عرف لقاء بطولة القسم الأول الذي جرى بمدينة سعيدة بين المولودية المحلية وإتحاد العاصمة، أحداث عنف خطيرة أدت إلى إصابة 13 لاعبا من الفريق الزائر، أبرزهم العيفاوي الذي يوجد الآن تحت العناية المركزة بمستشفى مصطفى باشا، حيث منحه الطبيب الشرعي 60 يوما عجز عن العمل، فيما تراوحت فترة العجز التي منحت لبقية اللاعبين بين 15 و30 يوما· أما مسير الفريق عبد الله شرشار، فقد منحه الطبيب الشرعي 45 يوما عجز عن العمل، وهو ما يبين مدى خطورة الإصابات التي تعرّض لها فريق الإتحاد العاصمي خلال سفريته إلى مدينة سعيدة، التي انطلقت بالافتزازات التي مورست عليه منذ وصوله، وتطورت أثناء اللقاء ونهايته من خلال الاعتداءات التي تعرّض لها جل لاعبي الإتحاد· الرابطة و''الفاف'' في عين الإعصار إذا كان هناك موضوع أسال الكثير من الحبر وأخذ حيزا مهما من اهتمامات الشغوفين بلعبة كرة القدم، فهو دون أدنى شك ظاهرة العنف التي ألقت بظلالها على المشهد الكروي في بلادنا، وأخذت منعرجا مخيفا هذا الموسم· وإذا كان هناك موضوع لم يعط له القائمون على كرتنا الأهمية التي يستحقها، فهو دون شك كذلك المآسي التي تحدث أسبوعيا في مختلف ملاعبنا، وكأن الأمر مفروض علينا وما علينا إلا هضمه في صمت ودون مسؤولية· عندما نستعرض شريط الأحداث المؤسفة التي باتت ''تزيّن'' المنافسات الكروية بمختلف أنواعها ودرجاتها، ترتسم أمامنا صورة قاتمة مليئة بالمناظر والسلوكات التي جعلت من فضاءات ممارسة الكرة حلبة لإظهار شتى أنواع التجاوزات والفوضى والاعتداءات التي لم يسلم منها أي طرف بما فيها اللاعبين الذين طالتهم الظاهرة، وتسببت في إصاباتهم في هكذا مناسبة· وعندما نستمع إلى التعليقات والمواقف التي تصدر على الساخن من القائمين على الكرة الجزائرية بالفاف ومرورا بالرابطة الوطنية المحترفة وانتهاء برؤساء الأندية، فإننا لا نجد فيها أي مؤشرات لمواجهة هذه الآفة التي تهدد مستقبل الممارسة الكروية في بلادنا، لأن محتوى ومضامين ما يصرح به لا يعدو أن يكون سوى نوع من العتاب حينا والتوعد بالقضاء على الظاهرة ومحاربة المتسببين فيها· وعادة ما تصدر هذه التصريحات في أعقاب الأعمال التخريبية التي تطال هياكلنا الكروية وتهدد حياة جماهيرنا ولاعبينا وكل ما يدور في فلك الملاعب بما فيها الأبرياء الذين يتواجدون ساعة ثوران بركان العنف والفوضى داخل فضاءات اللعبة· تمخض الجبل فولد فأرا حتى لا نتعب ذاكرة القارئ بظاهرة العنف والإجراءات التي اتخذتها الهيئات الكروية من أجل الحد من تفاقمها، علينا العودة فقط إلى الأحداث الأخيرة التي عرفها لقاء إتحاد الحراش وإتحاد الجزائر، حيث أقام رئيس الرابطة الوطنية المحترفة محفوظ قرباج الدنيا ولم يقعدها من خلال تنديده الشديد بما عرفه لقاء الكأس، غير أنه تراجع عن أقواله ومواقفه بمجرد أن صدرت العقوبات من طرف لجنة التأديب التابعة، طبعا، لرابطته الموقرة، لقد صرح قرباج يومها بأنه لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن ينتقد لجنة التأديب في العقوبات التي سلطتها على إتحاد الحراش بحرمانه من اللعب فوق ميدانه ثلاث مقابلات نافذة ورابعة غير نافذة، بحجة أن اللجنة سيدة في قراراتها، وأنه لا يمكن التدخل في شؤونها، وهو بذلك أراد أن يرمي الكرة في مرمى لجنته التأديبية ويجرد شخصه من أي مسؤولية في ما يحصل في ملاعبنا من أعمال الشغب والعنف، بل وأكثر من ذلك فقد فسر البعض ما حاول الذهاب إليه بأنه نوع من الهروب إلى الأمام وعدم تحمّل مسؤوليته في ما يحصل· وفي هذا الصدد، فقد علق أحد العارفين بخبايا تسيير كرتنا والمتتبع لأحداثها من الداخل، أن قرباج كان بإمكانه فعل شيء حيال ما يحدث، وذلك من خلال حث اللجنة التأديبية التابعة لرابطته بتشديد العقوبات وعدم الاكتفاء بحرمان الأندية من اللعب أمام جماهيرها، لأنها ببساطة لم تعط النتائج المرجوة، طالما وأن ظاهرة العنف ما تزال متواصلة وبأكثر حدة· وإذا جاز لنا اختزال الإجراءات التي اتخذت لحد الآن لمكافحة عنف الملاعب يمكننا أن نطبق عليها المثل الذي يقول تمخض الجبل فولد فأرا! ما تنبأ به روراوة حدث فى إحدى خرجاته الماضية، وردا عن الأجواء المرعبة والمأساوية التي تعرفها ملاعبنا، لم يتوان الرجل القوي في ''الفاف'' محمد روراوة في تصعيد لهجته عندما قال بأن أجواء ما حدث في مقابلة بورسعيد المصرية بدأت تصل رائحتها إلى ملاعب كرتنا، في إشارة منه إلى التطورات التي وصلت إليها مظاهر العنف والفوضى والاعتداءات· وما صاحبها من ضحايا وسط الجماهير وتكسير لهياكل الملاعب وملحقاتها· اليوم، وبعد أن اقتحمت الجماهير أرضية الميدان كما حدث بالضبط بملعب بورسعيد، وهو ما يعني بلغة المنطق أن أجواء ملاعبنا ليست عباءة أحداث الملعب المصري في انتظار انتشاره عبر ملاعبنا الأخرى خلال الأسابيع القادمة، تزامنا مع بداية العد العكسي لنهاية الموسم، وما سيحمله من مفاجآت لا تخص بالضرورة الأندية المعنية بالسقوط أو اللعب على اللقب، لكن كذلك ما سيتخلل هذه اللقاءات الحاسمة من أحداث على شاكلة ملعب سعيدة· ولسنا ندري، صراحة، ماهي القراءة والتأويلات والمقارنات التي يمكن لرئيس ''الفاف'' تقديمها بعد أن وقف على حجم ما جرى بسعيدة، هل سيجد أمثلة أخرى يطلقها على ما يحدث في ملاعبنا مستقبلا· في الواقع هناك الكثير من السلبية لوحظت على ردود الفعل التي تصدر في كل مرة، كلما تكررت مظاهر العنف والاعتداءات المبرحة في حل الكرة الجزائرية وممارسيها وعشاقها! كيف ستتعامل لجنة التأديب مع أحداث سعيدة؟ كما سبق لنا وأن قلنا، فإن اجتياح الجمهور السعيدي لأرضية الميدان تشكل سابقة خطيرة في مسار ظاهرة العنف التي تعرفها ملاعبنا، فإذا كانت أعمال الشغب التي وقعت لحد الآن حدثت تحديدا في المدرجات وخارج الملاعب، فإن النقلة النوعية التي حدثت في ملعب سعيدة تعتبر الأولى من نوعها· وإذا اعتمدنا على التصريحات التي أدلى بها محفوظ قرباج، وأكد أن العقوبات ستكون قاسية، فإننا ومعنا الرأي العام الكروي، لا ندري ماذا كان يقصد رئيس الرابطة، ولماذا لم يعط المزيد من التوضيحات حول الموضوع· والأمر نفسه يمكن التذكير به، حيث أن الرئيس روراوة صرح عقب أحداث 5 جويلية بأنه لن يسمح بتكرار تلك الصور التي شاهدها، لكن بعد الذي حدث بسعيدة كيف سيتعامل روراوة مع القضية، هل سيكرر وعده ووعيده، أم سينتقل إلى الفعل المباشر، ويتخذ الإجراءات التي تمليها الوقائع والمشاهد التي وقف عليها وتأكد من خطورها الكبيرة؟!