تحدث، حكيم صالحي، في هذا الحوار عن الطبوع الغنائية المتنوعة التي تتوفر عليها المناطق الجزائرية، وكشف أنه فخور بأدائه كل من الطابع الوهراني والصحراوي والأوراسي، كما أكد أن مقياس نجاح الفنان حين يسلط الضوء على الظواهر والآفات الاجتماعية داخل مجتمعه، ويرجع ذلك إلى أن الوسيلة الأنجح للتغير داخل المجتمع تتم بالتواصل غير المباشر مع الشباب من خلال تقديم رسائل غنائية ·· وتحدث أيضا عن الكباريهات في إطلاق الفنانين العنان لأصواتهم وكلماتهم وإيقاعاتهم، في حين يؤكد أن الكباريهات تبقى المنظار الأسود الذي ينظر إليه الجميع· حكيم صالحي، فنان فرض نفسه في الساحة الفنية الجزائرية من خلال أغانيه التي تركت صدى كبيرا لدى عشاقه، كيف ترى وضعية الأغنية الجزائرية بعد ظهور نخبة كبيرة من الفنانين الجدد؟ إن الحديث عن الأغنية الجزائرية يقودنا للحديث عن الغنى الكبير الذي يتمتع به التراث الجزائري، ويتجسد ذلك من خلال التجانس الذي تتوفر عليه الجزائر بطبوعها وتنوع إيقاعاتها، ثم إن المتمعن في الموسيقى الجزائرية يكتشف مدى جمالها مقارنة ببقية البلدان الأخرى، فمثلا إذا سافرنا إلى الغرب الجزائري نجد الأغنية الوهرانية الأصيلة وحدها تشكل لوحة متناسقة الألوان، ويتجلى ذلك من خلال أعمدة الراي كالفنان بلاوي الهواري والمرحوم أحمد وهبي، أما إذا حططنا الرحال بالشرق الجزائري، نجد الأغنية الأوراسية ذات الصيحة الجبلية حاضرة بقوة، فصوت عيسى الجرموني مثلا لوحده يمكن أن يمثل مدرسة ذات طابع خاص· أما إذا في الأغنية العاصمية فنجد تلك الرفعة والمستوى الراقي الذي تتمتع به، وإذا غيرنا الوجهة إلى الجنوب نكتشف طابعا آخرا للأغنية الجزائرية، وأعتقد أن هذا الثراء الذي تزخر به الأغنية الجزائرية يؤهلها لأن تحتل المراتب الأول محليا أو عالميا، غير أن ما يمكن قوله هو أن الأغنية الجزائرية أصبحت في السنوات الأخيرة تتعرض لعملية القرصنة، وأجد في ذلك سببا حقيقيا لتراجعها، والمتضرر الوحيد هنا هو الفنان الذي يجد نفسه يبدع داخل متاهات، ويتم ذلك كله في غياب الرقابة· بعد فترة طويلة من إصدار ألبوم ''أنا قيس وانت ليلى'' وأغنية ''صحراوي'' قمت مؤخرا بإصدار ألبوم ''سيبلة''، لماذا هذه المدة الطويلة بين الألبومات؟ هل ذلك من اختيارك أم هناك أسباب أخرى ؟ إن المقياس الأول لإثبات نجاح الفنان هو المدة التي يختارها بين ألبوم وآخر، والسبب في ذلك يرجع إلى كون الفنان المتميز يبذل مجهودات في اختيار القصائد والكلمات المناسبة لألبومه، فمثلا أنا قبل أن أفكر في أداء أي أغنية أقوم بدراسة الحالة الاجتماعية التي سأتطرق إليها من كل الجوانب، ثم أعمل على تشريح الوضع وأسبابه لأقدم في الأخير البديل والحلول المناسبة، وأعتقد أن هذا البحث والدراسة، إذا صح القول، تقودني لاستغراق أكبر وقت، وبالتالي لا يناسبني أن أصدر كل شهر ألبوم غنائي، ثم إنني فخور بنجاح كل الأغاني التي أديتها سابقا، فمثلا أغنية ''أنا قيس'' وأغنية ''صحراوي'' أحدثتا ضجة كبيرة حيث وراح يرددها الصغير قبل الكبير، كما بقي وجودها في الساحة الغنائية فترة طويلة أهلها أن تبقى لمدة أطول في ذاكرة جمهوري، وذلك يشرفني· سمعنا أنك تحضر ألبوم غنائي جديد، وأنك تناولت ظاهرة المخدرات، هل بإمكانك أن تحدثنا عنه؟ أجل في الوقت الراهن أنا على وشك الانتهاء من الألبوم الذي يضم عدة أغاني تنوعت بين موسيقى الراي والصحراوي والشاوي، فهي خليط موسيقي جزائري محض، تطرقت في الألبوم إلى مواضيع كثيرة منها ما يعالج الآفات الاجتماعية كالمخدرات ومنها أغاني عن الجزائر وقد خصصت حيزا كبيرا للغناء عن المغتربين الجزائريين ووضعيتهم الاجتماعية في الخارج، كما تناولت موضوع ''الحرفة'' وقمت بتسليط الضوء على النتائج السلبية التي تنجر عن وراء ذلك، وجسدته ذلك في كليب، وقد ساهم في ذلك كل من الفنانة المعروفة سماح عقلة، وفرحات بدروح وسليمة عبادة، وياسين، ودحمان والفنان إلياس القسنطيني، وفريال مشعل، وأمال إبدوزون، وما يمكن قوله أن الكليب تنوع فيه الفنانون حيث كل واحد منهم يتميز بطابعه الخاص· سبق وأن قلت أنك تطرقت إلى مواضيع نابعة من عمق المجتمع كالمخدرات والحرفة ·· هل يحاول حكيم أن يغير وجهته الغنائية من تجارية إلى إرشادية إصلاحية والمساهمة في تغيير المجتمع؟ بما أنني فنان وأملك رسالة سامية للإنسانية، فإنه من واجبي أن أتطرق لكل المشاكل الموجودة في المجتمع، ثم إن أفضل وسيلة للإتصال بالشباب هو الغناء حيث تقدم له المشكل وتعمل على تشريحه لتقدم في الأخير الحل، أما بالنسبة لموضوع المخدرات الذي تطرقت إليه في ألبومي الجديد، فقد شاهدت انتشار هذه الآفات يتوسع بشكل ملفت للإنتباه مما جعلني أحضر أغنية خاصة بها، وأعتقد أن مثل هذه المبادرات تقلص من ظاهرة انتشار تعاطي المخدرات في أوساط الشباب· بما أنك تطرقت إلى الشباب في ألبومك، كيف ترى الجيل الجديد من الفنانين الذين يؤدون الأغنية العصرية؟ والله الفنانين الجدد لا يملكون الخبرة، وليست لديهم رغبة في التعلم أكثر لأنهم أصبحوا مغرورين، فمثلا أي واحد منهم يصدر ألبوما غنائيا يتلقى الكثير من الدعم من طرف وسائل الإعلام، يعتقد أنه فنان كبير، في حين نجد الفنان الذي كرس نفسه لخدمة الفن يموت في صمت بسبب أن وسائل الإعلام تغفل عنه تماما، وعليه أدعو المسؤولين إلى أن تكريس العدالة في الفن، والغريب في الأمر أن الحصص الثقافية للتلفزيون تستضيف فنانين شباب، والفنان الذي كرس حياته للفن يجد نفسه في نفس المستوى مع الفنان الشاب، وعليه أطالب المبرمجين بالتلفزيون بأن يخصصوا حصصا أخرى خاصة بالشباب بدل أن يصاب الفنانون الكبار بإحباط، خاصة وأنهم يجدون أنفسهم في مستوى واحد مع فناني الجيل الجديد· معظم الفنانين الجزائريين متخرجين من مدرسة الكاباريهات، برأيك هل يعد الكابريه مقياسا لنجاح الفنان؟ ليس بالضرورة أن يكون الكباريه مقياسا لنجاح الفنان، فأنا ضد فكرة جعل الكازينو المنبر الوحيد لممارسة الغناء، غير أن الشيء الوحيد الذي يميز الغناء هناك هو أن الفنان يغني بطلاقة وحرية تامة بعيدا عن القيود التي تغير له كلماته وإيقاعاته، إلى جانب ذلك، فإن الكباريه يساعد الفنان على حفظ الأغاني بتلقائية وعفوية فهو يوميا يدرب نبرات صوته على الغناء، ولكن رغم كل الأصوات الجميلة التي يمتلكها مغنو الكباريهات يبقى الجميع ينظر إليهم بمنظار أسود، وعليه أؤكد أن الكباريهات ليست مدرسة أكاديمية يتخرج منها الفنانون· حكيم صالحي الفنان الوحيد الذي كان يمارس الرقص بعد الهادي شريفة، فلماذا توقفت نهائيا على الرقص؟ ولماذا لم تفكر في تأسيس مدرسة لذلك؟ بهذا السؤال أرجعتيني إلى زمن الذكريات الجميلة، بالفعل كنت الوحيد الذي تفنن في ممارسة الرقص بعد الهادي شريفة الراقص العالمي ذو الأصول الجزائرية، ثم إنني حققت خلال الثمانينيات شهرة وشعبية كبيرة، فكرت أكثر من مرة أن أؤسس مدرسة للرقص بهدف ترك جيل يواصل مسيرتي الفنية غير أنه وللأسف لم أتلق مساعدات، ورغم إمكانياتي المحدودة تجاوزت الحد وقمت بتعليم الرقص في الكثير من القاعات الرياضية، لكن ذلك باء بالفشل بسبب كما قلت نقص الإمكانيات لأنه لا يمكن أن ننجح في أي مشروع إلا إذا قمنا بتوفير إمكانياته اللازمة· متى ستقدم أغاني من ألبومك الجديد لجمهورك؟ أنا على موعد مع جمهوري اليوم بقاعة الموفار، على السابعة والنصف، وسأمتع جمهوري بعدة أغاني جميلة، وسأحمل له العديد من المفجآت وبهذه المناسبة أوجه دعوة لجميع الجزائريين وجمهوري الكريم·