لا يزال العالم يعيش على وقع أزمة نزوح غير مسبوقة, وصفت أنها الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية, وعجز عن إيجاد حلول حقيقية لهذه الظاهرة التي حصدت أرواح آلاف الأبرياء قضوا ضحية للنزاعات والأزمات والكوارث التي تعرفها بلدانهم. وبالرغم من تراجع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين عبروا المتوسط خلال العام الجاري بقرابة الثلثين مقارنة بالعام 2015, فقد ازداد عدد المتوفين منهم بكثير حيث تجاوز السبعة آلاف ضحية. وحسب التقديرات الأممية فإن إجمالي عدد النازحين في العالم بات يعادل ثلاثة بالمائة من سكان المعمورة. وإذا كانت النزاعات والحروب تشكل السبب الرئيسي وراء موجة الهجرة هذه, تساهم بدورها الكوارث الطبيعية وقلة التنمية التي تعاني منها دول الجنوب في تأجيج هذه الظاهرة. الهجرة والنزوح ... عبئ على كاهل العالم تدفع الحاجة والظروف الأمنية السائدة في عدد من أقطار العالم الأشخاص إلى ترك أوطانهم وخوض مغامرة الهجرة بحثا عن ملاذات جديدة قد توفر لهم "حياة كريمة", فوفقا لآخر تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية, تجاوز عدد المهاجرين عبر العالم 245 مليون شخص. ولعل أكثر وجهة قصدها اللاجؤون على اختلاف جنسياتهم (سورية, عراقية, ليبية, أفغانية, وجنسيات إفريقية متعددة) خلال الفترة الأخيرة, كانت القارة العجوز, التي تنعم بلدانها بالاستقرار والرفاه, فقد استقبلت أوروبا لوحدها 354 ألفا و804 مهاجرا خلال العام الجاري, عبروا إليها عن طريق البحر المتوسط. وبالرغم من تراجع أرقام المهاجرين الوافدين إلى أوروبا مقارنة بالعام الماضي, لازالت هذه الظاهرة تؤرق الاتحاد الأوروبي نظرا للتحديات الكبيرة التي يشكلها المهاجرون على دول الاستقبال سواء على الصعيد الأمني أوالإقتصادي. وبالحديث عن القارة العجوز باعتبارها الوجهة الأولى للاجئين, لابد من عدم إغفال الدور الكبير الذي تلعبه كل من تركيا ولبنان والأردن التي تستقبل ملايين اللاجئين الفارين من الأزمات التي تشهدها البلدان المجاورة لها على غرار سورياوالعراق, والعبئ الكبير الذي يتحملونه بسبب هذا الملف. ومن المهم أيضا عدم إغفال العدد المتزايد للنازحين داخليا في مناطق النزاع المختلفة عبر العالم على غرار العراقوسوريا وليبيا وجنوب السودان وحتى ميانمار. وتعد الهجرة, ظاهرة عالمية وفهي لا تخص أوروبا لوحدها, غير أن العدد الكبير من النازحين نحوها منذ فترة جعل منها حديث الساعة, وجعلها محط أنظار العالم. وحسب التقارير الأممية, فإن المهاجرين الأفارقة لوحدهم يشكلون ثلث المهاجرين في العالم, أغلبهم نازحون داخليا بسبب النزاعات المسلحة التي تشهدها عدد من دول القارة السمراء ناهيك عن قلة التنمية والكوارث الطبيعية, خاصة الجفاف. وتضم إفريقيا, أكثر من 18 مليون شخص من المشردين "قسرا" داخل أراضيها, مما يجبر بلدانها على تحمل عبء كبير نتيجة استضافة قرابة 20 بالمائة من اللاجئين وأكثر من 30 بالمائة من المشردين داخليا على مستوى العالم. وحسب برنامج المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المعني بإفريقيا, فإن عدد المشردين المسجل في وقتنا الراهن يعد الأعلى في تاريخ القارة السمراء. أية استراتيجية لمواجهة الظاهرة واجه المجتمع الدولي, انتقادات شديدة بسبب "عدم تعامله الجدي" مع معضلة المهاجرين غير الشرعين. وبغية وضع حد لهذه الأزمة, اقترح الاتحاد الأوروبي إجراءات تلزم بتوزيع اللاجئين على أعضائه, قوبلت بالرفض وأبقت الأزمة على حالها. وكحل أكثر نجاعة, أبرم الاتحاد اتفاقا مع تركيا في 18 مارس 2016 بهدف وضع حد للرحلات الخطيرة عبر بحر "إيجه", ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر عرف باسم "اتفاق إعادة القبول". وبموجب هذا الاتفاق - الذي دخل حيز التنفيذ في 4 أبريل الماضي - تقوم تركيا بإعادة استقبال المهاجرين الواصلين إلى جزر يونانية ممن تأكد انطلاقهم من تركيا. وفي هذا الصدد, أوضح الخبير في القضايا الأورو-متوسطية, الأستاذ عمر بغزوز, في حوار ل(واج) أن الإجراءات المتخذة من قبل الاتحاد الأوروبي لمواجهة ظاهرة الهجرة "تبقى غير كافية وغير ناجعة, فمحاولة وقف مشاريع الهجرة في ظل الإبقاء على العوامل المحفزة لها, تعد ضربا من الخيال". وبمعنى آخر, ف"من غير الواقعي الإصرار على معالجة مشكل إجتماعي وبشري عن طريق إجراءات أمنية بحتة". وحسب الخبير, ف"بدلا من وقف الهجرة, فقد زادت هذه الإجراءات من الطابع غير الشرعي لها وتسببت في تنويع طرقها, التي بالرغم من خطورتها وكلفتها الباهظة, لم تثن المرشحين للهجرة". وبهدف وضع حد لتدفق المهاجرين من الجنوب نحو الشمال, اعتمد الاتحاد الأوروبي في "قمة لافاليتا" الأوروربية-الإفريقية حول الهجرة في نوفمبر 2015, خطة عمل تقضي بتقديم المساعدات لدول إفريقية مقابل وقف ظاهرة الهجرة غير الشرعية والتصدي لشبكات تهريب البشر. وتم ابرام ما يسمى ب"اتفاقات الهجرة" بين الاتحاد وخمس دول إفريقية (مالي والنيجر ونيجيريا والسنغال وإثيوبيا). وفي هذا الصدد أكد, من جهته, الدكتور بابا السيد - أستاذ محاضر بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر-3 - ل(واج) أنه "ليس بإمكان الدول الإفريقية مواجهة كافة التحديات المترتبة عن هذه الظاهرة لوحدها, وإنما على القوى الغربية بذل المجهودات اللازمة للمساهمة في إعادة الأمن والاستقرار للعالم". ويلح المختصون, على ضرورة تفعيل سياسة تنموية حقيقية وإعادة الاستقرار لمناطق النزاع في إفريقيا كي يتسنى الحد من ظاهرة الهجرة, خاصة الداخلية في إفريقيا. وشدد الأستاذ بغزرو بهذا الخصوص, على ضرورة "إدماج الدول الإفريقية للهجرة في استراتيجيات ومخططات التنمية الوطنية والإقليمية", مؤكدا على "الأهمية الكبيرة للشراكة الإفريقية-الإفريقية". وأضاف أن "الدول الإفريقية غير قادرة على مواجهة مشكلة الهجرة الخارجية لوحدها, فهي بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمشاركة الدول الأوروبية من أجل بناء نظام أورو-إفريقي للهجرة يضم دول الساحل, في انتظار التأسيس لنمط تتسيير عالمي ثابت للهجرة". وقد, كثفت منظمة الأممالمتحدة من جهودها هي الأخرى, لإيجاد حلول ناجعة ومستدامة للأزمة, حيث عقدت عدة اجتماعات في هذا الخصوص أهمها قمة اللاجئين والمهاجرين التي نظمت في سبتمبر الماضي بنيويورك, واعتمد خلالها المشاركون, ما أطلق عليه "إعلان نيويوك" التزموا من خلاله بحماية حقوق الإنسان لجميع اللاجئين والمهاجرين, بغض النظر عن أوضاعهم وتقاسم المسؤولية على نطاق عالمي. وعموما, وحسب الخبراء, فإن مكافحة الهجرة تمر عبر مقاربة شاملة ومندمجة تجمع بين البعد الأمني في إطار التعاون في مجال مكافحة الشبكات الإجرامية للاتجار بالبشر والبعد التنمومي لمعالجة الأسباب العميقة للظاهرة واحترام الكرامة الإنسانية.