وضعت فرقة الجمعية الثقافية للفنون الدرامية لأدرار، ''جلالة المتخم الثاني'' على كرسيه الفاخر قبالة جمهور مغنية، الذي حضر بقوة لخامس عرض لأيام مسرح الجنوب بمغنية، حيث سبحت المجموعة الفنية بنجاح في بحر من الخيال نجح كاتب النص في رسم ملامحه، فحاكى مشكلة علاقة المواطن البسيط بحاكمه، وما يكتنف ذلك من ضبابية وغدر وهضم للحقوق· كتب نص المسرحية بنينة عبد الكريم، وأخرجها بسودة بشير، الذي تقمص بدوره الشخصية الرئيسية ''سي العربي'' الرجل الذي بنيت عليه كل القصة· فقد اقترب العمل من مسرحية شخصية ''المهرج'' لمحمد الماغوط، والذي ركبها المسرح الجزائري في العمل الشهير ''قالوا العرب قالوا'' سنة .1984 أما المخرج فيقول أن المسرحية ''جاءت في وقتها، لأنها تعالج قضايا الشارع العربي عموما''· إذ يتهم العربي بالتعرض إلى قافلة الحاكم، وسرقة محتوياتها المتمثلة في ''الميونيز'' والكوكاكولا· موقف غريب وساخر، يوضع فيه الجمهور قبالة هذا الموضوع، الذي اختير له نوعان من الديكور والأزياء، الأول قديم يناسب زمن السلاطين، حيث يجلس الحاكم (حدادي جلول) في كرسيه الفاخر وحوله وزيريه (بامون جيلالي وبريكة محمد)، بأزيائهما الفخمة، عباءات حرير وعمائم مزخرفة·· أما السارق فهو شاب بزي عصري جدا، جينز ورداء بحري وقبعة، طويل القامة، يحسن الكلام وتزويقه، لا تبدو عليه علامات الخوف وهو يحاكم ظلما، على تهمة لم يقترفها· فلا يجد ''العربي'' حلا سوى التجادل مع الحاكم، والتناقش مع مساعديه، وخلال الحوار يشرح المتهم الأسباب التي تدفع الفرد إلى الاستيلاء على ممتلكات غيره، متهما الحاكم وحاشيته بالإسراف في اللامبالاة بشؤون الرعية، وفي غمرة الحديث يتطرق ''العربي'' إلى قضايا سياسية شائكة، إلى الفساد والرشوة، الأمية المتفشية وسوء تقييم المتعلمين، الجوع المتفشي بين الناس مقابل التبذير الفاحش· كل ذلك تم في قالب احتفالي، رقص فيه الممثلون وضربوا الدف، وتبادلوا الحديث تارة بلغة عربية مكسرة وتارة أخرى بدارجة جميلة بسبب لكنة الفرقة، التي أضفت جمالية على خطابها، وصدقا تفاعل الجمهور معه، بمن فيهم الأساتذة الحاضرين بالقاعة· كان واضحا للعيان أن النص المسرحي الذي كتبه بنينة ارتكز على شخصية واحدة وهي ''العربي''، وهو ما ألقى مسؤولية جامة على بشير بسودة، بصفته مخرجا وممثلا، وعلى غير العادة لم يكن الملك أو السلطان هو الشخصية المحورية في العمل، ولم يظهر مساعداه أقوياء في التأثير عليه، وهي النقطة التي انتقد عليها الفريق العامل، حيث وجهوا إلى الاشتغال أكثر على الشخوص الثانوية· بينما ذهب المسرحي علي عبدون إلى أبعد من ذلك حينما وصف العرض ب ''المونولوج'' نافيا أن يكون ''جلالة المتخم الثاني'' عملا مسرحيا جماعيا· منذ البدء كانت المسرحية ساخرة متهكمة على الواقع بكل أشكاله وصفاته، وهو ما يبرر استعمال عالمين متعارضين في الزمن ولكنهما متشابهين في صفات الظلم واللامساواة· فقد استعملت الفرقة خيالها في حده البعيد، ومنحت لنفسها حرية التفكير ثم التعبير عما يدور في الممالك والدول وفي كل مكان، عندما يزداد الغني غنى، ويزداد الفقير فقرا وجوعا وحرمانا· وهو الخيال الذي ثمنه الناقد كمال بن ديمراد في قوله: ''ذكرني العمل برؤية كاتب ياسين وتعامله مع شخصية السلطان، أعجبني الطابع الهزلي''، مضيفا: ''كانت هناك ثروة في الفرقة، لكنهم لم يجيدوا التنسيق والتفاعل فيما بينهم''، واضعا إصبعه على المشكل الذي تعاني منه كل الفرق الهاوية المشاركة في أيام الجنوب، وهو تبدد طاقاتهم فوق الخشبة، وسوء تسييرها فنيا وجسديا وعاطفيا أيضا، إلا أن أجمل شيء في المسرحية، حسب بن ديمراد، هو ''الحرية''·