عبد الحميدبن باديس من خلال تقارير المخابرات الفرنسية أعاد الدكتور عمار طالبي و الباحث عبد المالك حداد إلى الواجهة العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس بإصدارهما الجديد « ابن باديس من خلال الإجازات و الوثائق وتقارير المخابرات الفرنسية «. الكتاب ارتكز على الدراسات و الوثائق و التقارير السرية عن العلامة الصادرة عن المخابرات الفرنسية، و يعتبر من أهم ما نشر عن حياة قائد النهضة العلمية و الفكرية بالجزائر و مادة للبحوث والدراسات في مجال تاريخ الجزائر الحديث. المؤلف من إصدار الأصالة للنشر والتوزيع و يحتوي على 555 صفحة، يبدأ بمقدمة من توقيع الدكتور عمار طالبي، بين فيها أن ما اشتمل عليه هذا الكتاب من الإجازات التي حصل عليها العلامة عبد الحميد بن باديس، و دفتر دراسته بجامع الزيتونة، والوثائق المختلفة كرأيه في الخلافة الإسلامية، والرسائل التي كتبها، وما كتب إليه، والتقارير السرية التي كتبتها عنه المخابرات الفرنسية، التي كانت تلاحقه منذ العشرينات من عمره إلى حين وفاته. و يقدم الإصدار للمؤرخين معلومات قيمة عن تطور الحركة الإصلاحية الجزائرية، وما كان له صلة بها من العالم الإسلامي والعربي، وما تعنى به من تتبع لأحوال الحركات الإصلاحية، و أناشيد وضعت لتربية الناشئة الجزائرية على حب دينهم ولغتهم وتعلقهم بحب الرَسُول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان قد نظمه ابن باديس من شعر مثل قصيدة « شَعْبُ الجزائرِ مُسْلِمٌ وَإلىَ العُروبةِ يَنتَسِبْ.. « ويعطي حقائق فكرية وإصلاحية تربوية هيأت الشعب الجزائري لأن يقوم بثورة عظيمة زلزلت أركان الاستعمار الاستيطاني، وهزمته هزيمة لا تقل عن هزيمة فرنسا في «ديان بيان فو» في الهند الصينية. وقد قدم المؤلفان ترجمة وافية للشيخ ابن باديس في أول الكتاب، استوعبت جميع تفصيلات حياته، كما عرفا بعائلة ابن باديس في قسنطينة، واستعرضا شجرة العائلة بالاعتماد على المصادر والمراجع منها مخطوطات لعلماء من العائلة، و سجل التلقيب والدفتر الأم بمصلحة الحالة المدنية ببلدية قسنطينة، لتكون هذه الدراسة إضافة نوعية للمتابعين في موضوع الدراسات المتعلقة بحياة الشيخ ابن باديس والتعريف بآل باديس في قسنطينة. المؤلفان عرضا دفتر الشيخ ابن باديس بجامع الزيتونة مع ما حصل عليه من إجازات، بوصف دقيق ونشر صور واضحة ذات جودة لجميع صفحات الدفتر المكتوبة بخط مشايخه، ولإجازة الشيخ حسن السيناوني في قراءات السبع البدور، ما يؤكد المعاينة المباشرة للأصل عند أخيه عبد الحق بن باديس، وكذلك إجازته للقاضي شعيب التلمساني المحفوظة بالمكتبة الوطنية بالمملكة المغربية. وعزز ذلك إخراج النص إخراجا تامًا مُتقَنًا، ما يؤكد القراءة المتأنية عند التحقيق والوقوف على شواهد وقرائن ساعدت على فك رموز الألفاظ والأسماء، وهو ما لم يتسن لأعمال طبعت من قبل. كما استعرض المؤلفان تعاريف بمشايخ ابن باديس وبمن أجازه وعددهم 23 ، بالإضافة إلى 5 من مشايخ النظارة أعضاء لجنة الامتحان بجامع الزيتونة. وذكرا أيضا قائمة الكتب التي درسها في الجامع و إجازاته، وثناء شيوخه عليه من خلال دفتره الدراسي وتقارير رسالته في نقد الشيخ العليوي. ونشر في الكتاب قراءة الشيخ ابن باديس لكتاب «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم الظاهري الأندلسي، وكتابته للمسائل التي وقف عليها وعنى بها للرجوع إليها وقت الحاجة. وأعاد المؤلفان نشر نصوص حول الخلافة الإسلامية كتبها الشيخ ابن باديس ونشرها في صحيفة النجاح، ومجلة الشهاب، وسبق للدكتور طالبي جمعها ونشرها في كتاب «الآثار»، ويبدو أن التذكير بهذه النصوص جاء كدعوة للباحثين والدارسين للتعمق في جوانب الموضوع لدى الشيخ ابن باديس ، خاصة في ظل الأحداث التي يشهدها الوطن العربي والإسلامي. وجمع المؤلفان أشعار الشيخ ابن باديس التي كتبها ونشرها في مجلة الشهاب وجريدة البصائر، ومنها ما جاءت متفرقة في مصادر أخرى، كما تم استعراض حوارات الشيخ ابن باديس التي نشرت في جريدة باريس L'intransigeant في فيفري 1937، وجريدة la lutte social في أفريل 1937، وجريدة السردوك التونسية وهي جريدة أسبوعية فكاهية مصورة في جويلية 1937. و من الوثائق التي جمعها المؤلفان، 26 رسالة كتبها وبعض ما كتب إليه، من بينها رسائل نشرها الدكتور عمار طالبي في كتاب «الآثار»، و أخرى صورت من تراثه المحفوظ لدى أسرته، و أيضا ما جمع من مصادر أخرى. ما زاد من أهمية الكتاب ، أن المؤلفين ترجما تقارير سرية من الأرشيف الفرنسي حول الشيخ ابن باديس، وعددها 51 تقريرا من سنة 1921 إلى غاية سنة 1958 تتضمن 66 ورقة و12 وثيقة وصورة ملحقة، و لم يسبق نشرها بهذا التفصيل، رغم محاولة التلميح وتقديم قراءة لمضامين 21 منها فقط، في عمل سبق نشره.