سجل سكان تيمغراس هذه القرية الصغيرة المتواجدة على بعد حوالي 40 كلم جنوب تيزي وزو ببلدية "ايت بومهدي"مساهمتهم في الاحتفالات بخمسينية الاستقلال الوطني بقيامهم اليوم الثلاثاء بنصب علم وطني عملاق بمساحة 24 مترا مربع فوق قمة "تالطاط تموقرانت" بعلو 1800 متر بجبل " لا مان دو جويف" بمرتفعات جرجرة. و كانت العملية فعلا عظيمة بقدر عظمة ما أراد سكان قرية تيمغراس الرمز إليه .فكان الصعود إلى سفح "لا مان دو جويف" شاقا و خطرا في نفس الوقت. إذ لم يكن العمل يتعلق بجولة سياحية بل بتسلق جد خطر عبر موقع من الصخور غير مستقرة . و انطلقت المغامرة حوالي الساعة التاسعة و نصف من صباح اليوم حين قام سكان تيمغراس بتشكيل قافلة من سيارات الخواص و الحافلات و عربات النقل المجندة من طرف بلدية "ايت بومهدي"الى جانب سيارة إسعاف تابعة لوحدة الحماية المدنية ل"واسيف" حيث توجه الكل إلى هضبة "اسوال" . كما سلكت السيارات الطريق المؤدية إلى ولاية البويرة قبل التوقف على بعد حوالي 12 كلم من حدودها مع ولاية تيزي وزو . فكانت بداية المسيرة الشاقة التي افتتحها السيد عمراني بوسعد أحد سكان القرية و عمره حوالي 60 سنة والذي شق الطريق و على ظهره حقيبة من قارورات الماء البلاستيكية. و كان هذا الرجل الشجاع قد سبق له و هو طفل في الثانية عشر أن سلك هذا الطريق و ذلك خلال شهر جويلية من عام 1962 حين تسلق برفقة أطفال آخرين و رجال من القرية إلى سفح تالطاط تامشطوحت (اليد الصغرى) على علو 1500 متر لاقتلاع العلم الفرنسي الذي نصبه المستعمر عشية استفتاء تقرير المصير أملا منه للتأثير على الجزائريين. وقال عمراني و كله غبطة و سرورا" لقد كنا على عجلة من أمرنا لاقتلاع علم أولائك الذين احتلوا أرضنا لمدة 132 سنة و قتلوا و نكلوا بشعبنا و عائلاتنا و احرقوا قرانا" مضيفا أنه يشعر اليوم بنفس العجلة لبلوغ القمة و"نصب العلم الجزائري في نفس المكان التي نصب فيه الفرنسيون علمهم منذ 50 سنة" . وبعد حوالي ساعتين و نصف من التسلق تم بلوغ الهدف حيث وصلت مجموعة القرويين المشكلين في معظمهم من الشباب الذين رافقهم رئيس دائرة واسيف إلى قمة تالطات تموقرانت المقابلة لقمة "لالا خديجة" أعلى قمة في جبال جرجرة بعلو من 2308 أمتار. و تم رفع العلم الوطني الذي قدمه الطفل اماياس الزاهي و هو من عائلة من شهداء المنطقة إلى أعوان الحماية المدنية الذين نصبوه على العمود المقام منذ عدة أيام. و بادر القرويون أثناء ذلك إلى تشكيل صف وهم يمسكون بالعلم الممتد على طول 6 أمتار وعلى عرض من 4 أمتار في الوقت الذي كان فيه البقية يرافقون عملية رفع العلم بالنشيد الوطني . و كان المشهد فعلا مؤثرا تقشعر له الأبدان في هذا المكان الذي يتوسط السماء و الأرض. كما تمت بالمناسبة تسجيل دقيقة صمت ترحما على أرواح شهداء الثورة المجيدة. وبعد ذلك شرع القرويون في رحلة النزول و العودة التي كانت أكثر صعوبة من رحلة التسلق بفعل التعب الذي نال منهم. لكنهم كانوا جد فخورين بالعمل الذي قاموا به إذ يجب للمرء أن يكون فعلا عاشقا لوطنه و غيورا على تاريخيه للقيام بمثل هذا العمل الذي يعد تشريفا للمجاهدين و لروح الشهداء الأبرار وكل التضحيات التي كرسوها في سيبل تحرير الوطن من الاستعمار-كما عبر عنه كل من شارك في هذا العمل العظيم . وكشف أحد سكان القرية و هو رئيس سابق للجنة القرية يخلاف ازواو أن فكرة انجاز هذا العمل الجبار لتكريم ذكرى الشهداء ال440 للبلدية نمت في أذهان القرويين السنة الماضية لدى تدشين النصب التذكاري المكرم لشهداء قرية تيمغراس ال148. و هي نفس الفكرة التي لقيت ترحيب بلدية "ايت بومهدي" و الجمعية الثقافية تافرارا بتيمغراس و كل سكان القرية الغيورين و الفخورين بتاريخهم. و يندرج تنصيب هذا العلم العملاق في إطار مهرجان امغراس (الشهيد) الذي انطلق يوم الأحد ويستمر إلى غاية الخامس جويلية يوم عيد الاستقلال .