نشط أمس، مهندسون و مختصون في العمران و علوم الأرض، فعاليات يوم دراسي حول المدينةالجزائرية، احتضنته كلية الهندسة المعمارية والتعمير، ناقشوا خلاله إشكالية البناء المستديم و المدن القادرة على التكيف و الصمود أمام الكوارث الطبيعية والمخاطر الكبرى، داعين إلى ضبط إستراتيجية طويلة المدى، تسمح بتنظيم عملية البناء بالاعتماد على دراسات مسبقة تحدد طبيعة المخاطر المحتملة و تسمح برسم خارطة تدخل قبلي و بعدي. الملتقى جاء إحياء ليوم المدينةالجزائرية المصادف لتاريخ 24 فيفري من كل سنة، وقد اختير لهذه المناسبة موضوع «المدن المستدامة و القادرة على الصمود والتكيف «، حيث تطرق المتدخلون في اللقاء إلى جملة من العوامل الرئيسية التي تتحكم في عملية تعمير المدن الصامدة، بما في ذلك تحديد نوعية الأخطار و توعية المحيط الاجتماعي و المهني ناهيك عن تدعيم قدرات المؤسسات لمواجهة المخاطر و تحديد سبل الوقاية منها، زيادة على رفع إمكانيات التدخل و الاضطلاع الواسع بالمعطيات الجيولوجية والجغرافية، وهي النقطة الأهم كما ذهب إليه البروفيسور محمد الطاهر بن عزوز، أستاذ كلية علوم الأرض بجامعة قسنطينة، مشيرا إلى أن أغلبية المدن الكبرى في الجزائر بنيت على مناطق غير مستقرة، أين تطرح إشكاليات حقيقية تتعلق بوجود التصدعات و الانزلاق الأرضية، مضيفا بأن الحديث عن المخاطر الكبرى لا يتوقف عند الزلازل و الفيضانات بل يشمل أيضا البناء بمحاذاة الوديان ناهيك عن خطر فيضانات تسونامي، التي نفى أن تكون الجزائر غير معنية بها،و قدم الباحث، خلال مداخلته عينة مصورة عن بعض المناطق عالية الخطورة بمدن ساحلية كبومرداس وبجاية وسكيكدة، مشددا على ضرورة الابتعاد عن الشواطئ خلال عملية التعمير. وقال المتحدث، بأن البناء في مناطق الانزلاق لا ينحصر في التوسعات الفوضوية فحسب، وذلك بدليل وجود أحياء سكنية عمومية بنيت أو شرع في بنائها على مناطق هشة على غرار أبراج حي « بو الصوف « و بعض أحياء علي منجلي و جبل الوحش، وأضاف أستاذ علوم الأرض والجغرافيا، بأن التوزيع السكاني غير المتكافئ و النمو العمراني المتزايد يعتبران من العوامل الأساسية التي وجب أخذها بعين الاعتبار عند الحديث عن إنشاء مدن مستدامة. من جانبها أوضحت حورية آريان بوشارب، مديرة مخبر الهندسة المعمارية و التقنيات الحضرية، بأن اختيار موضوع الاستدامة والتكيف جاء، بناء على ملاحظة عامة رفعتها الجائحة، بينت أهمية التركيز على إعادة بناء المدن و هيكلتها بشكل يسمح لها بالصمود خلال الظروف الطارئة و المخاطر المحتملة، و وضع مخططات تكيف تسهل التدخل في مثل هذه الحالات، خصوصا وأن كلية الهندسة ومختلف المخابر البحثية ذات الصلة، تتوفر على مادة بحثية و على دراسات جد هامة تصب في هذا الإطار و يمكنها أن تعيد رسم معالم عملية البناء والتعمير في بلادنا، إذ يعد الهدف من مثل هذه اللقاءات حسبها، هو تسليط الضوء على هذا المنتج البحثي الذي لا يزال في معزل عن المؤسسات الاقتصادية و الاجتماعية و بعيدا عن متناول السلطات المحلية رغم أهميته، مؤكدة توفر عدد من رسائل الدكتوراه قيد الانجاز التي اختير لها موضوع بناء المدن المستدامة و التي من شأنها أن تقدم قاعدة بيانات هامة ستسهل من مهمة العاملين في الميدان و تسمح باقتراح حلول تقنية لبعض المشاكل المطروحة حاليا على غرار مشكل الانزلاق. و في مداخلة قدمها، محمد الجو، مهندس بمؤسسة ترقية المدينة الجديدة ذراع الريش بعنابة، تم التركيز على دور الرقمنة في تحديد مستقبل المدن الكبرى و تحويلها إلى مدن ذكية تضمن ظروف عيش أفضل لمواطنيها، حيث قال المهندس، بأن الخطوة الأولى يجب أن تشمل إعداد خارطة مفصلة تسمح بمعرفة الطبيعية الجغرافية لسطح الأرض و باطنه ، ومن ثم رقمنتها وتسهيل الولوج إلى معطياتها، لتسهيل عمل التقنيين و توفير معلومات جاهزة يمكن أن تقلص من الوقت والنفقات و تجنب أخطاء البناء القديمة، علما أنها خطوة لا يمكن أن تتأتى دون تنسيق مشترك بين أهم الفاعلين في عملية بناء المدينة سواء تعلق الأمر بالسياسيين أو المهندسين أو التقنيين و حتى علماء الجغرافيا والجيولوجيا، فمشكلة مدننا اليوم لا تكمن حسبه، في غياب القوانين و التنظيمات أو التشريعات و النصوص، بل في عدم احترامها و إغفال تطبيقها. المتحدث أضاف أيضا، بأن المدينة الذكية المستدامة يجب أن تتوفر على توزيع جيد و عادل للمساحات، لأنها لن تصمد في حال استمر التعمير الموازي الذي لا يحتكم لأية خاطرة جيولوجية دقيقة