قبل أن ينتهي إضراب عمال التربية إلى تلك النتيجة التي يعرفها الجميع، كان الكل يتكلم عن شبح السنة البيضاء الذي من شأنه أن يخلط كل الحسابات وتساوى فيه الذي درس مع الذي غاب ويخسر كل تلميذ وطالب سنة من حياته··· غير أنه لفت انتباهي في جريدتكم الموقرة عنوان ''ملامح سنة سوداء'' بدلا من السنة البيضاء، وبعد أن أجبر المعلمون والأساتذة على العودة إلى العمل بتلك الطريقة المهينة، أيقنت بالفعل أننا أمام سنة سوداء بل أمام مستقبل أسود قاتم سيلّون مستقبل مدرستنا بلونه إلى أجل غير مسمى، طالما أن السياسة المنتهجة تجاه هذا القطاع الحساس هي التي طبقت أخيرا· ليعذرني الجميع على التشبيهات التي سأطلقها على المشهد، فهي مستمدة من ثقافتنا الشعبية التي تسمي الأشياء بمسمياتها بدون لف ولا دوران، وعندما شاهدت تفاصيل الصراع بين عمال القطاع والوزارة الوصية ومآله، سيطر على تفكيري مثل شعبي سمعته وأنا صغير وكدت أنساه في خضم مشاكل الحياة ومشاغلها، والمثل يقول: ''إذا تغالبوا الأفيال فالخاسر هو الحشيش'' ويشبهه مثل آخر سمعته من صديقي مؤخرا يقول: ''إذا تصاكوا البغال تجي في راس الجحش''، وإن كان بغال الصراع معروفون وهم ممثلو نقابات التربية والمسؤولون في الوزارة الوصية على القطاع، فإن الجحش المسكين الذي ''جات فيه الضربة'' والحشيش الذي خسر المواجهة في كل الأحوال هو التلميذ المسكين الذي بقي طويلا معلقا لا هو في عطلة ليستريح ولا هو في دراسة ليستعد لها ويتنافس مع المتنافسين، وعندما انتهى الإضراب وجد نفسه مضطرا لتدارك الكثير من الدروس التي فاتته وحدث له مثل ما يحدث للاعب الذي بقي طويلا خارج المنافسة ويؤثر ذلك كثيرا على مستواه الفني وعلى قوته الفيزيائية، وعندما يجد نفسه في هذه الحال تزداد معاناته النفسية أكثر فأكثر، وقد يفقد الثقة في إمكانياته كثيرا ويستسلم للكسل واللامبالاة· والكارثة الكبرى تكمن في كيفية عودة الأساتذة والمعلمين من الإضراب وهم يشعرون بذل الهزيمة ولم يحققوا أهدافهم إطلاقا، بل خسر الكثير منهم بعضا من أجره نتيجة غيابه عن العمل، فكيف يكون المربي في هذه الحالة النفسية وكيف يبعث الأمل في نفوس تلاميذه وفاقد الشيء لا يعطيه كما نعرف· ونحن الآن نقضي سنة دراسية سوداء بكل المقاييس، سنة سوداء على التلاميذ المطالب بعضهم بالتحصيل الجيد استعدادا لامتحان البكالوريا الذي تم تقديمه قبل موعد نهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا والوقت يمر على حساب راحتهم النفسية ولا أمل في الأفق، وسنة سوداء على المعلمين والأساتذة الذين خسروا بالفعل معركة مصيرية في سبيل تحسين أوضاعهم الاجتماعية حتى لا يضطر الكثير منهم إلى امتهان وظائف إضافية حتى يتمكن من مواجهة غلاء المعيشة بكل كرامة، ولا ندري إن كان الوزير الوصي على القطاع سعيدا بهذه النتيجة التي لم تكن في صالح المعلم ولا في صالح التلميذ وستكون حتما على حساب المستوى، والإصلاحات التي دامت سنين طويلة لا يمكن أن تؤتي ثمارها بهذه النتيجة، ومهما يكن فإن الخاسر الأكبر هو الجحش المسكين الذي وجد نفسه يدفع ضريبة صراع البغال·