قادني اشتغالي على عمل مسرحي جديد بعنوان ''قرين'' إلى بلدة القنادسة ببشار وفي تلك الفترة القصيرة التي قضيتها في عزلة·· تعرفت على فرقة السد التي يقودها الفنان المبدع أحسينه، وبالرغم من أن الأسلوب الذي تستعمله الفرقة هو قريب من أسلوب ناس الغيوان وجيلالة و''المشاهد'' المغربية التي خلفت وراءها أثرا عميقا في نفوس ومخايل شباب وجمهور السبعينيات، إلا أن مجموعة السد تمكنت من إضفاء صبغتها ولمستها على أسلوب ناس الغيوان إن على مستوى الشكل أو مستوى المضمون· وفيما يتعلق بهذا الأخير، فنص فرقة السد هو نص شعري مليء بالمجازات والبلاغات ومليء بالصور الشعرية القوية القريبة من الشعرية الشعبية كما يتسم نص السد بالجدية وبالنزوع نحو الخطاب الجمالي والنقدي على المستوى السياسي، وأيضا المستوى الإجتماعي· ولا تتوجه فرقة السد إلى النخبة فقط، بل تضع نصب عينيها إيصال رسالتها الفنية إلى الجمهور العريض وذلك دون السقوط في السهولة والمباشرة الخطابية والإبتذال، تتحدث السد عن رفض الظلم والحفرة والتهميش وتتحدث عن هموم وإنشغالات الشباب الراكض خلف لحظة سعادة تكاد تكون مفقودة، وعن الأم والمرأة المعشوقة والمحبوبة والمتخيلة التي بدونها تستحال عملية إنجاز العالم والحياة كلحظة خلق كلمة كلحظة تستحق أن تعاش، وعن الحب والفرح وعن الألم والأمل الفرديين والجماعيين وعن الفترة السوداء التي عاش ويلاتها الجزائريون والجزائريات· تنقلت مع فرقة السد إلى عرس أحيته في قلب أحد أحياء بلدة القنادسة واكتشفت كيف تمكنت هذه الفرقة من الإستيلاء على عقول شبان لا تتجاوز أعمارهم السادسة عشر والذين ظلوا يرددون أغاني السد إلى ساعة متقدمة من اليوم التالي، كما تنقلت رفقة فرقة السد إلى أخطر أحياء مدينة بشار (بيداندو) وهو حي عانى من الإهمال والحفرة وكان طيلة الوقت حيا يكاد يحرم دخوله على الأجانب، العديد من أبنائه لازالوا يقضون سنوات من أعمارهم في السجون بسبب العنف وتناول المخدرات، لكن فرقة السد لها في هذا الحي شبه المنبوذ والمهمش صدى كبيرا لدى هؤلاء الشباب، وما إن تناولنا العشاء وبدأت فرقة السد تقدم ريبرتوارها حتى لاحظت ذلك الإنسجام الرائع بين الفرقة والجمهور الذي كان يردد أغاني السد عن ظهر قلب وهي أغاني ملتزمة سياسيا وذات مستوى خطابي جمالي راق· وتساءلت لماذا تعجز مؤسسات الدولة عن استقطاب مثل هذا الجمهور إذا ما وضعنا بعين الإعتبار تلك الأموال الطائلة التي تنفقها الدولة؟ لماذا فرقة مغمورة على المستوى الرسمي لكن متجذرة في مجتمعها وجمهورها تتمكن أن تلعب مثل هذا الدور التثقيفي والتنويري والموفر للمتعة الجمالية؟ إن السد هي صوت من هذه الأصوات الموهوبة والمثابرة لكن للأسف لا تجد أية رعاية فعلية، ولا أي تشجيع حقيقي من قبل السلطات المحلية أو المؤسسات العمومية وتلك هي مفارقة الفعل الثقافي في الجزائر·