هدفت الدراسة الحالية إلى معرفة دلالة الفروق بين المعلمين بإمارة دبي في مستويات ظهور مؤشرات الضغط النفسي، وقد بلغ أفراد العينة 97 معلما، منهم 51 من دبي و46 من الجزائر، ولجمع البيانات تم بناء استبانة ضمت ثلاثة أبعاد رئيسية هي: الاستجابات المحددة، والعلامات والأعراض العامة، والاضطرابات الناتجة عن الضغوط، ودلت النتائج على وجود فروق جوهرية بين معلمي الجزائر ومعلمي دبي في الاستجابات الجسدية، والاستجابات النفسية، الاستجابات السلوكية، وفي الدرجة الكلية لمحور الاستجابات، وكذلك في الدرجة الكلية لمحور الأعراض، والدرجة الكلية لقائمة مؤشرات الضغط، في حين أشارت النتائج إلى عدم وجود فروق دالة بين معلمي الجزائر ومعلمي دبي في أعراض الضغط الجسدية والنفسية والسلوكية، ولا في الدرجة الكلية لمحور الاضطرابات الناتجة عن الضغوط النفسية ومكوناته الثلاث، وإجمالا فقد أشارت النتائج إلى ارتفاع مستويات الضغط النفسي لدى المعلمين في دبي بمقارنة بزملائهم في الجزائر، وفي ضوء هذه النتائج تم الخروج بعدد من التوصيات والمقترحات. الكلمات المفتاحية: الضغط النفسي، مؤشرات الضغط النفسي، الاستجابات، والعلامات والأعراض، والاضطرابات الناتجة عن الضغوط. يعد المعلم قائد العملية التعليمية وقطب الرحى فيها، فعلى عاتقه تقع مسؤولية إعداد الأجيال والمساهمة في تطور المجتمعات وتقدمها، ومثل هذه العملية كثيرة المطالب ومتعددة المتغيرات، فلا يكاد يقتصر دور المعلمين على تخطيط وإعداد عملية التدريس وتنفيذها فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الكثير من المطالب والمتغيرات، منها ما يرتبط بطبيعة العملية التربوية ومنها ما يتعلق بنظرة المجتمع إلى المهنة، في حين أن البعض الآخر يرتبط بالجوانب النفسية والشخصية للعاملين في القطاع، كما تتطلب مهنة التعليم القدرة على التعرف عن حاجات وخصائص المتعلمين النمائية، ومراعاة الفروق الفردية، والمساهمة في تشخيص مشكلاتهم النفسية وحلها (عبد الفتاح خليفات، عماد الزغول، 2003). لهذا يعتبر الباحثون الضغط النفسي هو أحد العوامل المصاحبة لعملية التعليم، فالتعليم حسب عبد محمد عساف، وهدى خالد عساف (2007) من أكثر المهن التي تسبب ضغطا نفسيا وإجهادا عصبيا وجسميا للمعلم. كما أن المعلمين والمعلمات هم من الفئات المهنية الأكثر تعرضا للضغوط، فقد تصدرت مهنة التدريس قائمة المهن الضاغطة حسب تصنيف منظمة العمل الدولية. (محمد الشبراوي 2003) والضغوط حسب قولد وروث Gold & Roth, (1994) إحدى أكثر ثلاث مهن مسببة للضغوط، كما تعد المدارس ضمن أعلى البيئات الضاغطة في المجتمع. وتعد الضغوط إحدى المشكلات الصحية التي يعاني منها المعلمون، وتوصف الضغوط النفسية كذلك بأنها ''الداء الأكاديمي الحديث'' (خولي يحي، ورنا حامد، 2001). كما اتفقت نتائج دراسات كل من ويلكنسون Wilkinson, (1998)، كول وولكر (1989)، Cole & Walker، بروان (1985)، Brown، فرنسيس Francis (1985)، (محمد الدسوقي، 1998 : 184) كرياكاو Kuriacou (1987)، ماسلاش Maslach, (1982) كرياكاو وستوكليف Kuriacou & Stocliff، (1978) (وسام بريك، 2001)، وليلت وتريك Lilt & Turk، دينهام Dunham, (1977)، عبد الفتاح خليفات وعماد الزغول (2003) على أن مهنة التدريس في أكثر المهن التي تسبب ضغطا نفسيا على المشتغلين بها. وإذا أردنا تعريف مصطلح الضغوط فإننا نجده، كما يشير وليامز Williams، إلى أنه من أكثر المصطلحات عرضة لسوء الاستخدام من قبل الباحثين، حيث غالبا ما يستخدم للتعبير عن السبب والنتيجة في آن واحد، وذلك نتيجة للخلط القائم بين العوامل المسببة للشعور بالضغط (Pressure)، وبين النتيجة وهي الشعور بالضغط (Stress) (حنان الأحمدي، 2002: 19). وبالرغم من تعدد التعريفات المتوفرة لمفهوم الضغوط، وانطلاق كل منها على أساس محدد وواضح، فإن معظمها يندرج ضمن ثلاث فئات رئيسية، هي: التعريف على المثيرات المحدثة للإثارة، والتعريف على أساس الاستجابة الصادرة بإزاء المثير، والتعريف على أساس التفاعل بين المثير والاستجابة. حيث تعرف كل من مايسة النيال وهشام إبراهيم (1997) الضغط على أنه: المثيرات والمتطلبات الخارجية للحياة أو النزاعات والأفكار الداخلية التي تطلب منا التكيف. يعرفه فونتانا وأبو سريع (1993) بأنه خاصية حياتية طبيعية لا يمكن تجنبها، يدركها الفرد من وقت لآخر نتيجة معايشته مطالب مهنته، وهو رد فعل طبيعي، عقلي أو انفعالي، ناتج عن استجابة الفرد للتوترات البيئية، الصراعات، وما شابه ذلك من مثيرات (محمد الدسوقي، 1998). ويذهب لازراوس Lazarus، (1966) إلى أن مصطلح الضغوط النفسية يجمع بين المثيرات التي يتعرض لها الفرد، مضافا إليها الاستجابة المترتبة عليها، علاوة على تقدير الفرد لمستوى الخطر، وأساليب التكيف مع الضغط، والدفاعات التي يستخدمها الفرد أثناء تعرضه لهذه المواقف (زينب محمود شقير، 2002: 3). فالضغوط هي استجابة تكيفية لدى الفرد، تختلف باختلاف خصائص الفرد، نتيجة للتفاعل مع البيئة، وتتمثل في اختلال التوازن الداخلي للجسم، مما يؤدي غالبا إلى مشكلات صحية جسمية ونفسية (حنان الأحمدي، 2002: 19). وبما أن الضغوط التي تقع على عاتق الإنسان كل يوم كثيرة ومتعددة، ولها درجات متفاوتة، فإن ردود الأفعال تتعدد تعدادا غير قليل، إذ يبدأ الضغط في التأثير على الفرد في سياق متتابع يمكن أن يصل إلى أحد طريقين: السواء واستعادة التوازن الحيوي، أو المرض والخلل المرتبط بالضغوط، وينتج عن الضغوط بعد أن تتفاعل مع شخصية الفرد ومخططه المعرفي، وخبراته السابقة، وعمره وجنسه، وظروفه العامة والخاصة، استجابات مختلفة، وقد تأخذ هذه الاستجابات ثلاثة مستويات: أولها الاستجابات المحددة، وثانيها العلامات والأعراض العامة، وثالثها اضطرابات معينة (أحمد عبد الخالق، 1998: 77). وتهدف الاستجابات المتنوعة للضغوط حسب كوكس Cox، (1980) إلى خفض مستوى الضغوط، وتنقسم إلى استجابات فسيولوجية، والتي توصف بأنها ميسرات المواجهة، واستجابات نفسية وتحتوي هذه الأخيرة على الاستجابات المعرفية والسلوكية التي توصف بأنها آليات المواجهة (Cox, 1980:63). إلا أن استمرار التعرض لهذه التغيرات يسبب خللا في وظائف الجسم المختلفة، قد يؤدي إلى ظهور علامات وأعراض لدى الفرد الذي تعرض له، وهي العلامات والأعراض العضوية والانفعالية والمعرفية والسلوكية، وتتطور هذه الأعراض في بعض الأحيان مؤدية إلى الإصابة بأمراض أكثر خطورة. وعليه فالضغط النفسي، وإن لم يكن مرضا يمهد للإصابة بكثير من الاضطرابات الصحية بجانبيها النفسي والبدني، فمن المعلوم أن هناك طائفة كبرى من الأمراض النفسية: كالقلق والاكتئاب والوساوس القهرية. تلعب الضغوط دورا أساسيا في إحداثها وتفاقم أعراضها (إبراهيم عبد الستار 2002 : 97) كما أن هناك قطاعا كبيرا من الأمراض العضوية يلعب فيها الضغط النفي الدور المهم نفسه، إذ تشير الإحصائيات الحديثة حسب بويل وإينري Powell & Enright; (1990) إلى أن 80 من أمراض العصر مثل النوبات القلبية، والقروح، وضغط الدم.. وغيرها، بدايتها الضغط النفسي (لطفي عبد الباسط إبراهيم، 1994). وقد أكدت الدراسة التي أجراها اتحاد المعلمين في شيكاغو ذلك، حيث أظهرت النتائج أن 75 من المعلمين البالغ عددهم 5500 قد عانوا من أمراض جسيمة وعقلية كنتيجة مباشرة لعلمهم، كما أن 48 من معلمي المرحلة الابتدائية البالغ عددهم 9000 أكدوا وجود مشاكل صحية لديهم نتيجة عملهم في التعليم (زيدان أحمد السرطاوي، 1997) وفي السياق نفسه، توصل فريدنبرغ Frendenberger, (1974)، إلى أن الاحتراق النفسي يظهر عادة لدى المعلمين بعد سنة من بداية العمل، حيث يتمثل في مجموعة من الأعراض التي تختلف في الدرجة من شخص لآخر، وفي مقدمة هذه الأعراض الشعور بالإحباط وخيبة الأمل، ثم يتحول إلى شعور قوي بالغضب، والإحباط والقلق، والاستتراف الانفعالي والجسماني (صلاح الدين عبود، صلاح عبدو، 2001). وتوصل كل من ماسلاش وجاكسون Maslach & Jackson, (1981) وعبد العظيم المصدر، وباسم علي أبو كويك، (2007) أنه وكنتيجة لظروف العمل، فإن كثيرا من المعلمين يجدون أن مشاعرهم واتجاهاتهم نحو أنفسهم وتلاميذهم ونحو مهنهم قد أصبحت أكثر سلبية مما كانت عليه. فقد يظهر لديهم انفعالات نفسية مختلفة مثل الغضب، القلق، قلة الحيلة، الانزعاج، أو تثبيط العزم، ومن ثم فقد يفقدون الدفاعية نحو الإنجاز في عملهم، وهؤلاء الأشخاص يوصفون بأنهم يعانون من ضغوط العمل Maslach & Jackson, (1981) ، عبد العظيم المصدر وباسم علي أبو كويك، 2007). ويذكر موفق الكبيسي (2003) أن من نتائج ضغوط العمل خلق حالة من عدم التوازن بين الفرد وقدراته وحاجاته وتوقعاته من جهة، وبين ما يطلب منه القيام به من جهة أخرى، ويشير السعادات (2005) بأن علماء النفس قرروا أن الجهد العصبي الذي يصرفه المعلم في التدريس خلال ساعة زمنية واحدة يعادل الجهد الذي يقضيه أي موظف آخر ليستغل بإحدى الوظائف الإدارية الأخرى (عبد العظيم المصدر، وباسم علي أبو كويك، 2007). يتبع