سؤالهم " عن كيف دخلوا...؟! " تسعى عدة فضائيات ووسائل اعلام أجنبية من خلال أخبارها وتعاليقها وموائدها المستديرة ومحلليها... إلى جر الرأي العام الجزائري من مسرح الجريمة ومخلفاتها وخسائرها إلى “سؤال مشبوه" ، يثير بدوره التساؤل عن الخلفيات والأبعاد من مقصوده وأهدافه، وهو : كيف تمكنت جماعة بلمختار الإرهابية بترسانة أسلحتها وعتادها من عبور الحدود الجزائرية والوصول إلى قاعدة الحياة بعين اميناس؟. والمؤسف أن كثيرا من وسائل الاعلام الجزائرية (مكتوبة ومرئية)، وحتى بعض الرأي العام انجر وراء هذا “التحويل الاعلامي المقصود". هذا القصف المركز لوسائل الاعلام الأجنبية حول “كيف دخلوا ووصلوا إلى القاعدة..؟" لا يحتاج إلى كتب الفقه أو تفسير النبغاء والجهابذة لفهم المقصود من أبعاده وأهدافه. فخلفياته واضحة، قد يفهمها تلميذ آخر الصف في مدرسة المبتدئين في فهم السياسة. الفضائيات ووسائل الاعلام الأجنبية المقصودة بهذا المقال، ومن ورائها الذين يحركون خيوطها ويوجهون تحاليلها وأخبارها، يحاولون اظهار الجزائر بأنها بلد مفتوح الحدود. بلد غير أمن، يمكن لجماعة بلمختار وغير بلمختار أن تدخله وكأنها “بلاد سايبة"، وأن تضرب أينما أرادت ومتى شاءت!. ثمة جانب آخر لهذه الحملة المركزة والمحددة ذات الهدف الواضح، وبقطع النظر عن خلفياتها الأخرى فهي تريد أن “تقزم" تصريحات السلطات الأمنية وفي مقدمتها تصريحات قيادات الجيش عن مخططات وتجهيزات لتأمين الحدود الجزائرية وعلى الخصوص، حدودنا الجنوبية، وتظهرها بأنها مجرد كلام.. إن كنا نفهم أهداف وخلفيات الفضائيات الأجنبية والموائد المستديرة لاعلامهم ومحلليهم، فإن ما يصدمني حقا، هو انسياق بعض اعلاميينا وجزء من الرأي العام الجزائري، سيما أولئك الذين يتدخلون عبر تلك القنوات وراء هذا “التوجيه" المقصود؟!. كادوا ينسون أن الهجوم الارهابي على قاعدة عين اميناس ، هو هجوم متعدد الجنسيات لا يأتي صدفة أو مغامرة.. يقولون : كيف دخلوا...؟ وكأنهم يتحدثون عن باب عمارة أو منزل؟! وكأن تأمين حدود “القارة الجزائريةّ" التي هي بآلاف الكيلومترات ، كمن يؤمن حدود “زريبة" أغنامه من الذئاب أو باب عمارته من المجرمين!. ليس مخطئا فحسب من يعتقد ذلك، بل لا يفهم الظاهرة الارهابية. ولا يفهم تعقيدات وشرنقة الارهاب سيما إذا كان متعديا للحدود، كما هو شأن جماعة بلمختار وأبي زيد... في أمثالنا الشعبية، ثمة حكمة تنطبق على ما حدث : “ خاين الدار ما يتعسش"، فأنت لا يمكن أن تشك كل الوقت في من يكون معك طول الوقت. لقد اعتمد بلمختار في تخطيطه لهجومه الارهابي على خيانات داخلية لعمال اشتغلوا سابقا بعقود مع شركة بريتيش بترليوم، كما ذكرت بعض المصادر. هؤلاء زودوه بتفاصيل دقيقة عن قاعدة الحياة ومساربها ومخارجها،ومطبخها ومكاتبها... الولاياتالمتحدةالامريكية بأقمارها الصناعية المتخصصة،وتجهيزاتها الدقيقة ومخابراتها، وطائرات الأواكس وراداراتها... ومع ذلك تمكنت جماعات متطرفة من الوصول الى تدمير ناطحات سحابها، وضرب وزارة دفاعها... ولم تنفع كل التكنولوجيا المتطورة في التحسس أو رصد هجوم 11 سبتمبر 2011 قبل الكارثة. وما يشبه هذا حدث في بريطانيا وفي قلب باريس ودلهي وموسكو واليابان... فهل ما حدث يجعلنا نقول بأنها دول ضعيفة أو غير آمنة؟! طبعا لا. وأنما يؤكد أن الارهاب ظاهرة عابرة للحدود تتطلب استراتيجية دولية، وتعاونا صريحا وشفافا بين كل بلدان وشعوب العالم، وليس فعل النقيض تماما، بتدعيم وايواء وتسليح جماعات ارهابية مجرمة لقتل الأبرياء وتجويع الجزائريين من خلال “هجوم دولي متعدد الجنسيات" على بلادنا وعمالنا. إن الذين فشلوا في جر الجزائر إلى “ربيعهم الدموي"، حاولوا الانتقام بطريقة زعزعة الجنوب وقطع خبز الجزائريين جميعا. فشلوا وسيفشلون وينهزمون على الدوام لأنهم ينسون بأن نعمة الله علينا أن خلقنا جزائريين. بقي أن نشير بأن الأزمة ليست في تضاريس الحدود ولكن في أحقاد.. القلوب.