الكاتب المسرحي ياسين سليماني للنصر أغلب الذين يكتبون للمسرح في الجزائر يكتبون من أجل المال تخصصي في الفلسفة خدمني في المسرح يرى الكاتب المسرحي ياسين سليماني بأن الشعب العظيم هو الشعب الذي يهتم بالفلسفة ويفتح لها المجال واسعا، والشعب الذكي هو الذي يهتم بالمسرح. ويعتقد مؤلف كتاب "أنا الملك أتيت.."، الصادر، مؤخرا، عن منشورات فيسيرا بالجزائر، بأنّ الأعمال المسرحية في الجزائر كما في الوطن العربي لا تبقى للأجيال ولا تتاح للباحثين والمهتمين لكونها تقدّم على الخشبة فقط دون توثيق. ويتحدث في هذا الحوار عن تجربته في نشر نصوصه المسرحية. حاوره: نورالدين برقادي النصوص المسرحية المنشورة في الجزائر قليلة، هل لكونها موجهة للمخرجين المسرحيين بالدرجة الأولى علاقة بذلك؟ أغلب الكتاب المسرحيين في الجزائر يقدمون أعمالهم للخشبة مباشرة، والسواد الأعظم منهم من أجل المال بالطبع، فأن يخرج لك عمل على الخشبة، فهناك مال جاهز يدخل جيبك من خلال عقد يمضيه طرفا الاتفاق، أمّا أن تصدر مسرحية في كتاب، فغالبا ما يتم النشر على نفقة الكاتب، فإذا نشرت الكتاب على نفقتك الخاصة فأنت تنتظر ربما شهورا طويلة لتباع لك نسخ العمل. وهذا فرق. من خلال اطلاعك على النص المسرحي الجزائري، ماذا يعوز هذا النص ليسوّق في الخارج؟ التسويق - إذا استخدمت عبارتك - يتم من خلال النشر في دور النشر الكبيرة في لبنان ومصر، في الصحف والمجلات العربية المتخصصة في المسرح، مسرحية "أنا الملك أتيت" المنشورة ككتاب عن دار فيسيرا نشرت قبلها في مصر من خلال صحيفة واسعة الانتشار ومختصة في المسرح وهي "مسرحنا". جعل هذا عددا من النقاد يكتبون عنها نقدا مهما جدا. المسرحية ذاتها تنشر خلال هذا الشهر (فيفري 2013) في مجلة الحياة المسرحية السورية التي أنشأها الكاتب الكبير سعد الله ونوس، يعني هناك آلاف القراء اطلعوا على العمل. يهمّني كثيرا ألا أكتفي عند طبعة محلية. هذا على عكس الكثير من الكتّاب الذين يكتفون عند طبعة واحدة. نقادنا أيضا يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية عدم إيصال الصوت المسرحي الجزائري إلى العالم العربي، أنا أتابع منذ سنوات ما ينشر في الصحافة الثقافية العربية خاصة في مصر وسورية ولبنان، ونادرا ما أجد دراسات حول المسرح في الجزائر يكتبها جزائريون في مطبوعات هذه الدول. نحن الذين لا نسوّق أعمالنا بالطريقة الصائبة. أبطال نصّك الأول "أنا الملك أتيت" تحمل أسماء من الثقافة الآسيوية (سيارتا، شانا، أناندا، ياسدراها) ماذا يعجبك في هذه الثقافة؟ لا أعتبر أنّ هذه الثقافة بعيدة عنا، خاصة في مثل هذا الزمن العولمي...والفنان عموما يجب أن يشرع قلبه وعقله لكلّ فكر وكل ثقافة وإبداع أيّا كان مصدره ما دام إنساني الهدف. الثقافات تتداخل والإنسان في النهاية واحد أينما كان مكانه. وأنا أزعم أنّ لي الحق في الفلسفة الهندية كما للهندي ذاته الحق في الثقافة الجزائرية والعربية وغيرها. سأعطيك مثالا، أنا أعشق كتابات العظيم طاغور، وأحس أنها كتبت لي خصيصا، وأحس أني أولى به من الكثير من بني جلدته الذين لا يقرؤون له أصلا. أقرأ لدوستوفسكي وكتبت إحدى مسرحياتي مقتبسة من أحد أعماله، وهكذا...الثقافات المتنوعة ملك للإنسانية جمعاء، والفنان الحقيقي هو الذي يعرف كيف يوظفها في فنه بالشكل الجمالي المطلوب. أعتقد أنّ "أنا الملك أتيت" كانت بتأثير مباشر من دراستي في قسم الفلسفة جامعة قسنطينة، واشتغالي بعدها في تدريس هذه المادة، وكان من أهم ما اطلعت عليه في بداية الدراسة الجامعية الفلسفات القديمة، وكانت الفلسفة الهندية وهي أقسام وأنواع كثيرة أهم هذه الفلسفات عندي على الإطلاق، لسبب مهم أنها فلسفات روحية، بسيطة، الفلسفة الهندية والبوذية بالأخص فلسفة إنسانية، فلسفة محبة، فلسفة تحاول تكوين مجتمع حقيقي لا يجرح الفرد ولا يعادي القيم الإنسانية ويوفّر الحرية. تعرف أنّ الكثير من الباحثين يجدون نقاط اتفاق واشتراك واسعة مع الديانات السماوية وقرأت بعض الدراسات التي تؤكّد أنّ بوذا كان من الأنبياء غير أنه من الذين لم يذكروا في القرآن. عندما تقرأ سيرة هذا العظيم، وآرائه والحكم التي تركها، لا تملك إلاّ أن تقول أنّه رجل من طينة العظماء حقا، اقرأ مثلا قوله: "السعادة في الفضيلة وفي المحبة ونكران الذات وليست في اللذة وإشباع الشهوات" أو قوله "هنا في موت الأنانية تكمن السعادة الحقة". أزعم أنّ شخصية البطل كتبت نفسها بنفسها، فقد ظلّت تراودني عن نفسي وقتا طويلا إلى أن خرجت من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل كما نقول في الفلسفة. نفس النص عبارة عن مسرحية فلسفية من خمس لوحات، ما هو المشترك بين المسرح الملقّب بأبي الفنون والفلسفة المعروفة باسم أم العلوم؟ كلاهما أتى من أجل خير البشرية، وسعادتها، الفلسفة أتت لإنقاذ البشر من النقص والزلل والخطأ إلى الخير والحق والجمال. والفن عموما بما فيه المسرح يدور في الفلك ذاته، المنطلق الفكري الذي بني عليه المسرح كما الفلسفة واحد هو هذه الرغبة في إعطاء الإنسان والعقل المكانة التي يستحقها. الشعب العظيم هو الشعب الذي يهتم بالفلسفة ويفتح لها المجال واسعا، والشعب الذكي أيضا كما قال برغسون هو الذي يهتم بالمسرح. هذا إذا تجاوزنا الطرح التاريخي الذي يرجع ظهور المسرح والفلسفة معا في اليونان وفي الفترة نفسها تقريبا، واليونان كانت دولة عظيمة في حرية التعبير، لهذا ظهرت فلسفة عظيمة ومسرح عظيم أيضا. اقرأ ما كتبه يوربيدس مثلا، كم كان هذا الرجل شاهقا عظيما ولا يزال. هذا يجعلني أقول أنّه كلّما كانت حرية التعبير لا سقف لها، كان الإبداع الإنساني أكبر، يجعلني هذا أتذكّر نصّا مسرحيا كان من المفروض أنه ينشر في إحدى دور النشر الجزائرية، المدير رفض نشر العمل لأنّه تحفّظ على جملة واحدة جاءت في الإهداء. طلب مني تغييرها ورفضت. مع أنّ الجملة تعنيني وحدى وأتحمل توابعها وحدي. هل لك نصوص مسرحية معروضة على خشبة المسرح؟ أخرجت لي مسرحية "هواية أسامة" عام 2009، وكانت ردود الفعل محفّزة على الاستمرار، لكنني أصبحت أؤمن بمركزية المؤلف، أي أنّ عملي يظهر أولا للقارئ في كتاب، أو مجلة متخصصة في المسرح تنشر نصوصا مسرحية كاملة ليقرأ المتلقي أفكاري ورؤيتي الشخصية للموضوع الذي أتناوله، ثمّ بعد ذلك يمكن تقديمها على الخشبة وفي هذه المرحلة صارت تعبّر أساسا عن رؤية المخرج، هناك أحد المخرجين التقيته قبل أسابيع قليلة في العاصمة قال لي أنه يعيد دائما كتابة الأعمال التي يختارها للإخراج، كتابة كلمة بكلمة، وليس تقديم رؤية إخراجية لها وحسب. في المسرح أنا مثل "بابا" توفيق الحكيم، أؤمن أنّ "القنطرة" التي توصلني إلى المتلقي هي المطبعة، من خلال الكتاب. لقد عكفت طوال السنوات الماضية ولا أزال، على مجمل المشاريع الكبرى للكتاب المسرحيين الكبار بدءا من أسخيلوس صاحب أول مسرحية في التاريخ وهي مسرحية الفرس حوالي 500 قبل الميلاد تقريبا، وسوفوكل ويوربيدس، انتقالا إلى مختلف العصور، شكسبير، وموليير و...والعرب أيضا، سعد الله ونوس وألفريد فرج. أعتقد أنّ الأعمال المسرحية في الجزائر كما في الوطن العربي لا تبقى للأجيال ولا تتاح للباحثين والمهتمين لأنّها تقدّم على الخشبة مباشرة، وسواء كان القطاع المنتج حكوميا، أي المسرح الوطني أو المسارح الجهوية، أو قطاعا خاصا من جمعيات أو تعاونيات، فلا يقدّم العمل أكثر من عشرين أو ثلاثين مرّة إذا كان الحظ قد خدم الجهة المنتجة أكبر خدمة، ثم بعد ذلك يدخل الأرشيف، أسجّل هنا أنّ عددا عظيما من المسرحيات المهمة عبر العقود الماضية أنتجتها جمعيات تتميّز بكفاءة عالية، لكن لم تتح للجمهور الواسع كأنّ هذه المسرحيات لها صلاحية محددة تنتهي بعد عدد معين من العروض!! أذكر هنا ما قاله أحد أصدقائي المخرجين عندما سألته لماذا لا يضع هذا الأرشيف المرئي في موقع خاص باسم الجمعية التي يترأسها، قال: أخاف من السرقة!! التقيت بأستاذة في سكيكدة قبل فترة، تنجز دكتوراه حول المسرح بين النص والإخراج، وكانت تبحث عن النصوص المسرحية الأصلية والأعمال المأخوذة عنها للخشبة، وقد عبّرت لي عن دهشتها عندما لم تجد عددا كافيا من النماذج ما جعلها تزور الكثير من المسارح الجهوية!! هذا إذا لم نتحدث عن الذات المتعاظمة عند الكاتب، ففي حالة الكتاب المنشور يكون المتلقي في تماس مباشر مع الكاتب، وهذا ما يحدث معي عندما تناقش أعمالي في بعض الندوات، لكن في حالة العرض المسرحي هناك العديد من الإحداثيات قد تدخّلت في تكوين العمل، عمل المخرج، السينوغرافيا، الأضواء، وليس النص إلاّ جزءا صغيرا منها، شاهدت عروضا مسرحية كانت جريمة في حق كتابها الأصليين، بالطريقة السخيفة والسطحية التي قدمت بها. بالنسبة لي، أعتقد أنّ كلّ الكتّاب الكبار بقيت أعمالهم لأنها نشرت في كتب، لأنّ الكتاب يبقى، أمّا الخشبة فهي في المرتبة الثانية عندي. قال الأديب الفلسطيني محمد بدارنه في تقديمه لكتابك: "..ما شدّني في نصوص كاتبنا المبدع أنّه يحبّ التّرحال كثيرًا، فطوبى لرحّالة يترجّل بين البشر، فحكمة النّاس موروثة طليقة لا محتكرة وسجينة، فهل أروع من نصّ يحملك إلى حيث الطّيور تسبح تحت الماء أو إلى حيث يطير السّمكُ أسرابا فوق القرى.."، كيف هي علاقة الكاتب المسرحي ياسين سليماني بالسفر؟ أقول عن السفر ما قاله الشاعر الجميل سليمان العيسى الذي أقرؤه بشغف طفولي: "ليس السفر تغيير أمكنة...هناك سفر آخر، قد تسافر في وجه وربما في قصيدة أو في لوحة أو موسيقى. هناك وجوه تسافر بك إلى كلّ الدنيا..."، تعقيبا على كلام الصديق العزيز محمد بدارنه، فأظنّ أنه قال هذا الكلام ليس عن علمه بأني أحب السفر في الجغرافيا، ولكن لأني أعشق السفر في الثقافات، فأنا مثلا قد ترجمت مجموعة كبيرة جدا من قصص الأطفال من فرنسا وألمانيا ومالي والهند وغيرها، كل واحدة مختلفة عن الأخرى. ومسرحية "أنا الملك أتيت" نفسها سفر في التاريخ والثقافة وأغوار النفس ومجاهل العقل. أنا أعرف مدينة حيفا الفلسطينية، شارعا شارعا، وأنا لم أذهب إلى هناك، لأنني سافرت مع صديقي محمد بدارنه عبر عشقه لهذه المدينة في فلسطين الغالية. كتاباتي سافرت أيضا قبلي، فإذا كان نص مثل "أنا الملك أتيت" نشر في الجزائر ومصر وسورية، فهناك نصوص أخرى لي سافرت أكثر منها، هناك قصة أفتخر بها كثيرا، اسمها "إليز وأغنية الحيتان"، هذه القصة نشرت في مجلة العربي الصغير الكويتية، وأسامة السورية، وطيور الجنة الجزائرية، ووسام الأردنية، فانظر كم سافرت هذه القصة الشيطانة وكم جالت وكم صافحت قلوبا وقبّلت عيونا. قد ترحل من مدينة إلى أخرى ومن بلاد إلى بلاد لكنك لم تسافر أبدا، إذا لم يكن قلبك يفتح أبوابه لتغيير نحو الأفضل والأجمل والأرقى. قد يكون معنى سؤالك عن السفر هو المعنى المادي، أي الانتقال من جغرافيا إلى جغرافيا أخرى، سأجيبك بأنني كثيرا ما تفاجأ أسرتي عندما تكتشف أني أخذت حاجياتي ولم أظهر، عندما يسألون عني يجدونني أقضي ليلتي بعيدا عنهم بمئات الكيلومترات. آخذ ورقا وقلما وأذهب. هناك مدن جزائرية أعشقها: قسنطينة، سكيكدة، وواد سوف...أشعر بإنسانيتي، بصفائي الروحاني الذي لا يحده حد عندما أكون في هذه المدن. في نصي القادم الذي عنوانه "الفقراء أيضا يعشقون"، ستجد اختلافا تماما عمّا قرأته في "أنا الملك أتيت"، ولكن ستجد أنّ الهدف العام واحد. الهم الشخصي والإنساني واحد...عالم أكثر حرية، أكثر محبة، أقل سوءا. أتمنى لكم عمرا طافحا بالخير والسعادة وتحقيق الأجمل. القاص والروائي عبد القادر برغوث للنصر الرواية جسر يصلنا بالآخر ويظهر وجهنا الحضاري الجوائز الأدبية تعطي حافزا، فقط يجب التمسك بنزاهة مسابقات متخصصة وحيادية عبد القادر برغوث، قاص وروائي جزائري، صدرت له عن منشورات «ميم» عام 2010 رواية بعنوان «جبال الحناء» وكانت قد فازت بجائزة علي معاشي للمبدعين الشباب لعام 2009. وجاءت في 150 صفحة من الحجم المتوسط، العنوان جاء نسبة لجبال بوكحيل حيث تدور حولها الأحداث، أما الحنة فدلالة على البعد التراثي. للكاتب مجموعة قصصية جديدة تحت الطبع بعنوان «ديدان آخر الليل» وبعض النصوص المسرحية ورواية جديدة لم يكملها بعد بعنوان «آبار العطش». في هذا الحوار يتحدث الكاتب برغوث عن روايته «جبال الحناء» وعن الجوائز الأدبية وعن الرواية التي يراها بمثابة الجسر الذي يصلنا بالآخر ويظهر وجهنا الحضاري وأيضا عن بعض الروايات الجزائرية التي يرى أنها ساهمت في إظهار الوجه الحضاري للجزائر والإنسان الجزائري. كما يتحدث عن حاجته إلى فعل الكتابة التي هي دافعه الأول في عملية الإبداع. بدايتك كانت مع القصة، ثم انتقلت إلى الرواية فكانت «جبال الحناء»، كأنك انتقلت سريعا من فن القصة إلى السرد الروائي؟، ألا ترى أنه لابد أحيانا من مسافة في مثل هذه الانتقالات الأدبية؟ عبد القادر برغوث: لا أظن أنه هناك بأس في الانتقال من القصة إلى الرواية وخاصة إذا علمنا أن القصة والرواية جنس أدبي واحد، كما لم أجد صعوبة تذكر من هذا الانتقال وخاصة إنني قارئ قديم للرواية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أعتقد أن الحاجة إلى فعل الكتابة هي دافعي الأول ولا يهمني بأي جنس أفعل ذلك كما أنني أجد غرابة في من يدعون أن لكل جنس أدبي تخصص ومن يتعدى ذلك إنما هو من قبيل الإثم والعدوان، أظن أن المقياس هو درجة الإجادة والإبداع لا غير. الرواية فازت بجائزة علي معاشي، هل الجوائز برأيك تحفز على الإبداع، وماذا تعني لك جائزة تحمل اسم شهيد الفن والوطن؟ عبد القادر برغوث: نعم، الجوائز الأدبية تعطي حافزا بلا شك، فقط لو أننا تمسكنا بنزاهة المسابقات، كما أننا في حاجة ماسة إلى مسابقات متخصصة وحيادية كما كانت عليه مسابقة مالك حداد التي كان مقياسها الإبداع فقط، وحبذا لو كانت تحمل أسماء رموز ثورية أو ثقافية ومع ذلك فالمسابقات هي فقط آلية واحدة من آليات عديدة لخدمة الإبداع، فمثلا نحن في حاجة ملحة إلى مجلات ثقافية وأدبية ولِما لا فبعض البلدان التي لا تقارن بإمكانيات بلدنا من الناحية الاقتصادية لها مجموعات متنوعة من المجلات والصحف المتخصصة. «جبال الحناء» تحتفي بالمكان وبالبعد التراثي والتاريخي له، هل يمكن القول إنها رواية تحاول الانتصار للمكان؟ عبد القادر برغوث: نعم، لقد حاولت في هذه الرواية أن أنتصر إلى المكان، لقد وجدت إنكارا كبيرا لدى البعض ولكنني مؤمن بذلك على اعتبار أن الفضاء بإمكانه أن يؤثر في طبيعة البشر وسلوكيات حياتهم ومعتقداتهم وتفاصيل مشاعرهم، مثلا الفلاح لا يمكن لك فهمه جيدا إذا لم تقدر علاقته بالتراب الزرع والحصد الذي تدور حياته على مدى إخلاصه معها. الرواية من جانب آخر تضيء على -جبال بوكحيل- التي اشتهرت وقت الثورة التحريرية، حيث كانت مكانا لبطولات ومعارك ثورية مختلفة، وفي زمن آخر مكانا مفضلا لجماعات إسلامية مسلحة وقت الإرهاب؟ ما المغزى الذي أرادت الرواية قوله في هذه النقطة تحديدا، وهل تلمح إلى أن ذات المكان قد يصلح لأكثر من استعمال، وأن له دائما حيواته واستعمالاته وضروراته المختلفة؟ عبد القادر برغوث: نعم، جبال بوكحيل العملاقة الموغلة في القدم تحمل من الأسرار والأساطير مما يؤهلها أن يكون منبعا ملهما للكُتاب والباحثين، أما علاقة الثورة التحريرية ثم الإرهاب بهذا المكان فهو أمر واقع فعلا ولا يكاد يخفى على أحد، ولكن الحكمة حقا أن الفضاء نحن من نؤثثه ونلونه بمشاعرنا وإنسانيتنا، وبهذا لا نعنى للمكان والجغرافيا إن خلت من الإنسان الذي يحبها ويتفاعل معها. أيضا الرواية استثمرت في الثورة وفترة الإرهاب في ذات الوقت، ما تفسير اشتغالك عليهما معا؟ عبد القادر برغوث: نعم، لقد استثمرت الثورة المجيدة والثورة غير المجيدة كما أنني استثمرت بشكل غير أساسي حقب تاريخية أخرى ومازلت أشعر أنني كنت مختزلا في ذلك وهذا راجع إلى طبيعة البطل الأزلية ولهذا جبال بوكحيل وفضاءات البادية المفتوحة لابد أن تدون من خلال روايات ودراسات معمقة كثيرة ولا يمكن حصرها في رواية واحدة. الرواية يتقاطع فيها مزيج من التاريخ والأسطورة، لماذا برأيك بعض الكُتاب الشباب (وأنت واحد منهم) يغرفون من التاريخ والأسطورة أكثر من غَرْفِهم واستثمارهم للحظتهم الراهنة مثلا؟ عبد القادر برغوث: مزج التاريخ بالأسطورة ومحاولة هدم الواقع الجاف وتحويله إلى نوع من الفنتازيا الدرامية سببه بلا شك هو تأثرنا بفتوحات الرواية العالمية من ناحية ومن ناحية أخرى النهل من تراثنا الصوفي الطاهر الذي وهبنا عوالم مفتوحة واحتمالات لا منتهية، أما كتابة الراهن والواقع فلا إعتراض عليها عندي بشرط أن لا تقع في التقريرية الصحفية والخطابية الجوفاء. قلت: «ما ننتظره من الرواية هو تقديم وجهنا الحضاري وتُدوينه للآخر -الآخر الجغرافي والتاريخي-»، برأيك هل تنجح الروايات في هذا دائما؟ عبد القادر برغوث: موضوع النجاح والفشل في الرواية موضوع نسبي ولا يهمني، ما يهمني حقا هو المتلقي الحقيقي الذي يملك من القدرة أن يقتني الرواية ويقرأها من الجلدة إلى الجلدة، هذا هو الذي أحترمه وأخشاه، أما الأضواء والكاميرات فهي نسبية، أما ما أعتقده في الرواية أنها جسر يصلنا بالآخر ويظهر وجهنا الحضاري، فمازلت أعتقده على أن تكون الرواية نصنا الذي يشبهنا ويعبر عنا وعن خصوصيتنا التي تميزنا عن غيرنا. هل حقا تراهن على الرواية كمشروع حضاري حياتي، كما قلت في مناسبة سابقة؟ عبد القادر برغوث: لو كان بيدي لأمرت جميع الوزارات والمؤسسات والجمعيات أن تستثمر في الرواية وأن ترفعها عاليا لأن الرواية أصبحت بحق ديوان العرب بل العالم، أنها جنس يشبهنا نحن البشر يتناسل يحب ويكره مثلنا ويحمل ملامحنا وألوان بشرتنا ومشاعرنا أنها بحق أعظم ما أنجزه البشر منذ مطلع التاريخ. ماذا عن الكتابة المسرحية، كيف انخرطت فيها وهل تم تحويل كتاباتك إلى المسرح؟ عبد القادر برغوث: علاقتي بالمسرح هي أشبه ما تكون بعلاقة حب سرية مشبوهة أحب أن أكتبها ليلا ومن دون أن يعرفني أحد. لماذا؟، ألا يهمك أن ترى نصوصك على الخشبة؟ عبد القادر برغوث: في الحقيقة تلقيت عدة طلبات لنصوص مسرحية قصد عرضها ولهذا ممكن في المستقبل القريب سترى هذه النصوص النور على خشبة المسرح، أما لماذا أعتبرها عملا شبه سري ولا أحب أن يعرف علاقتي بها أحد فذلك لأنني لست راضيا عنها جدا وخاصة إذا وجهت لتعرض على خشبة المسرح فيطلب منا أن نزيد ونحذف فيها حتى يُخيل لك أنك لم تكتبها كلها وإنما أنت مشارك فيها فقط. بمن تأثرت من كُتاب الرواية في الجزائر، ومن يعجبك من الجيل الجديد؟ عبد القادر برغوث: أحب روايات حبيب السايح وروايات أحلام مستغانمي وبعض نصوص واسيني الأعرج، أما الكُتاب الشباب فأحب إسماعيل يبرير وسمير قسيمي ويمكن لي أن أراهن عليهما كثيرا، كما أنني مندهش حقا من كثرة النصوص التي تصدر كل عام وهذه إشارة طيبة ولا شك.