- وعدة البركي - ..فانتازيا و فرجة ودعاء للوطن تكثر في فصل الصيف اللقاءات الجماعية بين الجزائريين في الاحتفاليات التي تسمى «الوعدة» والمشتقة حسب بعض العارفين من الوفاء بالوعد للأولياء الصالحين بالسير على دربهم وإبقائهم قدوة في نبذ الكراهية ونشر المحبة والتآخي والألفة بين الناس وفي وهران تعد «وعدة سيدي الحسني» بداية للوعدات لموسم الوفاء بالوعود، حيث تنظم على مدار عدة أيام في شهر جويلية، ثم تليها احتفاليات أخرى ومنها وعدة حي فلاوسن «البركي» وهي المناسبة الوحيدة بوهران التي لا تقام من أجل الوفاء لولي صالح، بل هي موعد للقاء والفرحة والفرجة وللدعاء للوطن. للعام الثالث على التوالي، تنظم وعدة حي البركي بوهران، وهي الملتقى الذي يجمع الفرسان من كل ولايات الغرب الجزائري، حيث تتميز كل فرقة بزييها التقليدي الذي يفرقها عن نظيرتها كما تتميز كل فرقة بخيولها ونوعية السروج الموضوعة فوق الأحصنة التي يتم تدريبها وإعدادها على مدار السنة، لتكون جاهزة للمشاركة في الأعياد و الوعدات والمناسبات المماثلة و تعد الأزياء التقليدية التي يرتديها فرسانها بمثابة ميزة تحدد العرش الذي تنحدر منه الخيل و خيالتها، فقد نجد فرق مختلفة تنحدر من عروش وقبائل تنضوي تحت إدارة ولاية واحدة. النصر حضرت « وعدة البركي « التي أقيمت نهاية الأسبوع المنصرم، وقد لاحظنا هناك على غرار ما لمسه غالبية الحضور، الذين جاؤوا للاستمتاع بألعاب الفانتازيا، بأن جميع الفرق رغم اختلافها تخضع لنظام ترتيبي ولمسار مضبوط ما أنتج استعراضا مميز، حيث دخلت الفرقة الأولى للميدان وكان يقودها قائد يشرف على إعطاء تعليمات مباشرة للخيالة، قبل انطلاق السباق و وصلات البارود، وقد بدا الجميع منضبطون وملتزمين بالتعليمات التي تحدد مسافة السباق قبل إطلاق البارود وهي آخر عملية في المرحلة التي تنتهي بعودة الفرقة إلى مسار محدد تنتظر فيه دورها مرة أخرى ضمن حلقة استمرت بتكرار نفسها طيلة النهار دون أن يملها المتفرجون نظرا لجمالية العروض المقدمة من قبل الفرسان. خيام الصناعات التقليدية نافذة على التراث وعلى هامش عرض «الفانتازيا»، انتشرت خيام تروج للصناعات التقليدية خاصة المتعلقة بالسروج التي توضع فوق الأحصنة وما يرافقها من ألبسة الخيالة وإكسسوارات أخرى، كانت قديما ضرورية للفرسان سواء خلال السفر أو أثناء الحروب والمعارك، مثل حامل الأكل وحقيبة وضع السلاح والذخيرة وغيرهما كما ضمت خيم أخرى، عروضا متنوعة لمختلف الحلويات سواء المصنوعة بالمكسرات أو المقتصرة على مكونات عادية، ولا تخلو خيم البركي، من تجارة الأواني و المفروشات التي يقبل عليها بشكل كبير المغتربون لاقتناء هدايا يعودون بها إلى أصدقائهم في و أحبائهم في الخارج. وبعيدا عن المعروضات، يلتف الزائرون للوعدة، حول حلقات الغناء التراثي، فمن الفن البدوي الموزون الكلمات الذي يتغنى بالثورة وأبطالها، إلى ترديد الشعر الملحون المثقل بالحكم والمواعظ والأخلاقيات و العبر المستقاة من القصص التي يؤديها الشيخ على وقع القصبة والبندير والطبل، لنصل إلى أغاني الأعراس التقليدية التي يستمتع بها الزوار ويرقصون على أنغامها، ولم تغب الكلمات التي تتغنى بالوطن وتدعو لتجاوز الأزمة التي تمر بها البلاد، عن ما أداه الشيوخ الذين دعوا الله أن يحفظ الجزائر وشعبها وينقلها لبر الأمان ويدحض أعداءها. أما في الحي فتنتشر خيم أخرى، مخصصة لإطعام الحاضرين من الولايات الأخرى، حيث يعد طبق الكسكسي سيد الموائد، تقدم بعده الحلويات والشاي لينشغل كل فرد لاحقا بجمع أغراضه و مساعدة الخيالة على إراحة خيولهم والاستعداد للمغادرة على أمل اللقاء بعد سنة. سياحة من نوع آخر تجدر الإشارة إلى أن هذه الوعدة التي يحتضنها سنويا حي البركي، و غيرها من الوعدات التي تشتهر بها وهران و مدن الغرب عموما، على غرار وعدة سيدي عبد القادر، تعتبر وجه خر من أوجه السياحة الداخلية و حتى السياحة الثقافية في المنطقة، وذلك على اعتبار أن عروض الفانتازيا، تستقطب الكثير من عشاق هذه الرياضة الأصيلة التي تعد رائجة جدا في بادية الغرب و الهضاب و الوسط، و هو ما يشد الكثير من الزوال إلى مدينة وهران سنويا، للاستمتاع بأجواء ركوب الخيل و الاحتفال بالفرسان الذين يعيدون الناظر إليهم إلى الزمن الجميل ويرحلون بمخيلته إلى مضارب حيزية و سعيد و إلى قصور الأمير عبد القادر الجزائري الذي يشتهر بزي الفارس التقليدي و بسروج خيله الباهرة التي تعتبر انعكاسا لثراء الصناعات التقليدية في المنطقة عموما.