قضية الأسبوع أخيرا، قرر القضاء البريطاني تسليم عبد المومن خليفة، أو محتال القرن العشرين للجزائر، بعد أشهر طويلة من الجدل، ليعتبر ذلك انتصارا للقضاء الجزائري الذي استطاع أن يقنع العدالة البريطانية التي تعد من أعقد المنظمات القضائية في العالم، وقلّما توافق على طلبات لتسليم المجرمين الذين يقيمون على أراضيها والمطلوبين من عدة دول بسبب ما تدّعيه من الخوف مما قد يتعرضون له من مضايقات في بلدانهم· وافق القضاء البريطاني، أول أمس الخميس، على تسليم الملياردير رفيق عبد المومن خليفة إلى الجزائر، بعد ثلاث سنوات كاملة من الجدل حول التسليم من عدمه، وقد تمكن ممثل الجزائر وهو عضو بالمجلس الأعلى للقضاء وأستاذ جامعي في القانون من إقناع القضاء البريطاني بالتسليم· وكان الملياردير الشاب قد غادر الجزائر نهائيا، عام 2003 أي مباشرة بعد أن وصلته معلومات عن بدء اكتشاف التجاوزات الحاصلة في البنك وشروع الفرقة المالية لأمن ولاية الجزائر بالتحقيق في القضية، كما جاء قرار المغادرة بعد توقيف ذراعه الأيمن ''جمال قليمي'' واثنين من مرافقيه وهم يتأهبون للسفر إلى باريس على متن طائرة خاصة وهم يحملون حقائب تحتوي على مليوني أورو نقدا وشيكات تعادل قيمتها الإجمالية 88 ألف أورو، وترك عبد المومن خليفة وراءه مجموعة من الشركات، تحولت إلى تنظيم عمليات بيع بالمزاد العلني، حيث لم يبقَ من أملاكها شيء، في حين أن الكثير من الأملاك قام عبد المومن بتحويلها إلى الخارج· ورغم أن المتلبسين بتهريب العملة الصعبة إلى خارج الجزائر صرحوا قبل تحويلهم أمام القضاء، بأن هذا إجراء روتيني تعودوا عليه، معتقدين أن الأمر لا يعدو أن يكون سوء تفاهم حصل مع موظفي الجمارك في تلك الليلة، فإن السلطات أصرت على أن يبقى هؤلاء الثلاثة في السجن مع إصدار أمر باستدعاء رئيس المجموعة للاستماع إليه في هذه القضية، غير أن عبد المؤمن خليفة لزم الصمت ولم يغامر بالعودة إلى الجزائر· وبالتوازي مع الشروع في الحديث عن فضائح رجل الأعمال الشاب، وابن أحد مؤسسي جهاز المخابرات الجزائرية خلال حرب التحرير، شرعت شخصيات سياسية ووسائل إعلام فرنسية النبش في مصادر أموال رجل الأعمال الذي أثار الدهشة بحجم ثروته المتزايدة وبيده الممدودة إلى كل من طلب منه ذلك، حيث تحول إلى واحد من ممولي التظاهرات الفنية والرياضية، وشارك بمبالغ مالية معتبرة ووضع طائرات شركة ''الخليفة للطيران'' التي يملكها تحت تصرف عشرات الفنانين والمشاهير في فرنسا الذين أغدق عليهم وعوّدهم على التردد على الجزائر· وبرزت ''الخليفة للطيران'' بكونها الممول الرئيسي لنادي أولمبيك مارسيليا لكرة القدم ونادي باغل للريغبي الفرنسيين، فضلا عن تكفله بتمويل جميع النوادي الجزائرية لكرة القدم بنسب متفاوتة· وأمام اشتداد الحملة الإعلامية الفرنسية عليه، قرر الشاب خليفة اللجوء إلى بريطانيا، إذ فضلا عن أنه كان يملك هناك قناة ''الخليفة الفضائية للأنباء''، فقد رأى أنه سيكون أكثر أمنا في لندن من فرنسا التي يملك فيها واحداً من أفخم القصور في نواحي سان تروبي ''جنوب فرنسا'' · وكان رئيس الحكومة أحمد أويحيى قد أعلن أن هذه المجموعة كانت مجرد حلم مزعج للجزائر، واتهم مالكها بالتعسف والاحتيال· وشرع في التحقيق في القضية ثم أحيلت القضية على العدالة، حيث نظرت فيها في محاكمة دامت شهرين ونصف بالبليدة، وأصدرت محكمة الجنايات حكما غيابيا في حقه بالسجن مدى الحياة بتهم متعددة، أبرزها الإفلاس الاحتيالي في أسوأ فضيحة فساد مالي تشهدها البلاد· وقالت القاضية في محكمة البليدة حينها، فتيحة ابريهيمي، في خلاصة الحكم الصادر بحق خليفة، إن المحكمة أدانت المتهم بالفساد واستغلال الثقة والتزوير وسلب المال عن طريق الخداع وصلته بجمعية إجرامية· وجاء الحكم على خليفة، وهو المتهم الرئيسي ضمن قائمة من المسؤولين المتورطين بانهيار أكبر مؤسسة خاصة في الجزائر عام 2003، بنفس اليوم الذي أصدرت فيه المحكمة أحكاما أخرى على مجموعة من المتهمين في القضية، فقد حكم أيضا غيابيا على عبد الوهاب كيرامان، محافظ البنك المركزي السابق، بالسجن 20 عاما لإدانته بجرائم متعلقة بانهيار بنك خليفة· كما حكم على متهم آخر غيابيا وهو ذراعه الأيمن جمال قليمي بالسجن 15 عاما وصدرت أحكام غيابية أيضا على ثلاثة آخرين لمدة عشر سنوات لكل منهم· محامية عبد المومن خليفة في تصريح ل ''الجزائر نيوز'':سنستأنف الحكم أمام المحكمة البريطانية وأجهل جهلا تاما القوانين الجزائرية أكدت، أمس، وكيلة الدفاع عن الملياردير الفار عبد المومن خليفة، المحامية ''آنا روثويل'' في تصريح ل ''الجزائر نيوز'' أنها ستستأنف الحكم الصادر ضد عبد المومن خليفة القاضي بتسليم الملياردير إلى بلده الجزائر أمام المحكمة العليا ببريطانيا خلال الأيام القلية القادمة''، مؤكدة بأنها واثقة من إسقاط الحكم القضائي البريطاني· لم تعلق كثيرا المحامية البريطانية ''آنا روثويل'' على الحكم القضائي الذي صدر في حق الملياردير الجزائري الفار والمسمى ب ''محتال القرن''، بل اكتفت بالقول إنها تثق كثيرا في العدالة البريطانية· وعن الدفوعات التي قدمتها السلطات القضائية الجزائرية وكذا المذكرة التي احتوت أكثر من 300 صفحة المرافقة لطلب التسليم، ذكرت المحامية أنها اطلعت عليها، غير أنها ناقصة بنظرها، وما تزال ''آنا روثويل'' متمسكة بدفوعات هيئة الدفاع البريطانية في حق عبد المومن خليفة، حيث أبدت تخوفها من محاكمته في الجزائر، ولما أخبرنا المحامية ''آنا روثويل'' بأن عبد المومن خليفة سيحاكم وفق قانون مكافحة الفساد المالي وتبييض الأموال في الجزائر، ردت علينا أنها لم تطلع كثيرا على القانون الجزائري، لكن موكلها متخوف من الذهاب إلى الجزائر وتعرضه للتصفية الجسدية، وهو الاعتقاد الذي يريد عبد المومن خليفة أن يقنع به القضاء البريطاني· الأستاذة والي نصيرة: خليفة سيستأنف ضد حكم غيابي في الجزائر من جهتها، أكدت الأستاذة نصيرة والي، وهي محامية رافعت أيضا في قضية الخزينة الرئيسية لبنك الخليفة، أن عبد المومن خليفة سيحاكم كمعارض ضد حكم جنائي غيابي، وله كل الضمانات لذلك· كيف تنظرين للحكم الصادر عن محكمة ويستمنستير؟ أرى أن الحكم جاء بعد عدة أشهر من الجدل وبعد أن أثار ضجة إعلامية كبيرة· هل تعتقدين أنه سيتم توفير شروط محاكمة عادلة لعبد المومن خليفة في الجزائر؟ أكيد أنه سيتم توفير شروط محاكمة عادلة وعلنية، وأن جميع المتهمين الذين أدينوا في القضية سيمثلون كشهود ولن تستغرق المحاكمة مدة طويلة، لأن المحاكمة تعتبر استئنافا في حكم قضائي غيابي، أي أن عبد المومن خليفة سيقوم بإفراغ حكم قضائي غيابي ثم سيمثل أمام القضاء· أنت واثقة من أننا سنحضر محاكمة عبد المومن خليفة إذن؟ نعم وستكون علنية ويطلع عليها الرأي العام، وستقومون بتغطيتها مثلما حدث عام 2007 مع المتهمين في قضية الخزينة الرئيسية· الخارجية البريطانية: بريطانيا سلمت الجزائر عشرة متهمين جزائريين ولم يثبت تعرضهم للتعذيب جاء، أول أمس، القرار النهائي لتسليم بعد المومن خليفة للسلطات الجزائرية، بعد سماعها لشهادة أنثوني ليندن الموظف السامي بوزارة الخارجية البريطانية، الذي أكد للقاضي ثقة الحكومة البريطانية الكاملة في النظام القضائي الجزائري وفي الضمانات التي قدمتها السلطات الجزائرية بعدم تعرض المتهم في القضية للتعذيب أو سوء المعاملة في حال تسليمه لبلده، فضلا عن ضمان محاكمة عادلة· وأكد ذات المتحدث أنه من غير المعقول القول بأن حياة الخليفة ستكون في خطر في حال عودته إلى الجزائر، مشيرا إلى أن وزارة الداخلية البريطانية سلمت الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية عشرة متهمين جزائريين، ولم يثبت أبدا أن أحدا منهم تعرض للتعذيب أو سوء المعاملة· فرنسا تحصلت على طلب التسليم لكنه تأخر بسبب الاستئناف في الحكم أوقفت الشرطة البريطانية ''السكوتلانديار'' الملياردير الهارب إلى لندن، رفيق عبد المومن خليفة في 27 مارس 2007، طبقا لمذكرة توقيف أوروبية، وبعدما تبين أنه يقيم بصورة غير شرعية ببريطانيا ومثل أمام محكمة ويستمنستير باعتباره مطلوبا أيضا لدى العدالة الفرنسية على أساس التهم الموجهة إليه والمتعلقة أساسا بإعلان الإفلاس الاحتيالي وتبييض الأموال وخيانة الأمانة في قضية ''الخليفة للطيران'' التي تعد شركة فرنسية الأصل، حيث يوجد مقرها الرئيسي بباريس، وأصدر وقتها القضاء البريطاني حكما بتسليمه إلى فرنسا في نهاية شهر أوت 2007، على أن تتم عملية تسليمه إلى السلطات الفرنسية رسميا في 25 سبتمبر 2007، لكن التسليم تأجل للنظر في الاستئناف الذي تقدم به دفاع رفيق خليفة، ثم تأجل النظر في الاستئناف أيضا لتمكين القضاء البريطاني من النظر في طلب التسليم من قبل العدالة الجزائرية· القضاء البريطاني تسلّم قرار الإحالة مترجم بالإنجليزية اعتمد القضاء البريطاني في الشق القانوني الخاص بالقضية على قرار الإحالة الذي تم بموجبه محاكمة المتهمين في الخزينة الرئيسية للبنك المنهار، وقد ترجم إلى اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى شهادات حية من المحاكمة التي تمت عام 2007 بالبليدة، واعترافات عدد من مقربيه والمتعلقة بوجه الخصوص بالسرقات التي تمت على مستوى مختلف الوكالات التابعة للبنك بأمر من عبد المومن خليفة نفسه، والتسيير الفوضوي والإهمال الذي ميز كل التحويلات بالعملة الصعبة تحت غطاء معاملات مختلفة التي كانت في واقع الأمر، حسب لائحة الاتهام، عمليات اختلاس منظمة، واستشهد المحامي الجزائري في القضية بما حصل في عمليات التحويل الخاصة بما يعرف بمحطة تحلية مياه البحر التي ستنظر فيها محكمة الجنايات لاحقا، وعدد من التجاوزات المتعلقة بالخليفة للطيران، كما تزودت العدالة البريطانية بتقرير الخبرة القضائية الذي أعد في هذا الإطار، وكذا تقرير مصفي البنك محمد باتسي· فاروق قسنطيني: القضاء البريطاني يؤكد بأن الجزائر تحترم القانون كيف تنظرون إلى قرار تسليم عبد المومن خليفة؟ أعتبر انه انتصار للعدالة الجزائرية التي تمكنت من إقناع نظيرتها البريطانية بذلك· لكن عبد المومن يصر على أنه لن تكون هناك محاكمة عادلة في الجزائر؟ إن موافقة القضاء البريطاني على تسليم خليفة ''تبين أن الجزائر تحظى بسمعة طيبة في الخارج، لأنه من المعروف أن القضاء البريطاني لا يسلم أي شخص إذا لم يكن متأكدا من أن البلد الذي يطلبه يحترم القانون''· معنى ذلك أنه في حالة تسلمه، ستتم محاكمته في البليدة؟ أكيد أنه استئناف في حكم غيابي صادر ضده لا غير·