المؤتمر التاسع لجبهة التحرير الوطني وما انجر عنه من أزمة لا تزال جمراتها حمراء، والتغيير الحكومي الذي طُبع بأزمة رجال الرئيس بوتفليقة، فالجدل الذي أحدثه كتاب سعيد سعدي حول الشهيد عميروش، وما رافقه من نقاش حول تجريم الاستعمار أيضا، وانتهاء بما فاض عن ''ويكيليكس'' من أسرار عن علاقات الجزائر وتصريحات المسؤولين الكبار غير المعلنة.. كانت أهم الأحداث السياسية التي ميّزت سنة 2010في الجزائر. قال المرحوم محمد شريف مساعدية المسؤول الأسبق للأمانة الدائمة للجنة المركزية إن المناسبات الكبرى في جبهة التحرير الوطني ''يترك المناضلون فيها الريش دوما''، مشبها إياها بصراع الديكة. لكن هناك من لم ير في فعاليات المؤتمر التاسع ما كان ينسبه مساعدية إلى الجبهة في المواعيد الكبرى، فتحول بالنسبة إلى البعض، من صراع إلى انحراف للحزب عن مبادئه وخرقه لقوانينه وأدبيات النضال فيه. الأفلان من التصحيح إلى التقويم لقد خلف المؤتمر التاسع للجبهة غبارا وراءه، كان شبيها إلى حد ما ببوادر الأزمة التي عصفت بعلي بن فليس وأطاحت بزمرته في المؤتمر ''الثامن الجامع''، إذ واجه عرش بلخادم بعد المؤتمر الأخير تهديدا حقيقيا، بعد توسع رقعة الغاضبين إلى أسماء قيادية ووزراء في الحكومة مدعومة بأعضاء فاعلين من الأمانة السياسية السابقة، وصفه الموالون لبلخادم بأنه ''معارك'' تموقع من أجل استحقاقات انتخابية، لكن هذا التموقع فاق التوقعات ووصل حد تشكيل خلية أزمة تطورت بدورها إلى حركة أطلقت على نفسها ''حركة التقويم والتأصيل'' واتخذت لنفسها مقرا موازيا ومناضلين منشقين. أكثر من ذلك دعت إلى مؤتمر استثنائي ورحيل الأمين العام عبد العزيز بلخادم. وتزعم الحركة الجديدة، الوزير الهادي خالدي والوزير السابق محمد الصغير قارة. وبدأت كرة الثلج تكبر لتزيد من شقوق عصا الطاعة في الجبهة وصلت إلى حد بروز طروحات ورؤى سياسية خطيرة وكبيرة، كان أهمها أن ما يحدث في الجبهة هو عمل ممنهج لإضعافها لصالح جهات حزبية وأخرى مسؤولة في الدولة، تمهيدا للطريق أمامها مستهدفة الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو ما أسال العرق البارد لبلخادم طيلة أشهر، إلى غاية الدورة الثالثة للجنة المركزية التي اُعلن فيها بطريقة مفاجئة للجميع عن انتهاء الأزمة وتراجع التقويميين. تغيير حكومي.. أم تغيير ''رجال الرئيس''؟ في الثامن والعشرين من ماي 2010 وفي وقت كان الجزائريون معلقين أذهانهم، بنتيجة المباراة التي كانت تجمع المنتخب الوطني بنظيره الإيرلندي، نزلت أخيرا قائمة التغيير الحكومي التي سُمع عنها الكثير دون أن يرى النور. التعديل الحكومي الذي جاء هذه المرة لم يكن عاديا البتة. لقد كان بعنوان وحيد رددته ألسنة السياسة سرا وعلنا، ''تغيير من أجل إبعاد وزراء طالما كانوا محسوبين على الرئيس بوتفليقة''. لقد أضاع نور الدين يزيد زرهوني، الداخلية متوجها إلى منصب جديد ''بدون مهمة معلومة وواضحة''، نائبا للوزير الأول. ورحل شكيب خليل وزير الطاقة بعد فضيحة وصفت ''بالخليفة مكرر'' طالت شركة سوناطراك بعد اكتشاف ثغرات في تسيير صفقات كبرى. كما ضيع عبد الحميد تمار وزارة الصناعة والبرنامج الضخم الخاص ببعث الصناعة من جديد وانزوى ولم نعد نسمع عنه. سعيد سعدي.. ''شهيدان وموتة واحدة''! نجح زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في إثارة الجدل بكتابه عن الشهيد العقيد عميروش ''شهيد وموتتان''، لكن الجدل الذي دار حول الظروف والطريقة التي استشهد بها -حسب رواية سعدي- أظهر العقيد أنه يجسد شهيدين بموتة واحدة، الشهيد الأول يتمثل في النظرة الرسمية للتاريخ والشهيد الثاني يخص النظرة المستترة لشهادته. ونجح سعيد سعدي بكتابه في جر العديد من الشخصيات الوطنية والسياسية إلى النقاش ومنها الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، علي كافي الذي طعن في الحقائق التاريخية حول استشهاد عميروش الذي بقي دمه إلى غاية اليوم متفرقا بين فرنسا وإخوان له من جيش التحرير دون أن يتم الحسم نهائيا في ''شهادته المعلقة''. ولم يأت الكتاب من العدم، لقد سبق نزوله زوبعة كبيرة، جاءت هذه المرة من تحت قبة البرلمان، بسبب التشكيك الذي أطلقه نور الدين آيت حمودة عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أيضا، عن عدد الشهداء، حيث قال ''ليس هناك ما يثبت أن عددهم هو مليون ونصف مليون''، وهي الإساءة الأكبر لرموز الدولة وذاكرتها، بعد مراهقين أحيلوا على العدالة بتهمة الإساءة إلى العلم الوطني، بينما لم يتحرك أحد لمحاكمة ابن العقيد عميروش لإهانته الذاكرة الجماعية للجزائريين، بعد رفع الحصانة البرلمانية عنه. ''ويكيليكس''..الجزائر أيضا فيها أسرار! ''تسونامي ويكيليكس'' لم يأت على الساسة العرب في الشرق الأوسط والأوروبيين والأمريكيين والآسياويين لوحدهم، بل وصل سواحل البحر الأبيض المتوسط، وارتطمت أمواجه بجدران قصر المرادية وسفارتي الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا وبعض الجرائد، ووصلت نسائم وقطرات أمواج ''ويكيليكس'' إلى حد تبليل زعيم الأرسيدي سعيد سعدي الذي قالت الأسرار إنه نقل مضمون محادثة جرت بينه وبين عسكريين، إلى آذان السفير الأمريكي يكشف فيها الجنرال عن وصول الفساد إلى قمة الهرم في السلطة. كما أفشى ''ويكيليكس'' أسرار جلسة دبلوماسية علق فيها الرئيس بوتفليقة على طبيعة العلاقة الشخصية التي تجمع بينه وبين الإخوان محمد السادس ورشيد في الأسرة الملكية المغربية، كما نقل ''ويكيليكس'' أيضا بأن المعلومات التي تم جنيها في الجزائر كانت تأتي على لسان عدد من الصحفيين، وأن سفير الجزائر لدى هيئة الأممالمتحدة أعرب عن استعداده لأن يقدم خدماته لإسرائيل في مسألة نزع السلاح النووي.