المصطافون يتوافدون بالآلاف يوميا على شواطئ جيجل لا يكاد المتوجه إلى جيجل من قسنطينة يصل المدينة السياحية الأكثر جاذبية إلا بعد ساعتين و نصف من السير في طرقات تغطي متاعب نصفها السيء على جمال و سحر الطبيعة العذراء في نصفها الجيد،و الوصول إلى جيجل للسياحة شيء ،أما للأعمال و التجارة فشيء آخر. روبورتاج مبعوث النصر إلى جيجل عمر شابي إنطلقنا على الخامسة و النصف صباحا خشية الوقوع في اختناق حركة المرور الكثيفة و لم نصل جيجل عاصمة قبائل كتامة البربرية إلا قبل الثامنة بخمس دقائق. ساعتان و نصف رغم أننا سرنا مع الفجر. بينما يقضي السائرون في نفس الطريق أكثر من أربع ساعات قبل الوصول إلى مكان يتوفر على مقدرات سياحية كبيرة لكن حالة الطريق حالت دون إستغلالها. و حرمت العشرات من سكانها و سكان المدن القريبة منها من فرص كثيرة للعمل و خلق الثروة. كانت البداية سهلة و يسيرة و خاصة في صباح يوم أمس حيث لطافة الجو و قطرات الندى تبعث على النشاط، لكن السهولة و اليسر ليسا من طبائع السفر ،و بدأت الحركة الكثيفة بمجرد الدخول إلى القرارم قوقة بولاية ميلة على ضفاف سد بني هارون العملاق. عند مفترق الطرق من ميلة نحو جيجل خرجت الشاحنات الكبيرة التي تقصد ميناء جنجن و بدأت مسيرتها المعيقة لحركة السيارات و تضطر المركبات الخفيفة إلى ترك الطريق جانبا مما يخفف من سرعتها و يعيق تقدمها. عند مدخل بني هارون بدأت مطاعم الشواء تحضر وجباتها بإشعال المواقد،و خرج باعة الأواني المنزلية الفخارية ينفضون الغبار عن سلعتهم المعروضة على قارعة الطريق. كان العديد من الأشخاص ينتظرون وسائل النقل، بينما سارعت مركبات نقل جماعية للخروج من مضيق الطريق للوصول إلى قسنطينة مبكرا، كانت الحافلات القادمة من الميلية و جيجل تتسابق بسرعة جنونية في الإتجاه المعاكس و غالبا ما يقوم سائقوها بتجاوزات خطرة على الراكبين معهم و على مستعملي الطريق عامة، لكن وجهتنا كانت لا تزال بعيدة بأكثر من 74 كيلومتر لكن أول قرد كان يرحب بالمارة و زوار جيجل على جانب الطريق و هو يقوم بتنظيف نفسه صباحا، كانت القردة قد عادت للمكان بعد غياب دام عشرات السنين و اختارت مدخل جسر السكة الحديدية إلى سيدي معروف حيث كان منجم قديم للحديد توقف إستغلاله موطنا لها . عند مدخل الميلية كان الطريق الإجتنابي المار عبر منطقة بلارة حيث مشروع منطقة صناعية ضخمة و مصنع شركة قطرية للحديد و الصلب مغلقا فاضطررنا للعبور في الطريق المحاذي للمدينة و كان الطريق المؤدي إلى سكيكدة مقفرا و خاليا من كل حركة بينما وقف شرطي يراقب حركة المرور المنعدمة. الطريق إلى جيجل نصفان عسير حتى الميلية و بعدها كل شيء يسير بخلاف عدد من النقاط على جسور صغيرة تعبر الوديان، خرجنا من الطريق الضيق العسير إلى طريق مزدوج لا كلام فيه إلا لسرعة المركبات و بدت جيجل تقترب، كما بدأت الحركة تدب في القرى و المداشر و البلديات المتواجدة على محور الطريق من العنصر قرب الجسر على وادي أرجانة الموازي لجسر سكة الحديد إلى مدخل الجمعة بني حبيبي و منها مفترق الطرق إلى بوراوي بلهادف و خيري وادي عجول و بني مسلم و بلغيموز بقيت مسافة 37 كيلومتر تفصلنا عن جيجل قلعة الأخوين عروج و خير الدين و كانت درجة الحرارة قد بلغت 22 مئوية و الساعة تشير إلى السابعة و عشرين دقيقة. ضباب كثيف غطى قمة جبل بلغيموز و قد بدأ ينقشع لكن السحاب الصباحي لا يزال يحجب الشمس، وبدأت شاحنات نقل السيارات تتسابق لتصل ميناء جنجن و عند الجناح لاح منظر البحر هادئا كالصباح صافيا كالسماء إلى جهة الغرب، عند مصب وادي معزوز إنعطفنا يسارا و على الطريق المحاذي للشاطىء أعطت نسمات الصباح عطرا بحريا لأنفاسنا و عند شاطىء صخر البلح بدأت تظهر ملامح موسم الإصطياف بوجود باعة على الطريق لأدوات التخييم و معدات السباحة و البحر من ألعاب أطفال إلى شمسيات و كراسي قابلة للطي، و كانت جيجل على بعد 29 كيلومتر و يحتاج الوصول إلى بجاية قطع مسافة 125 كيلومتر فقط. عرض بائع سيارات مركبات للأشغال العمومية إلى جانب سيارات سياحية علق إحداها في الهواء و أعلن عن التسليم الفوري للمركبات حتى يغري الزبائن قبالة شاطىء لمزاير، أين تفصل البيوت البلاستيكية بين الطريق و شاطىء البحر، كانت السيارات التي تعبر الطريق تحمل ترقيم ولايات قسنطينة و ميلة وباتنة و قالمة، و لما دخلنا جيجل وجدنا نفس القادمين من تلك الولايات قد اختاروا جيجل لقضاء أيام من عطلة الصيف على شواطئها، عند مدخل ميناء جنجن بدأت الحركة تصبح كثيفة و قام رجال الدرك بتسييرها، بينما تقوم الشركة الإماراتية العالمية موانىء دبي بتسيير الميناء الذي صارت تصل منه منتجات مصنعة بكثرة أغلبها السيارات الأوروبية و الآسيوية إلى الجهة الشرقية للبلاد و لكن أكثر من 12 باخرة كانت في عرض البحر تنتظر الدخول لميناء جنجن صباح أمس. الإعلانات عن كراء شقق و بيوت للمصطافين في كل مكان و الأسعار كالفنادق عند النقطة الدائرية بالطاهير على بعد 20 كيلومترا من جيجل بدأت الإعلانات التي تتكرر بكثرة في كل زوايا طرقات جيجل و على لافتاتها تعرض كراء شقق و بيوت للمصطافين و قد حافظت جيجل هذه السنة على تقاليدها بإيواء زوارها في البيوت مقابل مبالغ لا تختلف عن أسعار شقق الفنادق القليلة و البسيطة في المدينة، مباشرة بعد حاجز للشرطة كان عشرات الشبان ينتظرون فتح مديرية التشغيل لأبوابها. في الصباح لا يتحرك المصطافون بمدينة جيجل كثيرا على عكس تجارها و باعة المواد الغذائية الذين يعرضون سلعتهم في الطريق العام من منتجات خضر و فواكه موسمية محلية طازجة و مغرية. على شاطىء بوالنار بالجهة الغربية للمدينة على الطريق نحو بجاية بدأت السيارات في التحرك ببطء لعل أصحابها يجدون مكانا يسمح لهم بالدخول إلى الشاطىء، و قال عريف بالدرك الوطني يحرس المكان أن الكثيرين يقصدون الشاطىء لكونه قريبا من المدينة و يتميز بالأمن التام في شتى نقاطه و بالإحترام الكامل لرواد البحر من الهاربين من لفح حرارة الشمس،قبيل منتصف النهار لا تكاد تجد مكانا لوضع كرسي أو شمسية و قال الطفل د.وسيم أنه يبحث عن صديق له على الشاطىء ليصطحبه إلى الغطس في منطقة الصخور قرب المقبرة، و بابتسامة أضاف أن السباحة في شاطىء رملي للنساء و العجائز الكبيرات في السن و بعد قليل أوضح بينما كانت فتيات يافعات يدخلن البحر بكامل ثيابهن أنه يركب الحافلة كل صباح بعشرين دينارا للوصول من وسط جيجل حيث يقيم إلى الشاطىء، يدرس وسيم بالسنة الأولى ثانوي شعبة علوم طبية و حياة و هو ناشط على صفحة ناس جيجل على الفايسبوك و قد طلب منا إرسال بعض صوره على الشاطىء عبرها. قال و هو يرافق إمرأة و عجوزا أنه لا يجد أحسن من جيجل للإقتراب من البحر في الصيف و برر إختياره بأن جيجل مدينة محافظة و أناسها يحترمون كثيرا زوارهم و لا يعاكسون الفتيات بفجاجة و لا يظهر منهم سوء أدب و لذلك فهو يختار المكان المناسب لعائلته حتى ترتاح قرب البحر بهدوء. عرض شاب كراء شقق و بيوت للمصطافين و كان يبيع السجائر و بعض الحلويات و سألناه عن أقرب شقة جاهزة فقال لدي شقة من ثلاث غرف جاهزة حالا للكراء بأربعة آلاف و خمسمئة 4500 دينار لليوم، كانت الغرفة الواحدة في فندق لويزة بأقل من ذلك و في غيره أقل، لكن الشاب الذي دلنا على المكان أعطانا رقم هاتف صديقه ،قال أن لديه فيلا صغيرة للكراء و سوف يقترح علينا سعرا معقولا و عدنا صاحب الهاتف بالإتصال إن كانت الفيلا شاغرة مع يوم السبت القادم لأن لديه عرضا بكرائها و لم يتصل لأن الحجز تأكد و لم تعد الفيلا شاغرة. لم نستطع تنظيم و إحصاء البيوت و الشقق المؤجرة بسبب عدم تعاون البلديات قال مدير السياحة لولاية جيجل السيد نور الدين منصور أن الموسم الحالي في جيجل لا يكاد يختلف عن سابقيه إلا في كون المدة الزمنية المتاحة للمصطافين قصيرة، لكن مع ذلك فقد أمضى الكثيرون من سكان ولايات الجنوب القريب مثل بسكرة و الوادي و ورقلة شهر رمضان كمصطافين في جيجل، و هو أمر يتكرر و يتزايد من موسم لآخر حسب المسؤول ذاته. بالنسبة لعمليات تأجير الشقق و المنازل الفردية للمصطافين اعترف مدير السياحة أن عمليات إحصائها و تنظيم نشاطها فشلت لكون المعنيين بها لم يلتزموا بالتصريح المفروض وفق تعليمة وزارية مشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة السياحة. و فسر ذلك بكون البلديات لم تتعاون في الموضوع و لكون التخوف كبير لدى سكان جيجل من دفع أتاوات وضرائب عن كراء الشقق و البيوت في فصل الإصطياف، رغم تكرار المسؤولين التأكيد أن عملية التصريح بكراء الشقق و البيوت لا تنجر عنها أية تبعات مالية. قدر المسؤول أن جيجل تستقبل ما يقارب 500 ألف مصطاف سنويا و لا تزال المدينة تفضل السياحة الطبيعية البسيطة الخاصة بها ، و قد أعلن عن عدم جدوى مناقصات رخص استغلال الشواطىء جميعها مما جعل تسييرها يؤول طبيعيا للبلديات و هذه الأخيرة قامت بمنح مهمة إستغلال الشواطىء لأشخاص آخرين، يعمدون إلى تقديم خدمات على الشاطىء للمصطافين لكن الدخول للشاطىء بقي مجانيا و لا يدفع المصطاف سوى ثمن الخدمات التي يتلقاها من أفراد يقومون نيابة عن البلدية بتوفيرها له بناء على رغبته، و أوضح مدير السياحة أن البلديات لا تتولى سوى تسيير ثلث الشواطىء المفتوحة للإصطياف ويبقى الثلثان ملكية مشاعة للمواطنين و ليس من حق أحد طلب مقابل على الدخول إليها. وأكد المدير أن مصالحه لم تتلق حتى الآن أية شكوى من حالات استغلال غير قانونية للشواطىء لكنه توقع حدوث حالات من هذا القبيل لكون موسم الاصطياف قد بدأ فعلا في جيجل مع نهاية شهر رمضان و هو ما تدل عليه حركة المرور الكثيفة في وسط المدينة.