قال ابن القيم: ''السلف استحبوا أن يقوي في الصحة جناح الخوف على الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء على جناح الخوف، هذه طريقة أبي سليمان وغيره· وقال: ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإذا غلب الرجاء فسد، وقال غيره: أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف، وغلبة الحب، فالمحبة هي المركب والرجاء حادٍ، والخوف سائق، والله الموصل بمنّه وكرمه· أقسام الخوف: 1 - خوف السر: وهو خوف التأله والتعبد والتقرب، وهو الذي يزجر صاحبه عن معصية من يخافه خشيةً من أن يصيبه بما شاء من فقر، أوقتل، أو غضب، أو سلب نعمة، ونحو ذلك بقدرته ومشيئته· فهذا القسم لا يجوز أن يصرف إلا الله عز وجل وصرفه له يعد من أجلّ العبادات ومن أعظم واجبات القلب، بل هو ركن من أركان العبادة، ومن خشي الله على هذا الوجه فهو مخلص موحد، ومن صرفه لغير الله فقد أشرك شركاً أكبر؛ إذ جعل لله نداً في الخوف، وذلك كحال المشركين الذين يعتقدون في آلهتهم ذلك الاعتقاد، ولهذا يخوِّفون بها أولياء الرحمن كما قال قوم هود عليه السلام الذين ذكر الله عنهم أنهم خوفوا هوداً بآلهتهم فقالوا: ''إن نقول إلا عتراك بعض آلهتنا بسوء''، وكحال عُبّاد القبور، فإنهم يخافون أصحاب القبور من الصالحين بل من الطواغيت كما يخافون الله بل أشد، ولهذا إذا توجهت على أحدهم اليمين بالله أعطالك ما شئت من الأيمان صادقاً أو كاذباً، فإذا كانت اليمين بصاحب التربة لم يقدم على اليمين إن كان كاذباً، وما ذاك إلا لأن المدفون في التراب أخوف عنده من الله· وكذا إذا أصاب أحداً منهم ظلم لم يطلب كشفه إلا من المدفونين في التراب، وإذا أراد أحدهم أن يظلم أحداً فاستعاذ المظلوم بالله لم يعذه، ولو استعاذ بصاحب التربة أو بتربته لم يقدم عليه بشيء ولم يتعرض له بالأذى· 2 - الخوف من وعيد الله: الذي توعد به العصاة وهذا من أعلى مراتب الإيمان وهو درجات ومقامات وأقسام كما مضى ذكره قبل قليل· 3 - الخوف المحرم: وهو أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير عذر إلا لخوف الناس وكحال من يفر من الزحف خوفاً من لقاء العدو فهذا خوف محرم ولكنه لا يصل إلى الشرك· 4 - الخوف الطبيعي: كالخوف من سَبُع أو عدو أو هدم أو غرق ونحو ذلك مما يخشى ضرره الظاهري فهذا لا يُذم وهو الذي ذكره الله عن موسى عليه السلام في قوله عز وجل: ''فخرج منها خائفاً يترقب''، وقوله ''فأوجس في نفسه خيفةً موسى''، ويدخل في هذا القسم الخوف الذي يسبق لقاء العدو أو يسبق إلقاء الخطب في بداية الأمر؛ فهذا خوف طبيعي ويُحمد إذا حمل صاحبه على أخذ الأهبة والاستعداد ويُذم إذا رجع به إلى الانهزام وترك الإقدام· 5 - الخوف الوهمي: كالخوف الذي ليس له سبب أصلاً أو له سبب ضعيف جداً فهذا خوف مذموم ويدخل صاحبه في وصف الجبناء وقد تعوذ النبي (صلى الله عليه وسلم) من الجبن فهو من الأخلاق الرذيلة، ولهذا كان الإيمان التام والتوكل الصحيح أعظم ما يدفع هذا النوع من الخوف ويملأ القلب شجاعةً، فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه الخوف من غير الله، وكلما ضعف إيمانه زاد وقوي خوفه من غير الله، ولهذا فإن خواص المؤمنين وأقوياءهم تنقلب المخاوف في حقهم أمناً وطمأنينة لقوة إيمانهم ولسلامة يقينهم وكمال توكلهم ''الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل· فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضل لم يمسسهم سوء''· من الأسباب التي تورث الخوف من الله عز وجل: 1 - إجلال الله وتعظيمه ومعرفة حقارة النفس· 2 - خشية التقصير في الطاعة والتقصير في المعصية· 3 - زيارة المرضى والمصابين والمقابر· 4 - تذكر أن الله شديد العقاب وإذا أخذ الله الظالم لم يفلته· 5 - تذكر الموت وما فيه· 6 - ملاحظة الله و مراقبته· 7 - تذكر الخاتمة· 8 - تدبر آيات القرآن الكريم · 9 - المحافظ على الفرائض والتزود من النوافل وملازمة الذكر· 10 - مجالسة الصالحين والاستماع لنصائحهم· ------------------------------------------------------------------------ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين قال مسيو مونته ( 1856 Montet 1927 -، أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف، من كتبه (محمد والقرآن): ''لقد صار من المحقق أن الإسلام ظافر لا محالة على غيره من الأديان التي تتنازع البلاد الصينية''· ويقول كذلك: ''إن أكثر انتشار الإسلام في إفريقيا فهو يتقدم فيها تقدمًا سريعًا وينجح نجاحًا كليًا، لأن أزر المسلمين فيها مشدود بما لهم من المكنة في الجهة الشمالية·· فلا ينازع الدين الإسلامي دين غيره لذلك يكثر عددهم وينمو الدين على الدوام''· تفقه في دينك ودنياك س: ما حكم لبس بعض النساء للعدسات اللاصقة الملوَّنة بقصد الزينة؟ كأن تلبس لباساً أخضر فتضع عدسات خضراء، وتلبس لباس أزرق فتضع عدسات زرقاء أفتونا مأجورين· ج: لا يجوز هذا إذا كان لقصد الزينة فإنه من تغيير خلق الله، ولا فائدة فيه للبصر، وربما قلل بصر العين حيث تُعَرَّضُ للعبث بها بالإلصاق وما بعده، ثم هو تقليد للغرب الكافر، ولا جمال أحسن من خلق الله· والله أعلم· إن من الشعر لحكمة إليك عنا فما تحظى بنجوانا يا غادرا قد لها عنا وقد خانا أعرضت عنا ولم تعمل بطاعتنا وجئت تبغي الرضا والوصل قد بانا بأي وجه نراك اليوم تقصدنا وطال ما كنت في الأيام تنسانا يا ناقض العهد ما في وصلنا طمع إلا لمجتهد بالجدّ قد دانا قرآننا شفاؤنا قال الله تعالى: ''إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ'' (سورة البروج الآية 11)· الله قريب مجيب قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: ''السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله'' (موطأ الإمام مالك)· السنة منهاجنا ''اللهم إنا نسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ونعوذ بك من شر هذه الريح ومن شر ما فيها ومن شر ما أرسلت به'' آمين يا قريب يا مجيب · ------------------------------------------------------------------------ لمن كان له قلب من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ''النبات والحيوان والجماد'' (تابع) 3 - حنين الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتاد حين يخطب في المسلمين أن يخطب على جذع نخلة·· وذات يوم جاءت امرأة من الأنصار وكان لها غلام يعمل نجارا، فقالت يا رسول الله إن لي غلاما نجارا ''فأمره أن يتخذ لك منبرا تخطب عليه؟ قال: بلى· فصنع له الغلام منبرا، فلما كان يوم الجمعة وقف رسول الله يخطب على المنبر الجديد المصنوع من الخشب فسمع عليه السلام جذع النخلة يئن كما يئن الصبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ''إن هذا بكى لما فقد من الذكر''· وجاءت رواية أخرى لهذه القصة في صحيح البخاري تقول: فصاحت النخلة (جذع النخلة) صياح الصبي ثم نزل صلى الله عليه وسلم فضمه إليه يئن أنين الصبي الذي يسكن· قال صلى الله عليه وسلم: ''كانت تبكي (النخلة) على ما كانت تسمع من الذكر عندها''· إذن، فحنين الجذع شوقا إلى سماع الذكر وتألما لفراق الحبيب الذي كان يخطب إليه واقفا عليه وهو جماد لا روح له ولا عقل في ظاهر الأمر· هذه معجزة بكل المقاييس تخالف ما اتفق عليه أن الجماد لا يتحرّك ولا يشعر، وفي الحقيقة فإنها كائنات تسبّح بحمد الله عز وجل، وهي من الكائنات التي لا نسمع تسبيحها، بل سمعها الأنبياء بمعجزة وآية من الله عز وجل· وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء بمعجزة كهذه لا يقدر عليها بشر مثله، ولم تؤت لأحد من البشر الذين هو منهم، فإن ذلك دليل على صدق وعظم نبوته عليه السلام· 4 - سلام الشجر وتسبيح الحصى في يديه: انحصرت الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والفاروق عمر رضي الله عنه وعثمان ذي النورين رضي الله عنه· وفي هذه القصة المعجزة عن سويد بن يزيد السلمي قال: سمعت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته، وبيّن ذلك الخبر الذي رآه فقال: كنت رجلا أتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته يوما جالسا وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست إليه، فجاء أبو بكر فسلم عليه ثم جلس عن يمين رسول الله، فجاء عمر وجلس عن يمين أبي بكر، ثم جاء عثمان فجلس عن يمين عمر، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فأخذهن في كفه فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين جذع النخل، ثم وضعهن فخرسن أي سكتن، ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين جذع النخل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثم وضعهن فخرسن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ''هذه خلافة النبوة''· فهذه معجزة عظيمة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ذات شقين أولهما: أن الحصى يسبّح في أيدي الخلفاء الراشدين· والثاني أن الخلافة فعلا انحصرت في أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وذي النورين عثمان ووصلت إلى علي رضي الله عنهم·