إحتضن الفضاء الثقافي ''عيسى مسعودي'' بمقر الإذاعة الجزائرية، أول أمس، العدد الثاني من النشاط الثقافي الأسبوعي ''حبر وأوراق''، الذي يشكل مزجا بين حصة إذاعية تبث مباشرة عبر أمواج القناة الأولى، وفضاء مفتوح للجمهور لنقاش موضوع ذي صلة بالشأن الثقافي الجزائري بشكل عام. إفتتح المشرف على النشاط د.أمين الزاوي، الحلقة التي خصصت للحديث عن حصيلة المسرح الجزائري بعد خمسين سنة من الاستقلال، بالتنويه بأعمال أعلام المسرح الجزائري بداية من نشأته وصولا إلى الفترة الحالية، مقدما ضيوف الندوة الذين اعتبرهم من الأسماء المهمة في عالم المسرح .وهكذا قدم سليمان بن عيسى العائد من فرنسا، مؤخرا، مستعرضا أشهر أعماله مرورا ب ''البابور غرق''، ووصولا إلى ''الموجة ولات'' التي تعرض حاليا بقاعة سيرامايسترا إلى غاية 25 مارس، فمدير المسرح الجهوي لبجاية عمر فطموش، الكاتب والممارس المسرحي، صاحب نصوص صاحب ''رجال يا حلالف''، و''عويشة والحراز'' التي أخرجها العملاق الراحل عز الدين مجوبي، ثم احميدة عياشي المعروف لدى جمهور المسرح بمونولوج ''قدور البلاندي''، والكاتب الذي قدم للمكتبة المسرحية عديد النصوص، إضافة إلى إصداره الأخير ''نبي العصيان'' الذي حكا فيه عن تجربته المسرحية ومعايشاته لكاتب ياسين، وأخيرا د .حبيب بوخليفة الناقد والباحث وأستاذ المسرح بمعهد برج الكيفان المعروف كذلك بتجاربه الإخراجية، واشتغاله على المدونتين المسرحيتين الجزائرية والعربية. ولم يشهد تقسيم مراحل المسرح الجزائري بعد الاستقلال اختلافات كبيرة بخصوص الإطار العام، فقد ذهب بن عيسى إلى القول بأن المرحلة الأولى التي تلت الاستقلال مباشرة كانت مرحلة الاقتباس من النصوص العالمية الشهيرة، فالمرحلة الثانية التي بدأت مع عودة كاتب ياسين من فرنسا عام ,1973 العودة التي شكلت بداية إنتاج نصوص أصيلة تبنتها الفرق الهاوية المنتشرة عبر الجزائر، التي وصل عددها إلى أكثر من 150 فرقة عام ,1977 ثم مرحلة العشرية السوداء التي شهدت نوعا من الركود، وأخيرا مرحلة الألفية التي يجب -حسب بن عيسى- إعطاء الأولوية فيها، لتكوين الشباب في مختلف جزئيات العمل المسرحي. أما تقسيم فطموش، فجاء مطابقا للتقسيم الذي ساقه بن عيسى في مداخلته، وإن اختلف الوصف، فقد عدّ بدوره أربع مراحل، الأولى تمثلت في الفترة الموالية للاستقلال مباشرة، التي أطلق عليها تسمية ''مرحلة التواصل'' .الثانية مع عودة كاتب ياسين، وهي المرحلة التي أطلق عليها تسمية ''مرحلة الخطاب'' .الثالثة والتي بدا فطموش حريصا على التأكيد عليها كمرحلة مهمة هي مرحلة ''العشرية الحمراء''، التي قال بخصوصها: ''لقد أثرت بعمق بسيكولوجيا المواطن الجزائري'' .المرحلة الرابعة والأخيرة هي المرحلة الحالية، التي أطلق عليها اسم ''مرحلة جرأة الشباب''، حيث ثمّن الأعمال المقدمة من طرف الجيل الجديد للمسرح. أما عياشي، ففصل المراحل المذكورة من قبل المتدخلين السابقين، حيث اعتبر مرحلة الستينيات مرحلة للطموح في إنشاء مسرح شعبي متناغم مع الحركات التحررية السائدة في تلك الفترة، الأمر الذي جعل العروض المسرحية تحمل خطابا ثوريا .ثم المرحلة الثانية مع عودة كاتب ياسين، التي حملت -حسب عياشي- زخما مع ظهور ''المسرح شبه المستقل'' الذي حمل خطابا نقديا اجتماعيا، عكس ما كان سائدا من منتوج مسرحي يعكس التوجهات العامة للنظم السائدة حينها، وهي المرحلة التي تميزت بالكتابة الجماعية للنصوص .أما المرحلة الثالثة، فكانت مع بداية العشرية السوداء مع ظهور ''مسرح التعاونيات''، التي انتقل فيها الخطاب من الإلتزام، إلى الاشتغال على جماليات العرض، وفي الأخير المرحلة الحالية التي شهدت تميز تجارب مسرحية لم تأخذ حقها -حسب عياشي- لأنها كانت في مدن الأطراف. أما د.حبيب بوخليفة عن المرحلة الأولى التي تضمنت إنشاء بنية تحتية للممارسة المسرحية، فالمرحلة الثانية التي شكلت فيها حتمية التغيير الحر أرضية خصبة لتأسيس تجارب مسرحية خارج الأطر الرسمية، فالمرحلة الثالثة التي خرج فيها المسرح من عباءة الخطاب السياسي إلى الاشتغال على الإبداع الجمالي. هذا، وقد شهدت الأمسية نقاشات أخرى متعلقة بالجمهور المسرحي، وفضاءات العرض، وسبل خلق ديناميكية مسرحية تليق بحجم بلد كبير كالجزائر .يجدر بالذكر أن ''حبر وأوراق'' هو فضاء أسبوعي يقام كل يوم ثلاثاء على الساعة الرابعة بعد الزوال. ------------------------------------------------------------------------ قالوا: د. حبيب بوخليفة المسرح لا يمكن أن ينطلق خارج حرية التعبير. اللجوء إلى الاقتباس عجز عن الكتابة. دعم الأعمال المسرحية يجب أن يرتبط بمدى قدرة العمل على استقطاب الجمهور. هناك جمهور مناسباتي مرتبط بالمهرجانات، لكن هذا لا يكفي. احميدة عياشي الإقصاء داخل الحركة الثقافية موجود. مسرح ما بعد الاستقلال كان يحاكي السياسات الرسمية. لا يجب الانتقاص من تجارب الشباب الذين اشتغلوا في ظروف قاهرة، وإمكانيات تكاد تكون منعدمة. الفضاءات المستغلة قليلة، وعلى المسؤولين تنشيط الفضاءات الميتة. لا يمكن الحديث عن تطور فعلي للمشهد المسرحي، إذا لم تضمن برامج الدراسة في مختلف مستويات التعليم مادة تهتم بتدريس المسرح. عمر فطموش المسرح في عهد الحزب الواحد كان تحت الطلب. هناك دعم حاليا لإنتاج وتوزيع الأعمال المسرحية، لكن يجب أن يقابل هذا الدعم جرد سنوي وتقييم لمستوى العروض. الجمهور ليس عازفا عن المسرح فقط، بل عن قاعات السينما والمتاحف وكل ما له علاقة بالثقافة. يجب خلق تقاليد متابعة لدى الجمهور. سليمان بن عيسى يجب أن تكون الثقافة مختارة من طرف الشعب، لا مناسباتية، مكرسة ومفروضة عليه من طرف الرسميين. على المشتغلين على التراث أن يختاروا الأهم منه، الأهم الذي يمنحنا أرضية للانطلاق بشكل أحسن. الاقتباس صعب تماما مثل صعوبة كتابة نص. مسرح الشارع جاء كنتيجة لعدم استقطاب الهيئات المسرحية الرسمية، للمتخرجين من معاهد الفنون الدرامية.