تعيش الأندية المحترفة المنتمية إلى القسمين الأول والثاني على وقع أزمات مادية حادة، بفعل نقص الأموال وانعدام مصادر دائمة ومحترفة تمكنها من ضمان سيولة مالية في خزائنها التي تتأثر خلال مشوار المنافسة الكروية· وأمام انسداد الأوضاع وغياب الحلول الموضوعية والتسييرية لما تعانيه الأندية، لجأ لاعبو بعض الأندية إلى الدخول في إضرابات أبرزها ذلك الذي عاشه نادي شباب بلوزداد مؤخرا، منذ أسابيع عندما قرر لاعبوه مقاطعة التدريبات والتهديد بعدم الانتقال إلى قسنطينة لإجراء اللقاء ضد الفريق المحلي شباب قسنطينة، وهو التهديد الذي جسده اللاعبون عندما امتنعوا عن حضور التدريبات، قبل أن يتدخل مسؤولو النادي لاحتواء المشكل· ونفس السيناريو عاشه نادي مولودية وهران، ومولودية قسنطينة ومولودية الجزائر، والقائمة طويلة، ومرشحة للارتفاع خاصة والمنافسة الكروية عندنا ما تزال في منتصف الطريق· ويبدو أن التموجات والاضطرابات التي تعرفها أنديتنا اليوم لم تعد تشكل حدثا كرويا بارزا في المشهد طالما أنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من الديكور العام إلى حد بات من غير المعقول أن يمر موسم كروي دون أن تحدث مثل هذه الأزمات المالية داخل أنديتنا، بل وأصبحت مع مرور الوقت أحد التوابل التي لا يمكن الاستغناء عنها، طالما أن جل الأندية تعيش حلقاتها منذ بداية الموسم إلى غاية نهايته، وفق معطيات معروفة ومكشوفة في العلن، حيث تنطلق الأزمة مع بداية الاستقدامات التي تقوم بها الأندية خلال فترة توقف النشاط الكروي إذ يصرف رؤساء الأندية أموالا طائلة من أجل التعاقد مع اللاعبين الجدد بطريقة تهورية لا تعتمد تماما على دراسة الميزانية التي يملكها الفريق، لأن فترة ما قبل بداية المنافسة الكروية تتميز عادة بتدفق أموال يكون مصدرها السلطات المحلية وكذلك الصفقات الإشهارية التي تبرمها الأندية· واقع الأندية ومنطق الاحتراف يمكن القول أن المبالغ المالية الخيالية التي تنفقها الأندية في جلب اللاعبين من كل حدب وصوب لا ترتكز على أي مقاييس أو عقلانية، طالما أنها تتم وفق أهواء مسؤولي الأندية وتبعا كذلك للتانفس الذي يطبع عادة حركية جلب اللاعبين بين رؤساء الأندية· وإذا وضعنا في الحسبان الارتفاع الفاحش الذي شهدته سوق انتقالات اللاعبين أمكننا الوصول إلى حقيقة وهي أن دخول الأندية في أزمات مالية خانقة أمر طبيعي جدا، خاصة في ظل نقص مصادر التمويل وهو ما يفسر إلى حد كبير معاناة السواد الأعظم منها حاليا· ونحن نتحدث عن كبوة الأندية المالية، حري بنا التذكير أو الإشارة إلى القبضة الحديدية التي حدثت بين رئيس الرابطة محفوظ كرباج وبعض النوادي التي لم تسو بعد المخلفات المالية للاعبين خلال المواسم الماضية، إذ في الوقت الذي أعلنت فيه إدارة كرباج عن عدم السماح لأي فريق مدان أن ينتدب لاعبين جدد خلال فترة الميركاتو التي انتهت يوم 71 جانفي الحالي، أبدت الأندية المعنية استياءها من موقف الرابطة، بل وتحدتها عندما أعلنت هذه الأندية بأنها لا تبالي بالموضوع وهي عازمة على مواصلة انتداباتها· وهو ما خلق نوعا من الجدل العقيم بين الطرفين حتى إن كان موقف الرابطة يستمد مصداقيته من السلوكات والقوانين التي تضبط الحياة الاحترافية في عالم الكرة، إلا أن الطرف الآخر ونعني به الأندية لم يهضم هذا الأمر، وحتى لا نحمل أي طرف مسؤولية ما حدث، نقول فقط أن ما حاولت الرابطة تطبيقه يعد عين الصواب، لكن في نفس الوقت فإن تعنت الأندية ورفضها لمنطق الأشياء له ما يبرره طالما أن الوسط الكروي عندنا لا يمت بصلة إلى المفهوم الاحترافي أو الممارسة الكروية العالمية، لأننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن المشروع الذي حاولنا اقتحامه منذ حوالي سنتين، والدليل أن كل الأندية التي تنشط بما فيها تلك العريقة والكبيرة مثل وفاق سطيف، مولودية الجزائر·· إلخ، ما تزال تعيش حياة هاوية بامتياز، ولا تكترث في مد يدها شاحتة، بل وتحاول العيش بالكريدي، وهي مرحلة ربما لم تصلها خلال العشريات الماضية عندما كانت تمارس كرة هاوية بعيدا عن المنطق الاحترافي· عاشت الأندية الهاوية ثمة نقطة نراها في غاية الأهمية ونحن نتحدث عن حتمية كروية فرضت على الأندية المطالبة بمواصلة مشوارها مهما كانت الظروف والأحوال، إذ لا يعقل أن تنسحب من المشهد الكروي بحجة معاناتها المالية، في الوقت الذي ما يزال المؤيدون لفكرة تطبيق الاحترالف متمسكون بضرورة الانتقال إلى مرحلة الجدية في التعامل مع واقعنا الكروي، حتى وإن اعترف رئيس الفاف بأن مشروع الاحتراف يتطلب وقتا معينا لتطبيقه، وهو اعتراف جاء بعد أن أفرزت المعطيات حقائق مأساوية لم يكن ربما السواد الأعظم من مسؤولي كرتنا أو رؤساء أنديتنا يتوقعونها على الأقل فيما يتعلق بالمتطلبات المالية التي يفرضها منطق الاحتراف، والوضعية المزرية التي تعيشها هذه الأندية في هذا الجانب· وبلغة المنطق فإن النوادي التي تتراكم عليها الديون وتعجز حتى عن ضمان لقمة عيش لاعبيها وتنقلاتها والرواتب الشهرية لا نعتقد أنها ستدخل يوما عتبة الاحتراف وإذا حدث ذلك فلن يكون بالتأكيد في ظل التركيبة البشرية التي تتشكل منها الأندية بمسيريها، وكذلك الهياكل والإمكانات المادية التي تحوز عليها، فبدون تغيير الذهنيات وتوفير الأرضية الصالحة لزراعة بوادر الفكر الاحترافي، تبقى الأمور تراوح مكانها، كما تبقى إضرابات اللاعبين ومراوغات المسؤولين هي التي تزين معالم المشهد الكروي في بلادنا وعاشت الأندية التي تستطيع العيش على الكريدي·