أقدم للقارئ في هذه الزاوية من كراس الثقافة قلمين جديدين. جديدان تحت النور والأضواء لا أكثر، لأنهما كتبا طويلا في الظل، ظل الهامش التهميش، النسيان التناسي.. لا أقدمهما لأنني الكاتب المعروف وهما الموهبتان الواعدتان. بل إني أقدم في حقيقة الأمر شاعرتين من جيلي، جيل أكتوبر 88. مشكلتهما أنهما تأخرتا عن الركب لا غير. ولئن كنت أنا وغيري نجحنا في اللحاق بالقطار، فإن «الشاعرتين» لم تهجرا الكتابة برغم انخراطهما حتى أذنيهما في دورة حياة المواطن البسيطة المنهكة. إنهما زوجتان وأمان. أي أن الكتابة عندهما جزء من النضال اليومي، مثل أعمال البيت علينا احترامها. لأنها تخدم مؤسسة مقدسة. محمد رابحي ولعل في تقديمي هذا تذكير للسابقين بمرحلة البداية الحميمة والعفوية مع الكتابة والصعبة المتوترة مع المشهد الأدبي. ولعله أيضا مسوغ لأسئلة مهملة. تتعلق بالكتابة كجوهر إبداعي، والكاتب كناشط ثقافي، والواقع كمنظومة وكأطراف مساعدة أو مناوئة،، هي على العموم في مجملها أسئلة تدين واقعنا الثقافي. دون أن نغفل تواطؤ الكاتب نفسه استسلاما أو امتثالا أو ما شابه ذلك. كتبت حكيمة مناصرية نص «ما فعل به المغيب» وهو يعكس تجربة تميل إلى تمثيل الذات. حيث تبدو نصوصها كمناديل عزاء تجفف بها دموع القلب. بينما تبدو مسعودة عزارنية من خلال نصها «وطني» مثل أم غوركي تطوف بالشوارع للمواساة والنصيحة. على أن الشاعرتين (أصفهما كذلك بعد إذن القارئ) لا تختلفان. فإذا كانت الأولى تشتغل على الأنا انطلاقا من حراك ما يحيط بها. فإن الثانية تشتغل على محيطها انطلاقا من قيم ذاتية ورؤى شخصية. معنى ذلك أن اختلافهما لا يعدو أن يكون طريقتان لهم واحد . وهو ما يبدو في بنية النصين حيث نرى مناصرية لا تهتم باللغة بقدر اهتمامها برصد الانفعالات الإنسانية وتفاعلاتها. ومحاولة تأليف صياغات جمالية «نموذجية». بينما نجد مسعودة عزارنية على خلافها أكثر اهتماما باللغة باعتبارها من أهم العناصر الجمالية في كتابة الشعر. يبقى القول بأن تقديمي لا يفتح آفاقا لمناصرية وعزارنية، وإنما يفتح أبواب التحدي أمام القلمين غير الناشئين. لأن رهان السباق في الإبداع هو الاستمرار وليس الوصول. ولأنهما مجبرتان على طرح أسئلة: ماذا علي أن أفعل بعد الخطوة الأولى؟ هل أنا كاتبة؟ ما معنى الكتابة في النور؟.. وطني قدري وطن يتعرى و تجاعيدُ.. أرصفتي وأنا شبحٌ يجثو قرب النار سُدفاتُ ليل تهدم.. تتوارى... وجفوني على عناقات الرؤى سكبت... مُورّاة ً بلظى أوتارٌ عمياء... وأوشام طيف مسروق نقشناها على اللّيل والليلُ يا وطني بابٌ مغلوق عتبة حبي كوابيسُ توديع تنتظر... وسحاب مخنوق، مرصّع غرامك قدرا أسرابُ حروف بين الأضلع وأقلامنا المنتحرة ترحل... تُحرق قبور الآخرين لنطبع على الطين... لافتات اللقاء؛ ونقرأ من السنابل ملحمة الوفاء.. تجاعيد.. أرصفتي على وجه الطرقات.. وطني... صمتك يا وطني يؤرقني ودمع صوتك، وستائر موت تعانق خطواتنا... ممشوطةً أرصفتي وطنا ً على جدارات الصمت المشنوق جرحا ًأتأبطه.. لن يندمل... ويرحل... قصيدتان واحدة تُدميني والأخرى... تتمناني مسعودة عزارنية ما فعل به المغيب يطاردني طيفك في المرآة في الكتب والروايات في فنجان قهوتي كل صباح. أرى تقاطيعك تتشكل قرب الآفاق يلهو بها السراب فانخذع، ضحكاتك الرقيقة خلجات تأتي بها أنغام المساء. تلك أناملي الشغوفة ترسم وجهك الصافي فوق كل قطعة قماش دون أقلام دون ألوان. يطاردني طيفك في صحوي في عقلي عند الغروب أراك منتصب القامة تمشي بين أحضان الأصيل في راحتك زهر النرجس والأقحوان بخطى ملهوفة كنت تركض نحو خيوط الشمس لتقرئني ما فعل بك المغيب طال اللقاء وغابت خطاك من دربي. سألت طيور الظهيرة غن غيابك بقي السؤال معلقا ومرت الأيام وطيفك مايزال يسكن المرآة خبأتها في دمي بين أعماقي وابتهالاتي ليظل طيفك حاضرا صارخا بعد الرحيل.