تعددت أسماء معركة "26 أبريل 1958" بسوق أهراس التي سيحتفل الجمعة المقبل بذكراها 55 حيث سميت معركة "وادي الشوك" ومعركة "سوق أهراس الكبرى" إلا أنها تبقى إلى جانب ذلك ملحمة كبرى في تاريخ الوطن لما ترمز له من تلاحم وطني بين أبناء الجزائر حيث كان شهداؤها من مختلف مناطق الوطن. واستنادا لشهادات مجاهدين وأساتذة مؤرخين أدلوا بها ل (وأج) عشية احياء ذكرى هذه المعركة فان شراسة هذه المعركة التي امتدت لأسبوع كامل بلا هوادة وبلغت حد المواجهة المباشرة بين المجاهدين وعساكر فرنسا وما خلفته من شهداء و قتلى في صفوف الاستعمار ستظل راسخة في الذاكرة الجماعية الجزائرية. وقد خلفت معركة سوق أهراس ضحايا من الجانبين لاسيما من الطرف الفرنسي الذي فقد أكثر من 1260 عسكريا بين قتيل وجريح بمختلف الرتب وعتادا حربيا ضخما فيما استشهد 639 مجاهدا من شتى ربوع الجزائر. و ذكر في هذا السياق رئيس جمعية الناجين في تلك المعركة المجاهد حمانة بولعراس أن المواجهة اندلعت في مكان غير بعيد عن منطقة الزعرورية وبالتحديد في وادي الشوك بمنطقة جبلية ذات سلاسل جد كثيفة وأودية صعبة الاجتياز وكهوف يصعب التنقل فيها الشيء الذي أدى بقيادة الفيلق الرابع لجيش التحرير الوطني إلى التركيز على عبور الخط الرابط بين "عين مازر" قرب ساقية سيدي يوسف التونسية نحو قرية "جبار عمر" ثم وادي الشوك إلى عين سنور فالمشروحة بولاية سوق أهراس حاليا إلى وادي الشحم و حتى الدهوارة بولاية قالمة حاليا أي بالولاية التاريخية الثانية. وأضاف المجاهد حمانة أنه وبعد التعليمات الصارمة لقيادة جيش التحرير الوطني والقاضية بعدم الدخول في أي اشتباك مع عساكر العدو ريثما يتم تمرير الأسلحة والذخيرة الحربية عبر خط موريس قام الفيلق الرابع بقيادة المجاهد الراحل محمد لخضر سيرين وكتيبتين تابعتين للولاية التاريخية الثانية وكتيبة أخرى تمثل الولاية التاريخية الثالثة بضمان التأطير للتمكن من تمرير الأسلحة عبر خط موريس. ولدى قيام الفيلق الرابع وكتيبتين تابعتين للولاية التاريخية الثانية وكتيبة أخرى تابعة للولاية التاريخية الثالثة بتأمين خطوط عبور الأسلحة اكتشفت الاحتلال أن الثوار تمكنوا من فتح جبهة فاشتبكت قواته مع إحدى الكتائب الثلاث بجبل بوصالح مما سمح للقافلة بالعبور و الدخول إلى أرض الوطن قادمة من تونس لإمداد الولايات الداخلية بالسلاح. و من جهته اعتبر مؤسس جمعية تخليد مآثر الثورة بسوق أهراس عبد الحميد عوادي أن معركة "سوق أهراس الكبرى" جرت في نفس الظروف وضمن نفس المفاهيم السياسية لإستراتيجية التي تحدث عنها قائد منطقة الشرق القسنطيني الفرنسي الجنرال فانيكسان. و ذكر عبد الحميد عوادي أن الجنرال فانيكسان قال آنذاك "في الحروب الثورية ليس فقط مواجهة المتمردين في الداخل بل مواجهة الدعم الذي يتلقاه هؤلاء من الخارج وهو النموذج الحديث للصراع الملاحظ في الهند الصينية والجزائر". وبعد إنشاء خط موريس في جوان 1957 على تراب القاعدة الشرقية واستكماله في أكتوبر من نفس السنة وبعدما تدفقت كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة إلى داخل الوطن شرعت قوات العدو في حراسة شديدة للحدود الغربية و خاصة الشرقية. ومن جهته أشار أستاذ التاريخ جمال ورتي مستندا لجريدة "لاديباش دو كونستونتين" التي أوردت وقتها أخبار المعركة أن أعداد القوات الفرنسية التي اشتركت فيها تعادل قوات استخدمت في أكبر معارك الحرب العالمية الثانية متمثلة في الفيلقان 9 و 14 للمظليين والفيلقان 8 و 28 للمدفعية بعيدة المدى والفيالق 26 و 151 و 152 مشاة ميكانيكية وفرق اللفيف الأجنبي "وهي القوات التي تعد من أشرس الوحدات القتالية الفرنسية التي شاركت بضراوة في الحروب الاستعمارية إضافة إلى سلاح الجو الفرنسي من طائرات هيليكوبتر وطائرات قاذفة". وكانت وحدات جيش التحرير الوطني في تلك المعركة مؤلفة من الفيلق الرابع بقيادة المجاهد الراحل محمد لخضر سيرين ونائبيه أحمد درايعية ويوسف لطرش وكتائب أخرى كانت متجهة إلى الداخل لإمداد الولايات الداخلية بالسلاح منها كتيبة متجهة إلى منطقة الطاهير التابعة حاليا لولاية جيجل وأخرى متجهة إلى ناحية ميلة فضلا عن أخرى نحو سكيكدة. وأضاف الأستاذ ورتي أنه على الرغم من حصار وحدات جيش التحرير الوطني في جيب محدد وسد جميع المسالك البرية إلا أن بعض كتائب جيش التحرير الوطني تمكنت من التسلل واختراق الحصار وذلك ما لم يحدث أبدا في العالم العسكري "فالقوات المحاصرة في نطاق جغرافي ضيق غالبا ما ينتهي مصيرها إلى الاستسلام"-كما أضاف.