يمتزج الحديث عن منطقة إيشوقان الأثرية الواقعة ببلدية فم الطوب (50 كلم جنوب شرق مدينة باتنة ) بشيء من الأسطورة التي تزيد في سحر المكان الذي يبقى شاهدا على الحضارة النوميدية بهذه الرقعة -المنسية- من الأوراس الكبير. فأغلب سكان المنطقة الذين صادفتهم وأج يتداولون قصصا وأساطير نسجت حول هذا المكان النائي والذي كانت تدب فيه الحياة حسبهم- و إلى وقت غير بعيد في المواسم الدينية حيث تظهر فيه آثار جلية لدماء الأضحية وبقاياها صبيحة كل عيد الأضحى . وتشير شهادات أخرى إلى سماع أصوات غريبة لأشخاص وحيوانات من دون أن يراهم أحد لكن كل هذه الظواهر اختفت اليوم تضيف ذات المصادر بعد أن امتد العمران إلى هذه الجهة من بلدية فم الطوب وكأن الزوار الجدد أقلقوا بمجيئهم يضيف بعض المسنين من كانوا يقطنون المنطقة فرحلوا إلى مكان آخر أكثر أمنا وهدوءا . لكن الكثير من العادات المتوارثة عن الأجداد مازالت متبعة إلى حد الآن بهذه الجهة ومنها التوافد على (المزارة ) وهي مغارة توجد داخل صخرة كبيرة بخنقة سبع الرقود من أجل إقامة الوعدة (وضع بعض المأكولات التقليدية داخل المغارة مقابل طلب تحقيق أمنية ما) حيث تظل النساء أكثر المتمسكات بها لاسيما فيما يخص الزواج والإنجاب وإبعاد السحر والعين وغيرها . فالمغارة لا تكاد تخلو من الشموع والحناء والبخور و قطع السكر وحتى القطع النقدية إلى جانب الطمينة و الرفيس (حلويات تقليدية معروفة بالمنطقة تحضر بالعسل و الزبدة والدقيق المحمص وتزين بالمكسرات) وبعض الثمار والأطعمة حيث تترك من طرف قاصدي المزارة أملا في تحقيق أمانيهم في حين تجذب الكثير من الأطفال لالتهامها بمجرد ابتعاد حامليها يقول ل.عمار مضيفا ''أتذكر ونحن صغارا كيف نتسابق للوصول إلى المغارة حيث نجد فيها كل ما لذ وطاب ولم نكن نفكر مطلقا في من أوصلها إلى هذا المكان الوعر ولا الحكايات التي نسجت حولها". والطريف أن الكثيرين يؤكدون على أن أغلب احتياجاتهم و انشغالاتهم تقضى باللجوء إلى المزارة لذا هي عادة تتبع بينهم إلى حد الآن ومن بينهم من يشير إلى وجود حمامة بيضاء داخل المغارة تتقرب من الزوار في حين يذكر آخرون العثور على آثار دم متدفق بين الصخور بداخلها لاسيما صبيحة عيد الأضحى وهي كلها أقاويل يجد الزائر للمنطقة متعة كبيرة في سماعها وهو يسير على أرض إيشوقان الصخرية . بقايا مدينة نوميدية بمقابر ضخمة في موقع سياحي أخاذ فالمدينة الأثرية (ايشوقان) التي عمرها النوميديون منذ آلاف السنين ولم يبق منها اليوم سوى قبورا وآثارا متفرقة هنا وهناك توجد في معبر ضيق يدعى فم قسنطينة وهو عبارة عن طريق صخري طبيعي يؤدي إلى واديين يفصلان إيشوقان عن الجبلين الواقعين على جانبيها إلى قسمين خنقة سبع رقود و خنقة الآخرة في منظر طبيعي أخاذ وصعب في آن واحد يحبس الأنفاس لاسيما لمن أراد المغامرة والتوغل إلى أسفل الواديين أو دخول المغارة . و تمتاز هذه المنطقة بانتشار قبور حجرية ضخمة يتراوح طولها ما بين 6 إلى 8 أمتار تبدو في أشكال دائرية والظاهر منها للعيان مكون من طبقات فوق بعضها حيث أخذت تسميتها من المنطقة فأصبحت تسمى بمقابر إيشوقان . ويقول سعادنة وليد عضو بجمعية إيشوقان الثقافية والعلمية أن إيشوقان جمع مفرده إيشوق ومعناه مستنقع كثير الوحل يصعب الخروج منه ومن هنا جاء اسم المكان الذي شهد حروبا طاحنة بين النوميديين والرومان . وتشير الأبحاث التاريخية إلى أن الشوشات بمقابر إيشوقان كانت أولى المدافن التي جلبت انتباه علماء الآثار وفي مقدمتهم في بادئ الأمر العسكري الفرنسي بايان الذي قام سنة 1859 بحملة تحري سمحت له باكتشافها لتنشر نتائجها في سنة 1863 إلا أنها تضمنت حسب ذات المصادر وصفا أدبيا وقصصا حول الشوشات التي قال بأن أصلها يرجع إلى ما قبل الإسلام وأن اسمها مستوحى من التشابه بين هده المباني والقبعات التي يضعها رجال المنطقة على رؤوسهم. وقد جاء في الأطلس الأثري ستيفان أن خنقة سبع رقود التي تعد مغارة طبيعية موجودة في إحدى الصخور المطلة على الوادي ويمكن الوصول إليها بعد تسلق الصخرة كانت ملجأ لملوك البربر خلال الفترة الرومانية البيزنطية ومنهم الملك يابداس. لكن وعلى الرغم من قيمتها التاريخية أصبح ما تبقى من هذه المقابر اليوم مهددا بالاندثار بفعل عوامل طبيعية وبشرية متعددة وحتى الجمعية التي أنشئت في سنة 2003 للدفاع والمحافظة على هذا الكنز الأثري تواجهها العديد من الصعوبات وهي التي تسعى إلى المحافظة على إيشوقان والتعريف بها . فإيشوقان التي صمدت لمئات السنين هي الآن تنتظر كغيرها من المواقع الأثرية التي تزخر بها ولاية باتنة كزانة و طبنة لفتة من المختصين ومشاريع تنفض عنها الغبار لأنها تعد بحق جزءا من تاريخ المنطقة و الإنسان.