بذلت الجزائر خلال السنوات الخمسين من عمر استقلالها جهودا معتبرة للحفاظ على ثروتها الغابية التي تهددها الحرائق و الاستغلال المفرط اضافة الى ظاهرة التصحر التي تشهد وتيرتها تزايدا مقلقا. غداة استقلالها وجدت الجزائر نفسها تواجه وضعية تدهور ايكولوجي جد متقدمة تميزت بتراجع معتبر للغطاء النباتي لتؤول الى تضاعف ظاهرة الانجراف في المناطق الجبلية. و في الواقع فان السياسة الاستعمارية المتبعة لقرابة قرن و نصف قد أخضعت الثروتين الغابية و الحلفائية للجزائر الى التنازل عن المستثمرات غبر المراقبة. و خلال الحرب من أجل الاستقلال تعرضت هذه الثروات لعمليات تخريب جماعية و الى تدهور الطبقات الحلفائية و تخريب النظام الاجتماعي و الاقتصادي. و منذ سنة 1968 تم اعداد أربعة مشاريع خاصة بإعادة تشجيرالغابات الطبيعة الخاصة بالصنوبر الحلبي بجبال ولاد نايل (الجلفة) لتلبية الانشغالات ذات المصدر الايكولوجي حيث تمثلت أول مساحة تمت إعادة تشجيرها في منطقة موجبارة علما أن وحدة من الخدمة الوطنية للجيش الوطني الشعبي تم انشائها لانجاز هذه المشاريع. و من ثمة جاءت فكرة السد الأخضر لتتجسد ميدانيا انطلاقا من سنة 1971 بهدف وقف ظاهرة التصحر. و قد شملت المساحات التي تمت إعادة تشجيرها بكل أنواعها في اطارهذا المشروع أكثر من 300000 هكتار و هي حصيلة تدعمت خاصة من خلال تعزيز وتيرة انجازات المخطط الوطني لإعادة التشجير. و أشارت حصيلة المساحات المغروسة في اطار عمليات إعادة التشجير من 1962 الى غاية 1999 الى إعادة تجشير1194108 هكتار حسب أرقام المديرية العامة للغابات. و قد تعززت هذه الارقام بغرس610000 هكتار في اطار المخطط الوطني لإعادة التشجير مما رفع حصيلة هذه العملية في الجزائر منذ استقلالها الى غاية سنة 2012 الى 1804108 هكتار. و يهدف البرنامج الوطني لإعادة التشجير الذي انطلق في سنة 2000 في آفاق سنة 2020 الى تحقيق هدف اجمالي يتمثل في إعادة تشجير 1245900 هكتار علما أن جهود إعادة التشجير يقدر معدلها ب 50000 هكتار/سنويا و من المفروض أن ترتفع الى 700000 هكتار خلال السنوات القادمة حسبما صرح به لوأج المدير العام للغابات محمد صغير نوال. و يتمثل الهدف الرئيسي للبرنامج الوطني لإعادة التشجير في رفع نسبة إعادة التشجير من 11 الى 13 بالمئة في بلد تتنوع فيه خصوصيات وسطه الطبيعي بين مساحات شاسعة قاحلة و منطقة سهبية واسعة و سلسلة جبلية مغروسة و وسط يتكون من السهول و التلال و منطقة بحرية ذات مناخ متوسطي. و تغطي الغابات و الجبال مساحة اجمالية تمتد على 7ر4 مليون هكتار. و للاشارة يتعرض الوسط الجزائري لثلاثة صعوبات كبيرة تتمثل في الامطار غير المنتظمة و التربة الهشة و الفارق الكبير في درجة الحرارة بين الفصول الحارة و الباردة. و عليه فان الموارد الطبيعية محدودة نظرا للظروف المناخية و توزيعها غير المتساوي على مستوى التراب الوطني. و يرى المدير العام للغابات أن " ارتفاع نسبة التشجير يعد عملا شاقا ويتطلب جهودا معتبرة و متواصلة في مجال إعادة التشجير". من جهة أخرى فان قرابة 32 مليون هكتار تمثل السهوب و المدخل الصحراوي في حين أن 12 مليون من المناطق الجبلية مهددة بالانجراف المائي حسب أرقام المديرية العامة للغابات. و بهدف حصر تطور ظاهرة تدهور التربة بشكل جيد تمت المبادرة بعملية تمثلت في تحيين البطاقة الوطنية للتحسيس بمشكل التصحر و هي تمس 12 ولاية سهبية. و حسب المديرية العامة للغابات فانه من مجموع 27 مليون هكتار تمت دراستها فان 3ر45 بالمئة من هذه المساحة معرضة للتصحر و 16 بالمئة منها جد معرضة لهذه الظاهرة و 2 بالمئة سبق و ان تعرضت للتصحر. من جهة أخرى تواجه الثروة الغابية تحديا آخرا جد حساس مثل التصحر اذ يتعلق الامر بحرائق الغابات التي تتلف عشرات الآلاف من الهكتارات سنويا. و منذ الاستقلال أتلفت الحرائق الى غاية نهاية سنة 2011 حوالي 616ر1 مليون هكتار حسب المديرية العامة للغابات. كما سجلت خلال سنتي 1982 و 1994 أثقل حصيلة ب 221367 هكتار و 271597 هكتار على التوالي. و حتى و ان كانت الظروف المناخية لاسيما الحرارة المرتفعة تشكل العامل الاساسي الذي يشجع حرائق الغابات فان العنصر البشري مسؤول على ذلك بنسبة 95 بالمئة حسب نفس المديرية. و يرى نفس المصدر أن " الانسان يبقى يعتبر المسؤول الأول عن هذه الحرائق حتى و ان لم يكن ذلك عمديا في أغلبية الحالات اذ أنه كلما سجل حريق أودعت المديرية العامة للغابات شكوى ضد مجهول و شرعت مصالح الدرك الوطني في تحقيقات معمقة من أجل تحديد المسؤوليات". و من سنة 1962 الى 2011 شكلت المساحة التي مستها حرائق الغابات (616ر1 مليون هكتار) تقريبا مجمل المساحة المعنية بعمليات إعادة التشجير خلال 50 سنة من الاستقلال ب 804ر1 مليون هكتار. و اعتمادا على المساحة المعنية بظاهرة التصحر فاننا نستنتج أن الجزائر تسجل عجزا في مجال المحافظة و استعادة الثروة الغابية بالرغم من الجهود المبذولة. في هذا الخصوص يرى نوال أن " هذا الوضع يستلزم بذل المزيد من الجهود في مجال إعادة التشجير للتوصل الى استقرار الاتجاه الناتج عن ظاهرة التغيرات المناخية و الذي يبقى يمثل السبب الرئيسي الذي يشجع و يثير كل أشكال التدهور". و عليه يتعين على الجزائر الاسراع في جهودها و وتيرتها الخاصة بإعادة التشجير بهدف المحافظة على ثروتها الغابية و هو رهان كبير لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية.