزمن. يفتخر أبناء مدينة المدية بكونها عاصمة الجلود و لا تزال تحافظ على موروث يمتد لعقود طويلة في صناعة الأحذية و الألبسة الجلدية وغيرها من الجلود الفنية التي تستخدم للتأهيل الحركي و ذلك داخل ورشات صغيرة تعرف باسم «الخرشة» نظرا لضيق مساحتها وظروف العمل غير اللائقة بها، فمعظمها تقع في دهاليز البنايات العتيقة. تحصي المنطقة لحد الآن أزيد من ألفي حرفي مختص في صناعة الجلود ، حوالي 100 حرفي منهم يملكون سجلات تجارية، حسب عبد اللطيف م، 35 عاما ، الذي ورث هذه الحرفة عن أبيه، مشيرا إلى أن عدد الحرفيين تقلص بسبب الانفتاح الاقتصادي و التجاري الذي عرفته البلاد في غضون السنوات الماضية، الأمر الذي عجل باختفاء عديد ورشات الخرشة التي كانت تصدر منتجات ذات جودة عالية، على غرار الألبسة الجلدية إلى موسكو بروسيا، لأن أسعارها كانت مغرية للأجانب. الحرفي ذكر بأن الجلود أنواع و أشكال، و يعتمد الحرفيون كثيرا على جلود البقر و الغنم، حيث يتم استعمال جلد البقر للواجهة الخارجية للحذاء بحكم حجمه و يمكن من خلاله تفصيل و ضبط مقاسات مختلفة، في حين يوضع جلد الماعز و الغنم كفراش داخلي. و بالنسبة للألوان الأكثر طلبا، يضيف زميله في الورشة الصادق ،23 عاما هي الأسود الناعم ، لون" الشرابي" المعروف ب"بوردو" ، القطيفة (مندارين ) ، الأخضر (الدان ) وغيرها ، و يستخدم طلاء خاص للحصول عليها، لكن الإشكال الذي يواجه هذه الحرفة على غرار المنافسة الأجنبية، يتعلق بنقص المادة الأولية. منتجات بأسعار تنافسية تستقطب التجار من مختلف الولايات و كذا المهاجرين أهم ما يميز حرفة صناعة الجلود بالمدية تشبث أبنائها بمهنة الأجداد ، حيث وجدنا الشاب أسامة. ج، منهمكا في تفصيل معطف جلدي ، لأن الفترة الحالية التي تسبق موسم الشتاء، مناسبة لإنتاج أكبر عدد ممكن من المعاطف لطرحها في الأسواق المحلية بأسعار تنافسية، إذ تتراوح بين 5 آلاف دج و 15 ألف دج، حسب النوعية و المقاسات المطلوبة. و يقبل تجار الجملة من ولايات المجاورة ،على غرار البليدة ، عين الدفلى ، تيبازة ،العاصمة و الجلفة على اقتنائها، فيما يستقطب المتوج المحلي بعض المهاجرين لبيعها بالخارج، و يطلق عليهم، كما قال محدثنا، «تجار الكابة». و يعود نجاح و استمرارية حرفة صناعة الجلود التي تقاوم المنافسة الخارجية لعدة عوامل، أهمها الإتقان في العمل بطريقة يدوية، إلى جانب طبيعة المنتوج المصنع مئة بالمئة من جلود الأبقار والأغنام بصفة عامة، كما أنه صحي لا يعرض الزبائن لأمراض جلدية ، لأن شكاوى المواطنين في هذا المجال، غالبا ما تثيرها - يضيف محدثنا - حالات استيراد منتجات ذات طبيعة و تركيبة غير معروفة، خاصة بالنسبة للألبسة و الأحذية . غير بعيد عن هذه الورشة يتحدث أبناء المدينة عن الحرفي عبد الكريم دقداق، المختص في صناعة المواد الجلدية الفاخرة، كالسروج ، والحقائب والأحزمة و حافظات الأوراق الثبوتية بطريقة يدوية، كما أنه يملك في ورشته أدوات تعود إلى حوالي 100 سنة ، و يعرف هذا النشاط الذي يتطلب مهارة كبيرة ب»القراطي»و يستخدم بعض الأدوات البسيطة، كالزمبا و الحجرة و لارولات للتسخين و الشعرة وآلة الخياطة التي تشغل بطريقة يدوية ، ولكل حرفي ختم وعلامة لمنتجه. و يقول الإسكافي صالح بأنه قضى 17 عاما في مزاولة هذه المهنة التي ورثها أبا عن جد ، في حين يوجد حرفي آخر يدعى بابا علي علال يملك ورشة متميزة لصناعة الجلود خاصة بالتأهيل الحركي، حيث يلبي طلبيات المعاقين و المصابين بمشاكل في العظام في ما يتعلق بتصميم الأحذية .