لم يكن تقرير صحيفة ''افتونبلاديت'' السويدية حول قتل الفلسطينيين أثناء الانتفاضة الأولى واستعراضه لقضية مقتل الشاب بلال غانم من بلدة أماتين غرب نابلس بالضفة الغربية سوى واحدة من مئات، بل آلاف القضايا المشابهة لشبان فلسطينيين تم اغتيالهم على أيدي القوات الإسرائيلية الخاصة أو حتى أفراد حرس الحدود أو الجيش الإسرائيلي ذاته بمناطق بالضفة الغربية وقطاع غزة أبان الانتفاضة الأولى بالتحديد· ولعل هذا يترافق مع الحملة الوهمية التي أعلنها وزير الصحة الإسرائيلي في ذلك الوقت يهود أولمرت في صيف ,1992 عندما أعلن عن حملة كبيرة وهمية للحصول على تشجيع الإسرائيليين على التبرع بالأعضاء، وتم توزيع نصف مليون كراسة على الصحف المحلية، تضمنت دعوة المواطنين إلى التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم، وكان أولمرت أول من وقع على بطاقة التبرع، وفي رأيي كانت هذه الحملة عبارة عن التغطية الحقيقية لعملية السرقة وتسهيل عمل الشبكة الكبيرة التي كان ضحيتها المئات من الشبان الفلسطينيين· بالفعل، حدثت السرقة خلال الانتفاضة الأولى عندما كانت القوات الإسرائيلية تغتال راشقي الحجارة والنشطاء الفلسطينيين بقصد، ولا تسمح لأي من سيارات الإسعاف العربية بالوصول لنقلهم إلى المشافي العربية، بل كانوا يستخدمون عرباتهم المصفحة وجيباتهم والوجهة غالبا ما تكون إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية التي يحددها الجيش الإسرائيلي مسبقا، هناك يتم نزع الأعضاء السليمة من قبل أطباء في الجيش الإسرائيلي وأطباء من داخل المستشفى المقصود يتم شراؤهم مقابل أموال تدفع لهم من قبل التاجر الكبير، وهنا يكون دور الجندي الإسرائيلي في الميدان اصطياد الضحية وقتلها وجلبها وتسهيل وصولها وإحضارها بالسيارات العسكرية إلى المشرحة التي تتم فيها العملية· وهذا دليل آخر غير قضية الشاب بلال غانم، ففي صيف العام ,1992 وبالتحديد في السابع والعشرين من شهر جويلية ما يقارب الساعة الخامسة مساء كان للشهيد نور الدين العقاد بعض النشاط في منطقة سكناه بخان يونس، حيث كان في مهمة إعلامية للقيادة الوطنية الموحدة للإعلان عن فعاليات الانتفاضة على أسوار مسجد الكتيبة (أحمد الشقيري) برفقة عمه الأصغر، وما كاد يبدأ بالكتابة على جدار المسجد، حتى أغلقت الشارع سيارتان مدنيان وترجل منها أربعة أفراد من القوات الخاصة وكانت سيارات حرس الحدود بنفس المكان وأخذوا بإطلاق النار، هرب الشهيد وعمه باتجاه بيوت المخيم وألقي القبض على عمه، ولكن الشهيد اتجه إلى أحد البيوت ليحتمي بها، وليس للبيوت عندهم حرمة، فلاحقوه داخل البيت وأطلقوا عليه الرصاص واستشهد على الفور، وهذا بشهادة أصحاب البيت نفسه، حيت قال الجنود إنه قد فارق الحياة ولكنهم حملوه بسيارتهم العسكرية وغادروا المكان وتم اعتقال الشاب الآخر· لم ينقل الشاب ''نور'' إلى المستشفى فورا، ولم يتم نقلة بسيارة إسعاف ولكن بسيارة الجيب العسكرية الإسرائيلية وإلى مقر القيادة الإسرائيلية بخان يونس ومن هناك تم نقل الشاب إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية ولم يتم تسليمه لأهله لدفنه في نفس اليوم، ولم يتم الاتصال لغرض الدفن إلا بعد ثلاثة أيام، وعند منتصف الليل ومنع التجول واشترط حضور عشرة أشخاص من عائلته، وكنت أنا من بين الذين ذهبوا للدفن، وقبل الصلاة عليه أمام مرأى الجنود الإسرائيليين أردنا أن نغير الكيس البلاستيكي الأسود إلى الكفن العادي الذي جلبناه معنا، والمفاجأة رأيت الشاب مخاطا بشكل عشوائي من الحلق وحتى آخر البطن وبطنه كأنها فارغة لا يوجد بها شيء· والغريب أن الخياطة كانت بشكل طولي لم تتعمد مداخل الرصاص ولم تتعمد البحث عن أسباب الوفاة أو التشريح· إن ما يعرضه تقرير الصحفي السويدي دونا لد بوستروم عن قصة استشهاد الشاب بلال أحمد غانم واحتمالية سرقة أعضائه الداخلية هي نفس قصة الشاب نور الدين ونفس مئات القصص لشبان الانتفاضة وكافة الشهداء الذين يلقي القبض عليهم بعد استشهادهم، وهذا يعني أن الجريمة الإسرائيلية بدأت بالفعل عام 1992 وتكررت في أكثر من حادثة وأكثر من موقف، خاصة وأن الأسلوب الذي كان يتبع هو نفسه في كل مرة ولا حق للفلسطينيين الكشف عن جثث أبنائهم من قبل لجان طبية فلسطينية عند تسلمها، لأن الجنود الإسرائيليين في الميدان هم مشاركون فعليين لمسؤولين بوزارة الصحة الإسرائيلية وأطباء بالمستشفيات تدير هذه العملية لصالح التاجر الكبير الذي يعتقد أنه الحاخام اليهودي روزنباوم الذي اعتقل في قضية الفساد الكبرى المتشابكة بمدينة نيوجرسي الأمريكية بما فيها تجارة الأعضاء وشرائها من السوق السوداء بإسرائيل·