بالرغم من اختلاف شهادات الأحياء من المجاهدين بمنطقة الأوراس في تحديد تاريخ معركة تبابوشت مابين 27 نوفمبر و7 ديسمبر 1954، إلا أنها أجمعت بأن تلك الواقعة حولت غابة كيمل بولاية باتنة إلى مقبرة جماعية ل 900 جندي قتيل من عساكر القوات الاستعمارية. وكانت خسائر العدو في تبابوشت التي تعد أول و أكبر معركة لجيش التحرير بأسابيع قليلة من تفجير ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، حسب عدد من أبطالها الأحياء ومنهم جودي كيور وجرمون محمد ومحمد بن عمر بيوش وبوجنيفة الشريف و أوصيف لخضر الذين تتراوح أعمارهم مابين 86 و91 سنة جد جسيمة مقارنة بالمجاهدين الذين فقدوا 7 شهداء فقط. ويذكر من عايش الواقعة من المدنيين والمجاهدين كيف أن شاحنات العساكر ظلت ل 4 أيام متتالية تنقل جثث الضحايا التي تم تكديسها كرزم التبن تاركة وراءها سيل من الدماء قيل بأنها كانت تسيل مثل الماء المتدفق من القربة. انتقام وحشي من الإنسان و الحيوان ووصف المجاهد بوسجادة عمر ل"وأج" ذلك المشهد قائلا "كان شيئا عجيبا لم أصادفه قط في حياتي. فقد كنت وقتها ذي 17 عاما وأتذكر اليوم جيدا ما خلفته تلك المعركة من قتلى. وليست مبالغة إن قيل أن الموتى تعدوا ال1000 قتيل مما ترك الجنود من شدة الغضب يطلقون النار على كل من يصادفهم إنسان كان أم حيوان." كانت رحلة "وأج" التي اقتفت آثار أبطال تبابوشت ممتعة إلى غابة كيمل رفقة المجاهدين جرمون محمد و أوصيف لخضر وجودي كيور الذين أعادوا رسم معالم تلك المعركة التي تحولت إلى مصيدة مميتة لجنود العدو وكانت حصيلتها 900 قتيل أكدها المجاهد جودي كيور قائلا "بعد يومين من المعركة التقيت بعباس لغرور وفي خضم الحديث كنا نستمع لمذياع كان بحوزته فالتفت إلي قائلا : "اسمع مازالوا يتحدثون عن المعركة إنهم يعترفون بموت 900 جندي لهم بتبابوشت والقضاء على 7 منا أي الواحد منا ب 27 منهم)". وفي الحقيقة يؤكد المجاهد أوصيف لخضر لم "نقتل كل هذا العدد من العساكر لأننا كنا ناقصين عددا وعدة ولم نخطط للمواجهة بل كانت المعركة مفروضة علينا وتولى جنود الاحتلال مهمة تصفية أنفسهم بأنفسهم." وأضاف "كنا حوالي 80 مجاهدا يمثلون 3 أفواج أحدهم من خنشلة تابع لعباس لغرور و الثاني من وادي عبدي بآريس ومجموعتنا بإشراف بن زحاف مسعود و تضم حوالي 50 مجاهدا منهم المتحدث وجرمون وبيوش وكيور والبشير ورتال المدعو سيدي حني وبوجنيفة الشريف وآخرون. إلتقينا في منطقة سيدي علي بكيمل بعد أن سمعنا بعد أسابيع قليلة من اندلاع الثورة بأن الجيش سينظم اجتماعا هناك لإعادة تنظيم الأفواج". كان الوقت ليلا لما أخبرنا ممرض عباس لغرور بوبكر سالم بأنه فر بأعجوبة من عساكر الاحتلال التي صادفها في طرف الغابة وعلمنا بأن أمرنا اكتشف وأسرعنا للاختباء بمنطقة صفاح اللوز التي تقع بمنطقة وعرة وكثيفة الأشجار يردف أوصيف مذكرا "لما بدأت المعركة في حدود الثامنة والنصف من صباح اليوم الموالي كان العدو قد أحكم قبضته علينا وحاصرنا من كل جانب. وكنا حوالي 34 مجاهدا فقط بعدما تمكن البقية من التسرب خارج منطقة الخطر." واكتشفنا بعد ذلك يضيف الشهود بأن "تموقعنا في أسفل الوادي لحمر في مكان منخفض جعلنا في منأى عن وابل الرصاص الذي كان يتهاطل كالمطر ويستقر في أجساد الجنود الفرنسيين الذين كانوا متواجدين بضفتي الوادي متقابلين في مكان عالي ذي أشجار كثيفة حجبت عنهم الرؤية مما جعلهم يقتتلون فيما بينهم بل وتتحول الإمدادات التي تصل المنطقة برا وجوا إلى أداة جهنمية لتصفيتهم." ويضيف الشهود أنه "اعتقدنا بعد حلول الظلام أن صراخ الضباط في من تبقى من الجنود بتوقيف القتال مجرد خدعة حرب للقضاء علينا لكننا اكتشفنا بعد مدة من الزمن أن المعركة انتهت لاسيما بعد أن توغلنا في الأحراش ولم نر أحدا وأيقنا أن قوات العدو تقهقرت لحصر خسائرها". "كانت مقاومتنا في تبابوشت أسطورية وباركتنا غابة كيمل التي أرهبت العدو فيما بعد". أجمع الشهود الذين عادوا مرة أخرى إلى مكان المعركة بعد ستين سنة من وقوعها في حين تخلف عن الرحلة بيوش وبوجنيفة وقادري بلقاسم التقت بهم "وأج" قبل ذلك بباتنة أن مقاومة المجاهدين في تبابوشت كانت خرافية وباركتها غابة كيمل التي أرهبت العدو ليصدر أوامر بعد ذلك بقنبلة كل من يتحرك فيها و تظل مناطق فيها محرمة عليه إلى أن استقلت الجزائر. وتذكر المجاهد جرمون وهو يذرف الدموع بسالة الشهيد صبايحي محمد الذي كان أول من سقط في المعركة بعد أن أردى عددا من الجنود قتلى ليقول بتأثرعميق كان رجلا شجاعا و شهما ولم يستسلم إلى آخر نفس. ثم استدرك الموقف ماسحا عينيه وكأنه أبى أن نراه باكيا. أما فاتح صبايحي ابن الشهيد محمد صبايحي الذي قتل قائد مشونش صبيحة الفاتح من نوفمبر 1954 بتاغيت في حادثة توقيف الحافلة فذرف الدموع لما توغل لأول مرة في الغابة التي رواها أباه منذ 60 سنة بدمه. كانت عودة المجاهدين الثلاثة إلى غابة كيمل لاستحضار أحداث معركة تبابوشت جد متعبة و مؤثرة لأنها أحيت ذكريات الكفاح المريرة في أذهان الشهود الذين مازالوا يتذكرون بافتخار أن تبابوشت ستبقى إحدى معجزات ثورة نوفمبر المجيدة.