عملية "تيقنتورين" كما يرويها من عايشوها أسبوعان بعد انتهاء عملية تيقنتورين لا زالت أثار الهجوم الإرهابي الذي نفذته كتيبة "الموقعون بالدماء" بقيادة مختار بلمختار ظاهرة للعيان، ولا يزال العمال الذين عايشوا تلك الأحداث يروونها بدقة متناهية وكأنها وقعت بالأمس، وقائع ستظل في أذهان عمال جزائريين وأجانب استخدمهم الإرهابيون كذروع، ورغم مشاهد ذلك اليوم يحاول 120 عاملا جزائريا تجاوز آثار الصدمة وبعث الحياة من جديد في هذه المنشأة النفطية وضخ الغاز من جديد في شرايين تيقنتورين. لأول مرة منذ وقوع الاعتداء الإرهابي واختطاف الرهائن بمنشأة للغاز في مدينة عين أمناس، يسمح لوسائل الإعلام بزيارة هذا الموقع الذي شهد أكبر عملية إرهابية في الجنوب الجزائري، والتي أسفرت عن مقتل 37 رهينة أجنبي من ثماني جنسيات، إضافة إلى جزائري كان مكلف بحراسة الموقع، وفقدان خمسة أجانب، وكانت "النصر" ضمن الوفد الإعلامي الذي زار الموقع، والمكون من 150 صحافيا، بينهم 90 أجنبيا و مراسلا معتمدا بالجزائر غالبيتهم يشتغلون لصالح وسائل إعلام الدول التي فقدت رعاياها في الهجوم الإٍرهابي، تنقلوا إلى عين المكان للوقوف عند تفاصيل الحادث الذي ذهب ضحيته 37 رعية أجنبية وفقدان 5 رعايا أجانب. وتم تنظيم تنقل ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية إلى عين أمناس بالتنسيق بين الوزارة الأولى ووزارة الاتصال والشركة البترولية الوطنية (سوناطراك)، التي يتبع لها الموقع الغازي المستهدف. وتصدر الصحافيون الأجانب من اليابان وبريطانيا والنرويج وكندا وفرنسا الوفد الإعلامي الذين تم نقلهم على متن طائرة خاصة إلى مطار عين أمناس انطلاقا من مطار الجزائر الدولي هواري بومدين بالعاصمة، ويأتي تنظيم هذا التنقل، لتمكين الصحافيين الأجانب من نقل حقيقة ما جرى والاستماع لشهادات عمال عايشوا الأحداث لحظة بلحظة، والإجابة على تساؤلات طرحتها بعض العواصمالغربية بشان الطريقة التي سيرّت أزمة الرهائن على مستوى الاتصال. إجراءات أمنية مشددة حول المنشأة البترولية مباشرة بعد وصول الوفد إلى مطار عين أمناس، تنقل ممثلو الإعلام عبر ثلاث حافلات صوب قاعدة الحياة لعمال المجمع الذي كان أول موقع يستهدفه الإرهابيون، وكانت الحركة جد عادية ولم ترصد كاميرات الإعلاميين ترتيبات أمنية مشددة، قبل أن يتغير المشهد مع اقتراب الوفد من الموقع، وعلى بعد مسافة قريبة من الموقع صادفنا أول موقع للمراقبة لرجال الدرك، قبل أن يظهر حاجز ثان، ثم انتشار كثيف للوحدات الخاصة التابعة للجيش والدرك حول قاعدة الحياة التي أحيطت بسياج حديدي مزدوج. كما تم وضع مدرعة تابعة للجيش كانت محاطة بأفراد الجيش وقوات الكومندوس أمام البوابة الرئيسية لقاعدة الحياة ومصنع إنتاج الغاز. كما انتشار أفراد الأمن على مسافات متقاربة حول محيط القاعدة لتامين الموقع ما سمح باستعادة جزء من الحياة الطبيعية داخل القاعدة التي عرفت عودة عدد من العمال بغرض إجراء أشغال الصيانة واستئناف ضخ الغاز. مدير المشروع "هكذا عايشت الهجوم.. وهنا قتل بن شنب قائد المجموعة" وخلال الزيارة حرص المسؤولون على إعطاء كل التفاصيل المتعلقة بالهجوم الإرهابي، بداية من أولى ساعات الاعتداء على قاعدة الحياة إلى غاية القضاء على أخر عناصر المجموعة الإرهابية في مصنع الغاز بعدما حاولوا تفجير المصنع باستخدام سيارة مفخخة، ولا زالت أثار الحريق الذي طل احد أجنحة المصنع بادية للعيان. وقد التف رجال الإعلام حول مدير المشروع لطفي بن عدودة، والذي سرد تفاصيل الاعتداء على القاعدة لحظة بلحظة وقال "هناك الكثير من الروايات وما سأقدمه لكم هو ما عايشته شخصيا"، قبل أن يعود إلى بداية الاعتداء، موضحا بان الهجوم على القاعدة نفذته "مجموعة تضم 12 إرهابيا استهدفوا الغرف الخاصة بالشخصيات المهمة في الموقع أو المسؤولين". حيث يتواجد المتحدث الذي يمثل شركة سوناطراك، إضافة إلى مديري كل من "برتيش بتروليوم" البريطانية و "ستات اويل" النرويجية، إضافة إلى ثلاث ضيوف أجانب. وقال بن عدودة، انه كان من بين أولى الرهائن الذين تم احتجازهم بحيث لم يتمكن الإرهابيين من التعرف عليه في البداية، قبل أن يكتشفوا أمره بعد ساعتين من بداية الهجوم، وعمد الإرهابيون إلى فصل الرعايا الأجانب عن بقية العمال الذين كان عددهم يقدر ب 400 عامل، وقام الإرهابيون بوضع أحزمة ناسفة على الرعايا الأجانب "وتم وضعهم في حلقة وكان بينهم إرهابي حمل معه حزام نافس موصول بأسلاك ويهدد بتفجير نسفه وكل الرهائن الأجانب حوله في حال اقتحام قوات الجيش الموقع". وبعد اكتشف أمر مدير المشروع، كلف من قبل إرهابي من جنسية مصرية كان ضمن المجموعة الإرهابية بنقل مطالبهم إلى السلطات، وأضاف "طلب مني الإرهابي المصري نقل مطالبهم إلى السلطات والتحدث إلى إحدى القنوات الأجنبية وكذا الشركات الأجنبية التي تدير الموقع قبل أن يتعرض للضرب على مرتين بسبب تماطله في تنفيذ الأوامر". واستمر الوضع على حاله طوال يوم الأربعاء، وقامت المجموعة الإرهابية بإطلاق سراح عدد من الرهائن خاصة النساء، قبل أن يطلبوا من الباقين إحضار أغطية وافرشة لقضاء ليلتهم بالخارج، وحاولت المجموعة الإرهابية استخدام الرهائن كدروع بشرية في حال قرر الجيش اقتحام الموقع. وأضاف بان الإرهابيين "لم يتعاملوا مع الرهائن بعنف في اليوم الأول لكن الأمور تغيرت يوم الخميس صباحا وبدأت العصبية تنتاب عناصر المجموعة الذين تحولوا إلى عدوانيين بعدما تأكدوا بأنه سيستحيل عليهم مغادرة الموقع. وفي حدود الساعة التاسعة والنصف صباحا، قام أفراد المجموعة بتقسيم الرهائن الأجانب إلى مجموعتين وطلبوا "الحصول على سيارات رباعية الدفع ووقود وكذا على الأكل للخروج من القاعدة مع الرهائن الأجانب". وعلى الساعة العاشرة تقدم عناصر الجيش صوب القاعدة وشرعوا في إطلاق النار، وهو أثار الرعب في صفوف الإرهابيين الذين اصيبوا بالذعر خاصة بعد مقتل قائدهم "محمد الأمين بن شنب" الذي أسس تنظيم "حركة أبناء الجنوب من اجل العدالة الإسلامية"، واستغل الجزائريين الذين كانوا تحت قبضة المجموعة الفوضى والذعر الذي انتاب الإرهابيين للفرار جماعيا من القاعدة عبر بوابة خلفية وكانت قوات الجيش في انتظارهم وقامت بإطلاق سراحهم بعد التأكد من هوياتهم. الإرهابيون كانوا يبحثون عن جنسيات محددة وأوضح مدير المشروع لطفي بن عدودة، أن الإرهابيين كانوا يبحثون عن رعايا غربيين من جنسيات محددة، وقال "كانوا يستهدفون الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين قبل أن يتفاجأوا بوجود نرويجيين ويابانيين" موضحا بان الإرهابيين كانوا يريدون "مباغتتنا وحاولوا استهداف مركز الحراسة ومنع الحارس من إطلاق التحذير، ولكن أمام رفض الحارس أطلقوا النار عليه" ونجح حارس الموقع المرحوم محمد الأمين لحمر، من الضغط إلى الزر الخاص بالهجوم الإرهابي "وهي عبارة عن صفارة إنذار غير متقطعة" ليتم بعدها وقف تشغيل محطة الضخ وتفريغ الأنابيب من الغاز على مستوى وحدة الإنتاج. وكان لافتا وجود عدد كبير من جنسية يابانية بين الرهائن الأجانب، وقال رئيس المشروع، بان اليابانيين الذي يعملون لدى شركة "جيه جي سي" كانوا يشرفون على مشروع لتوسيع نشاط المركب وكان لهم جناح خاص بهم "ولم يكن اليابانيون مستهدفين بشكل خاص" حسب راوية بن عدودة إلا أنهم وقعوا "كرهائن رفقة رعايا من جنسيات مختلفة ومتعددة من ماليزيا ورومانيا وجنسيات أخرى غير تلك التي استهدفها الخاطفون". واستجوب الإعلاميين الأجانب خلال الزيارة، عمال كانوا من بين الرهائن يوم الاعتداء، وحاولوا معرفة الطريقة التي تعاملت بها المجموعات الإرهابية مع الأجانب، والج اليابانيون لمعرفة تفاصيل عن كيفية مقتل عمال شراكة "جيه جي سي" اليابانية، كما حاولوا الدخول إلى بعض غرف الرهائن، إلا أن المسؤولين على الموقف رفضوا الاستجابة لهذا المطلب، خاصة وان بعض هذه الغرف شهدت عمليات قتل لرعايا أجانب ولم تشملها بعد عملية التنظيف. طلبوا تأمين الطريق إلى مالي لنقل الرهائن وفتح الحدود وقال مدير المشروع، انه كلف من قبل المجموعة الإرهابية التي احتجزته رفقة المتواجدين بالقاعدة، بتبليغ السلطات الأمنية بمطالبهم التي تمثلت في إطلاق سراح سجناء متهمين بالإرهاب، وتامين الطريق لأفراد الجماعة للتنقل إلى شمال مالي مع الرهائن، إضافة إلى فتح الحدود، وأشار المتحدث إلى حصول أفراد المجموعة على معلومات من أشخاص يعرفون القاعدة جيدا، وأضاف "من المرجح أن يكون أفراد العصابة استفادوا من تواطؤ وهو ما سهل مهمة البحث عن الأجانب داخل غرفهم. سلمت للجيش خراط المصنع والمواقع الحساسة ومباشرة بعد انتهاء الجيش من تامين قاعدة الحياة، وتحرير كل الرهائن، تنقل رئيس المصنع إلى غرفة العمليات لتسليم خرائط خاصة بالمصنع وقام بتحديد المواقع الحساسة والخطيرة التي يمكن أن تتعرض للتفجير، وبعدها تنقل الوفد الإعلامي إلى مصنع الغاز المتواجد على مسافة 5 كيلومترات من قاعدة الحياة، وسط انتشار قوى لقوات الجيش، ومنع الإعلاميون من الاقتراب من المصنع لأسباب أمنية، رغم تأكيد المشرفين على الموقع أن كل الألغام التي زرعها الإرهابيون تم تفكيكها. وانتشر العديد من الأعوان حول المصنع لمنع الصحفيين من الاقتراب، وكانت أثار حريق بادية على جزء من وحدة ضخ الغاز بسبب محاولة الإرهابيين تفجير الموقع، وكانت المعارك التي جرت داخل أجنحة هذا المنع "متعبة" بالنسبة لرف التدخل بسبب المخاوف من تفجيره من قبل الإرهابيين، وقال رئيس الوحدة، بان المصنع خضع لعملية فحص دقيق ومعاينة للأضرار قبل تحديد موعد استئناف العمل، وقال بان عملية الصيانة تتم بالتعاون مع الشركات الأجانب والذي فضلوا تقديم مساعدة عن بعد بعدما قررت شركتي "بي بي" وستات اويل" سحب كل موظفيها. وقال بن عدودة، أن جزء من المصنع تضرر بسبب "عملية تفجير سيارة كانت بالقرب من إحدى وحدات الضخ" ولحسن الحظ لم ينجح الإرهابيون في العملية، وقال بان أعمال الصيانة توقفت طيلة أسبوع كامل بعد العملية، بعد اكتشاف فرق الصيانة "متفجرات وقنابل داخل احد الأجنحة واستدعى الأمر تدخلت فرق الجيش المتخصصة في نزع الألغام لتفكيكها، وقال بان المجموعة الإرهابية التي هاجمت المصنع وعدد عناصرها 11، قامت بتقييد الرهائن الأجانب في احد الجسور الجديدة وقامت بتفجير السيارة مباشرة تحت الجسر ما أدى إلى تفحم بعض الجثث وحال دون التعرف إليها، وقال مدير الوحدة، انه "لم يتمكن سوى من التعرف على هوية واحد بينهم بسبب التفجير". الإرهابيون حضروا الشاي وجلبوا الأكل إلى المصنع وتحدثت "النصر" إلى عدد من الرهائن، وقال احد الناجين من العملية والذي أصر على العودة إلى مكان عمله للمساعدة في أشغال الصيانة، أن الإرهابيين قاموا مباشرة "بتلغيم المصنع"، وقال احد الناجين والذي كان متواجد بالمصنع، أن فرق الصيانة التي دخلت الموقع بعد انتهاء تدخل الجيش، عثرت على أواني لتحضير الشاي، وأضاف "الإرهابيين قاموا بتحضير الشاي ووجدنا بعض الأواني داخل احد الأجنحة كما عثرنا علب مأكولات وعلب مصبرات ما يعنى أن الإرهابيين كانوا يرغبون في البقاء أطول فترة ممكنة ولحسن الحظ تدخلت قوات الجيش بسرعة وأنهت العمليةّ. وقال احد العمال يدعى "محمدي محمد" وهو شاب في عقده الثالث ، أن معاملة الإرهابيين معهم تغيرت منذ يوم الخميس وأصبحوا "أكثر عدوانيين" بعد تأكدهم بان الجيش ليس مستعد للتفاوض، وقال "طلبوا منا الانتظار داخل قاعة واحد وكنا حينها نخشى أن يقوم بتفجير المكان مع من بداخله وزاد الخوف بعدما شاهدنا المجموعة تقوم بتلغيم كل الرهائن الأجانب". ومع أولى طلقات النار ومقتل الإرهابيين تمكنا من الهروب إلى الخارج وتكفلت بنا قوات التدخل الخاصة. أنيس نواري