طاولات الأرصفة...صالونات تجميل مفتوحة تعرض مستحضرات منتهية الصلاحية تشهد الأسواق الداخلية بقسنطينة فوضى عارمة، يعكسها تدفق السلع المستوردة بشكل عشوائي ودون مراعاة لمقاييس النوعية وشروط التغليف والتعبئة، والتخزين والحفظ، على غرار ما هو حاصل بالنسبة لطاولات بيع مواد التجميل و العطور، التي تلقى إقبالا كبيرا من قبل زبونات يغامرن بصحتهن باقتناء منتجات غالبيتها غير صالح، وأخرى خطيرة على الصحة تهرّب بتواريخ صلاحية مزوّرة من الصين و دبي أو تنتج بتركيبات مقلدة داخل ورشات محلية غير مصرّحة. و أفادت مصالح التجارة بقسنطينة بأن غالبية المواد الرخيصة التي تعرض على هذه الطاولات و حتى بعض المحلات المتخصصة، مواد و مستحضرات مهرّبة و غير مطابقة لمعايير الصحة، مؤكدة بأن جل الكمية المحجوزة خلال الشهريين الماضيين و المقدرة ب 52كلغ من المستحضرات و العطور، منتهية الصلاحية و غير مطابقة لشروط الوسم، ناهيك عن أن غالبيتها مواد مجهولة المصدر و تتضمن مواد خطيرة على الصحة. و رغم عدم نظامية نشاطها، إلا أن هذه الطاولات تحوّلت مع مرور السنوات إلى جزء لا يتجزأ من ديكور شوارع و أزقة المدينة القديمة، حيث تعرض كميات هائلة من مستحضرات التجميل المقلّدة، والعطور ومزيلات الروائح والكريمات الخاصة بالبشرة والشامبوهات، و صبغات الشعر وكل أنواع الصابون دون رقيب أو حسيب. ولعل أول ما يلفت الانتباه هو الفرق الشاسع في سعر هذه المنتجات بين المقلّد والأصلي فعلى سبيل المثال بلغ سعر أحد العطور الأصلية على مستوى إحدى المحلات بشارع عبان رمضان 6800 دج، لكن بإمكان محبي هذا العطر أن يقتنوه على مستوى الرصيف بسعر لا يزيد عن 500دج، و للزبونة الحق في الاختيار بين النوعية والجودة وبين الأسعار المغرية. السواد الأعظم من الزبونات بتن يفضلن مستحضرات الأسواق و الأرصفة نظرا لملاءمة أسعارها، التي تعد جد متدنية و في متناول الجميع، حيث يتفنن في تجريب هذه المواد في الشارع دون حرج أو مبالاة بنتائج استخدم مستحضرات معروضة تحت أشعة الشمس على صحتهن. فوارق كبيرة بين أسعار المحلات و الطاولات و بالرغم من أن الكريمات المستعملة لتفتيح البشرة، والقضاء على التجاعيد وكريمات الأساس و"الفوندوتان "، تعتبر من أغلى المنتجات في أوروبا خاصة منها الماركات العالمية المعروفة، إلا أن المتجوّل بين طاولات الباعة الفوضويين يجدها متوّفرة و بأسعار متدنية جدا تتراوح مابين 50 دج حتى 300دج، إذ تعرض مواد شبيهة لها أو مقلّدة بأسعار تثير الريبة و تدفع للتساؤل عن السبب وراء الفارق المالي الكبير بين ما يعرض منها في المحلات و على طاولات الشوارع و الأسواق. سؤال لا تبدي غالبية الزبونات أي اهتمام لطرحه، لقناعتهن بأن السعر يأتي قبل كل شيء خصوصا وأنها أسعار خيالية لا تتعدى أحيانا 50دج لقلم أحمر الشفاه، و70 دج للماسكرا ، ما يعد بالنسبة للعديد من الفتيات فرصة من الغباء تفويتها، ولا مجال طبعا للتشكيك في صلاحية هذه المعروضات، فأسعارها المغرية تغطي على كل الشكوك وهو ما يفسر الإقبال الكبير عليها، فالزبائن يجدون دائما ضالتهم في معروضات الأرصفة. مافيا المال تموّل السوق الموازية سليم صاحب إحدى الطاولات المنتشرة بكثرة في أزقة المدينة القديمة بقسنطينة، أخبرنا بأن الطلب مرتفع دائما على هذه المواد خصوص في فترة الصيف و من قبل الفتيات المقبلات على الزواج، إذ أعترف بأنه كثيرا ما يتلقى شكاوى من قبل زبونات يعدن بضاعة سبق لهن شراؤها، لأنها منتهية الصلاحية أو ذات رائحة غريبة كما قال، وهو الأمر الذي يعتبره طبيعيا خصوصا و أن ما يعرضه مقلّد و مجهول المصادر أحيانا. لذلك فهو لا يتحمل أية مسؤولية على حد تعبيره، لأنه يعد ضحية بدوره و يتحمل جزء كبيرا من الخسارة. أما بخصوص مصدر سلعه فقد أخبرنا سليم بأنه يموّن طاولته من محلات الجملة بحي سيدي مبروك، هذه المحلات التي تموّل بدورها من قبل الباعة المتجوّلين في كثير من الأحيان، وعليه فإن الحديث عن شرط الضمان مستبعد و من الصعب تحقيقه. و حسب صاحب محل للعطور بحي سيدي مبروك، فإن مشكل التقليد واقع، فرض نفسه عندنا إذ تعرف هذه السوق رواجا كبيرا، بما أن أغلب زبائن السلع المقلدة من ذوي الدخل المحدود. يقول: " جل الزبائن يركزون على عامل السعر، أما الجودة والنوعية فهي آخر اهتماماتهم رغم الأضرار، و نحن بالمقابل مضطرين للتعامل مع هذه السلع لأنها باب رزقنا الوحيد". و أضاف موضحا " نحن أصغر حلقة في سلسلة هذا النوع من التجارة ، فنشاط بعض المستوردين يندرج في إطار نشاط الاستيراد غير الرسمي الذي تموّله السوق الموازية للصرف و وهو تحديدا ما يشجع المستوردين على إجراء معاملات تجارية إضافية خارج الضوابط بإبرام صفقات غير رسمية عن طريق الأموال التي لا تمر عبر البنوك وهو ما يفتح المجال لإدخال هذه السلع عبر قنوات التهريب وإغراق السوق الداخلية بها وجني أرباح طائلة على حساب الزبون و حتى على حسابنا نحن". غياب ثقافة استهلاكية شجع هذا النشاط وقد ساهم غياب الوعي لدى المستهلك في رواج تجارة كل ما يدخل إلى الأسواق من منتجات مهما كانت طبيعتها،مع أن المستهلك يقع دائما ضحية الغش بمختلف أشكاله و لكن بإدراك منه كما هو الحال بالنسبة لمواد التجميل، خصوصا و أن السعر وحده كفيل بالإشارة إلى وجود خلل ما في المنتوج، حسب ما أوضح مسؤول مصلحة مراقبة المنتجات الصناعية بمدرية التجارة بقسنطينة، مؤكدا وجود شركات خاصة تقوم بصنع هذه المنتجات باستعمال الغش في التركيبة حتى لا تكلّفها غاليا. أخصائيون يحذرون من مغبة استخدامها يؤكد الدكتور بن عراب أخصائي أمراض الجلد، بأن مواد التجميل المقلّدة أو المغشوشة قد تسبب سرطان الجلد، لأنها مواد غير خاضعة للرقابة الطبية، لذلك فإنها كثيرا ما تسبب الحساسية وتهيّج الجلد والتهاب الجيوب الأنفية، خصوصا أن الأمر لا يتوّقف على المستحضرات و الكريمات فحسب، بل حتى بالنسبة للعطور نظرا لاحتوائها على نسب عالية من الكحول، المسببة للحساسية، كما يمكن أن تخلّف هذه المواد أمراضا مزمنة وخطيرة كالالتهابات و الطفح الجلدي و حتى الحروق. كما أن التركيز على استخدام هذه المستحضرات حول العينين سواء تعلق الأمر بظلال العينين أو كريمات التجاعيد من شأنه أن يخلق مشكل الهالات السوداء أو الحكة الدائمة، لأنها مواد تحدث ترهل في الجلد أسفل العينين و احمرارهما، مما قد يؤدي إلى مشاكل في النظر وأمراض أخرى قد تستدعي تدخلا جراحيا . و نصح بضرورة تجنب كل المستحضرات المشكوك فيها والتي لا تطابق المعايير العالمية من حيث المكونات والصلاحية وظروف البيع أيضا، لأن تأثير المستحضرات التجميلية على البشرة لا يظهر في حينه إلا بالنسبة لذوات البشرة الحساسة، أو في حالات انتهاء الصلاحية منذ مدة طويلة أو في حال كانت مكوّنات مستحضر التجميل رديئة ومضرة بالبشرة مثلما قال مؤكدا بأن التأثير يظهر على المدى الطويل ويساهم في ظهور بقع الحساسية والتجاعيد المبكرة أيضا، خصوصا فيما يتعلق بالمستحضرات التي تعرض لمدة طويلة في الشمس، وهو حال كل معروضات الأرصفة وطاولات الأسواق الشعبية.