''القمرة'' هي رسالة حب في زمن اللاحب·· في زمن اتخذ له الرشاش لغة والعنف والتعصب حوارا·· وأصبح فيه للخلاف والاختلاف معاني أخرى·· إنها قصة العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر ودفع فيها شعبها الغالي والنفيس قبل أن تطلع شمس السلام من جديد·· السلام الذي تحاول أطراف عديدة التشويش عليه واستغلاله في صراعاتها الشخصية، لكن شباب اليوم يرفضون الوضع وأكيد سيقفون في وجه من يخططون لذلك··· قصة المسرحية تدور وسط بيئة اجتماعية أنهكتها الحروب والمفارقات السياسية التي انعكست سلبا على المجتمع الذي أخرج مجموعة شباب رفضوا الحياة في برك الدماء واختاروا من القلم سلاحا لمجابهة الظلم بالرغم من أن المهمة صعبة وكلفتهم التخلي عن أحلامهم في العيش بما في ذلك ترك الحبيبة الفتاة الجميلة والناعمة في سبيل الحبيبة الثانية، وهي أرض الجزائر الطيبة··· وعلى الرغم من تواضع المواضيع المعالجة واضطراب البداية خاصة من الوجهة اللغوية كون الممثلين هواة وفي بداية الطريق، إلا أن مخرج المسرحية الشاب ميلاط صلاح الدين نجح مع مرور الوقت في صنع توافق فكري ونفسي بين ثالوث الزمن الحدث والشخصية، وقد تجلى ذلك في ترابطية المشاهد وحركية الممثلين فوق الخشبة، حيث استطاعوا تجسيد عدة أفكار باكتمال محدد للزمن، فما كان لخيوط الحكاية أن تحاك مكتملة في زمن واحد كالحاضر أو الماضي، وإنما تجسدت باتحاد الزمنين معا، العشرية السوداء والعهد الراهن، ومن ثم استشرافا مضمرا لزمن آخر هو المستقبل أو المسكوت عنه، وهو ذاته الزمن المأمول فيه انتظام الأمور وعودة الحياة إلى سابق عهدها، حيث كان للسلام، التعاون، الأخوة والإتحاد مكانة مرموقة وسط المجتمع بعد أن كشفت أحداث الحاضر عن أخطاء الماضي ليتحقق المستقبل··· المسرحية، وحسب أهل الاختصاص، نجحت شخوصها في صنع تركيبة دلالية قادتها إلى قلب الجمهور الذي استساغ كثيرا الموضوع المعالج، وكيف أنه فضح المؤامرات العديدة التي تعرّضت لها الجزائر، وكيف أنه استعاد تلك المشاهد ليأخذ حذره منها في الوقت الراهن اعتمد فيه المخرج على قالب التثوير الدرامي، ومن ثم البحث وسط ذلك عن البطل الذي لم يكن موجودا بين أي من شخصيات المسرحية وإنما البطل الأساسي في النص هو الزمن· بروفيل /بودسية عبد الحكيم·· نجم مسرحي في بداية الطريق هو موهبة أحب التمثيل من الصغر، فولجه وهو برعم وأراد النجاح وهو طفل، فكان له ذلك وهو شاب، إنه الممثل بودسية عبد الحكيم من فرقة مرايا الثقافة لولاية قسنطينة التحق بفرقة البليري المسرحية وسنه لم يتجاوز الثانية عشرة قبل أن يستفيد من فرصة التكوين عندما فتح له المسرح الجهوي بقسنطينة أبوابه قبل أن يمنح شرف المشاركة في مسرحية غضب العاشقين بمعية ممثلين كبار ومخرج من الوزن الثقيل يدعى حمى ملياني، الفرصة التي فتحت له مجال المشاركة في عدة أعمال أخرى، وهو طفل صغير لا يزال محسوب على والديه، وشارك في عرض ''سيد الرجالة'' قبل أن يأخذ مبادرة تأسيس جمعية ''مرايا'' رفقة العديد من أمثاله وأنجزوا مسرحية ''رسالة إنسان'' التي تحصلوا بها على أربع جوائز وطنية وأخذوا من المسرح التجريبي مجالا لتجسيد كل ما يجول في خاطر عناصر الفرقة من أفكار·· حكيم لم يكتف بالظهور على الخشبة فقط، بل اقتحم عالم السينما كذلك ووقف أمام الكاميرا في مناسبات عديدة، كما اختار أن يوسع مجالات مهاراته المسرحية، واختص في الكوريغرافيا الإضاءة والصوت، الشيء الذي ارتقى به لمستوى أفضل جعل الطلب عليه يزداد، وبموجب ذلك سجل حضوره وسط أفراد فرقة المسرح الوطني بالعاصمة، وهو يحضر حاليا لعمل سيعرض قريبا وفاز فيه بدور البطولة·· حكيم هو مثال للشاب الطموح الذي يريد النجاح، وهو هدف أكيد سيصل إليه لأنه يملك من الإرادة والعزيمة الكثير· سيراوي هاجر (ممثلة في فرقة مرايا): لدينا طاقات كثيرة·· فافسحوا لها المجال في حوار مقتضب أجرته معها ''الجزائر نيوز'' على هامش مشاركة فرقتها في منافسات المهرجان الثقافي المحلي للمسرح المحترف بعنابة، ذكرت الممثلة الصاعدة سيراوي هاجر أنه حان الوقت لمنح الفرصة للجيل الصاعد من الشباب وفتح الأبواب أمام الطاقات الهائلة من الممثلين الهواة لاستعادة مجد المسرح الجزائري من جديد وإنهاء القطيعة مع الجمهور الذي غاب طويلا، مع ضرورة التركيز في أي عرض ينتج على تشريح واقع مجتمعنا الذي يعج بالمفارقات حتى نستطيع تجاوز، ولو بشكل بسيط، موجة التناقضات التي نعيش في ظلها بداية بالتراكمات السياسية التي يحاول البعض استغلالها للعودة بنا إلى سنوات الدم، الموضوع الذي تطرقت له فرقة ''مرايا'' في عرضها ودخلت به المنافسة· أولا، حدثينا عن فرقة مرايا الثقافية··· فرقة ''مرايا'' الثقافية هي صورة للتحدي والطموح الذي يسكن قلوب ملايين الشباب الجزائري الراغب في الأحسن ويتطلع لحياة أفضل، وقد تأسست منذ سنتين فقط، وتتكون من حوالي 15 عنصرا غالبيتهم شباب وطلبة جامعيون اختاروا من المسرح والتمثيل فوق الركح وسيلة للتعبير عن أفكارهم وطموحاتهم، وقد أنتجنا العديد من المسرحيات أبرزها التي حملت عنوان ''رسالة إنسان'' التي تحصلنا بها على أربع جوائز وطنية، وفرقتنا متخصصة في الفن التجريبي وغالبية المواضيع التي مثلناها قام بإخراجها الشاب ميلاط صلاح الدين، الذي تولى مهمة تأليفها، والحمد لله نحن في الطريق الصحيح بشهادة أهل الاختصاص· عالجتم في المسرحية التي دخلتم بها المنافسة قضية تعد من الطابوهات التي نادرا ما جسدت على خشبة المسرح، ألا وهي سنين الجمر التي مرت بها الجزائر سنوات التسعينيات، كيف جاءتكم الفكرة للقيام بذلك؟ المسرحية تعالج قصة حب في زمن الرشاش والصراع بين الإسلاميين والنظام، وفكرة قيامنا بذلك هي نابعة من إيماننا القوي بأن التغيير وإحداث القطيعة مع جزء من ماضينا الأسود لن يتم إلا عن طريق الشباب والجيل الصاعد الذي يملك من القدرات الكثير ومن الطموح الشيء الهائل الذي لا محال سيتقدم بمجتمعنا نحو الأفضل وحياة يملؤها السلام، وهي الرسالة التي حاولنا إيصالها في عرض مسرحية ''القمرة'' لأننا حاليا نعيش وضعا كان في يوم من الأيام سببا في ما مرّ به بلدنا، وبالتالي اخترنا تمرير رسالة مفادها أنه لا يجب الانسياق من جديد وراء مثل هذه الأفكار، وللإقناع قمنا بتشريح سنوات العشرية السوداء، وأتمنى أن تكون رسالتنا قد وصلت· أدرجتم في المسرحية قصة ''أهل الكهف''، ما المغزى من ذلك؟ أدرجنا ذلك كي نصف الوضع الذي عاشه مجتمعنا في تلك السنوات، وكيف أن كل شخص كان منطويا على همومه واختار العزلة بعيدا عن العذاب، وصار يبحث عن الخلاص والحياة الجديدة في النور والخالية من التناقضات والبعيدة عن ظلمة الليل· تتكون الفرقة من شباب معظمهم جامعيون يزاولون دراستهم في الوقت الراهن، كيف يتم التنسيق بين الجانبين المسرح وارتباطات الجامعة؟ الحمد لله، نحن في الفرقة متعاونون وجد متفهمين، وكون معظمنا شباب وكل واحد منا يعي قدر المسؤولية الملقاة عليه، فنادرا ما نجد مشكلا في عملنا· أما فيما يتعلق بالدراسة، فنحن نحاول التوفيق بين الجانبين بالرغم من أنه في الكثير من المرات نقع في بعض الصعوبات، لكن إرادتنا ورغبتنا في الوصول والنجاح تجعلنا نذلل جميع هذه الصعاب· تشارك فرقة ''مرايا'' للمرة الثانية في المهرجان الثقافي المحلي للمسرح المحترف، ماذا يمكن أن تضيفه لكم مثل هذه التظاهرات؟ هي فرصة ثمينة ولا تعوّض، لأنها تفتح لنا مجال الاحتكاك أكثر بأهل الاختصاص والاقتراب من الاحتراف واكتساب خبرات جديدة، يضاف لذلك التقرب من الجمهور أكثر والتعرّف على ما يحب أن يشاهده، خاصة وأن مثل هذه التظاهرات تعرض فيها مسرحيات عديدة على اختلاف أنواعها، وبالتالي يمكن لنا تصحيح العديد من النقائص· كلمة أخيرة ··· الشكر الجزيل لجريدة ''الجزائر نيوز'' التي منحت لي ولفرقتي هذه الفرصة، وأتوجه بشكري الخاص لمحافظة المهرجان، وأثمّن لها العمل الذي تقوم به· أما أمنيتي في الحياة هي أن نعيش في سلام ويكون بلدنا الجزائر دائما الأحسن والأفضل· الكلمة للجمهور رفدي عز الدين (متقاعد): العرض كان جيدا، وقد استمتعت كثيرا وأنا أشاهد الطاقات الشبانية التي نجحت في تأدية أدوارها واستطاعت إيصال الرسالة التي جاءت بها المسرحية، ومن خلالها استرجعنا الذكريات الأليمة التي عشناها لسنوات قبل أن يرحلوا بنا نحو المستقبل الذي رأينا فيه الحياة الأفضل، وقد صنعها الشباب بفضل الإرادة والرغبة في التحرر من التعصب، حاملين سلاح الاتحاد، وأن لا مكان لنا غير بلدنا الجزائر· ر· عبد النور (تلميذ): القضية التي عالجتها المسرحية كانت جيدة، وقد استمتعت كثيرا وأنا أشاهدها حتى ولو أني شعرت بالخوف في بعض المشاهد، أتمنى أن أشاهد مثل هذه العروض مستقبلا، وأتمنى أيضا أن تكون دوما وليس في أوقات محددة فقط أو تقتصر على المهرجانات، كما أشكر الممثلين وأقول لهم لقد كنتم في المستوى وأتمنى لكم النجاح· ضياف حمزة (طالب): المسرحية عكست الواقع الذي مرّ به بلدنا سنوات التسعينيات، وقد نجح الممثلون الشباب في تبليغ الرسالة التي عالجوها بصيغة عميقة المعالم أثرت في كل من كان حاضرا· من جهتي، أشكر الشباب الذين نجحوا إلى حد بعيد في تمثيل أدوارهم وأتمنى لهم التوفيق مستقبلا، بينما أوجه رسالة للمسؤولين بعنابة أقول لهم فيها إننا بحاجة لمثل هذه التظاهرات، فلا تبخلوا علينا بها· جوامع وليد (طالب) ما لمسته هو روح المسؤولية والرغبة في النجاح وبلوغ الأحسن عند الممثلين الذين أظهروا مهارة عالية في تأدية الشخوص والانتقال من حالة إلى أخرى دون تحسيس المتفرج بذلك رغم أن القضية التي عالجوها كانت معقدة نوعا ما وتحتاج لتأمل عميق· من جهة أخرى، أجد أن العرض فتح للجميع حق التأويل والتخيل، وهو أمر جيد ومن شأنه أن يرغب الجمهور أكثر في العودة إلى المسرح بعد قطيعة استمرت لزمن طويل· كردي مختار (طالب) المسرحية عالجت موضوعا عشناه ونعيشه في الوقت الراهن، ألا وهو الظلم ومحاولة بعض الأطراف استغلال جميع الفرص للعودة بنا إلى سنوات الجحيم· أما الممثلين، وبالرغم من أنهم مبتدئين وهواة، إلا أنهم أدوا أدوارهم بنجاح، وهي بادرة خير على أن المشعل لن ينطفئ وهناك من الجيل الصاعد ممن هم قادرون على مواصلة المسيرة وإمتاع الجمهور بعروض استثنائية ومميزة·