عندما استيقظ العالم منذ أسابيع من فاجعة ملعب بورسعيد وما خلفته من ضحايا ومصابين، الكل حمد الله على أن ملاعبنا لم تصل بعد إلى هذه الدرجة من الخطورة والهلوسة الكروية التي تنتاب جماهير الكرة في بعض بقاع العالم على منوال ما حدث في بورسعيد· لكن إذا حاولنا عبثا تقفي أثر مظاهر العنف الذي انتشرت دون سابق إنذار في ملاعبنا، يمكن إحصاء بعض الحالات التي أدت إلى وفاة أنصار أبرياء ذنبهم الوحيد هو أنهم فضّلوا الانتقال إلى الملاعب ومساندة أنديتهم· ولعل المثال الحي عن الانحراف الخطير الذي بلغته أجواء اللعبة عندنا هو ما حدث قبل أشهر عندما انتهت مواجهة ''الداربي'' بين المولودية والإتحاد العاصميين، حيث توفي شاب نتيجة مشادات وقعت في المدرجات· واليوم فقد طالعنا الأخبار عن وفاة شرطي بولاية غليزان متأثرا بأزمة قلبية أصيب بها عندما كان بصدد تفريق جماهير فريقين ينشطان في القسم الجهوي الغربي، وهما نادي منداس الغليزاني وبوقيراط المستغانمي· ولئن كنا نجهل خلفيات ما جرى بغليزان، فإن الثابت أن تشنج أنصار الفريقين هو الذي أدى إلى هذه المأساة الحقيقية· ولا يمكن لأي عاقل أن يتصور مظاهر الشغب الذي وقعت هناك كانت بسبب لقاء عادي جمع بين فريقين مغمورين ينشطان في قسم جهوي ليس إلا· فقبل أسابيع أشرنا في إحدى مقالاتنا إلى ما ذهب إليه رئيس ''الفاف'' محمد روراوة، عندما اعترف بأن ملاعبنا لا تصلح لإجراء لقاءات كبيرة على منوال خرجات منتخبنا الوطني أو أنديتنا في المنافسات القارية والعالمية، وقد برر روراوة قناعته بعدم جاهزية ملاعبنا لاحتضان مثل هذه المنافسات بكون ملاعبنا غير آمنة ولا تتوافر على الشروط والمقاييس المعمول بها في العالم، وحتى إن نسي رئيس ''الفاف'' الإشارة إلى بعض العوامل الأخرى التي تساهم في جعل ملاعبنا غير آمنة مثل المشاكل والتناحرات والتراشق بالكلام الذي يصرح به بعض مسؤولي أنديتنا، وكذا الظروف غير الملائمة التي ترافق دخول الجمهور إلى الملاعق، فإن ما يمكن التذكير به هو أن جل مظاهر الفوضى والعنف والسلوكات الطائشة التي تصدر من هذه الجماهير، تجري خارج فضاءات اللعب ويكون الشارع وواجهات المحلات والسيارات وحتى الأشخاص عرضة لها، وهو ما يعني أن شرارة الغضب التي تتسبب فيها مقابلة في كرة القدم قد تتحوّل إلى أعمال شغب أخرى لا علاقة لها باللعبة، وهو ما يشكل في نظر البعض تهديدا صارخا لأرواح ذلك المواطن الذي ذهب ضحية طيش رهط من الجماهير التي تأتي على الأخضر واليابس، ولا تفرق لحظة قيامها بأعمال الشغب بين مناصر الكرة والمواطن العادي، فكم من محل تجاري تم تهديمه أو سيارة ألحقت بها أضرار بليغة أو مواطن طالته حجارة طائشة، لسبب بسيط وهو أنه كان فقط يسكن بجوار الملعب أو يشتغل هناك· وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال، ألا يحق للجهات الوصية بناء ملاعب أخرى بعيدة عن المواقع السكنية والحضرية، تحل محل تلك التي تتخذها اليوم بعض هذه الجماهير كرهائن عندها· إن الهاجس الكبير الذي يعاني منه المواطن البسيط هو كيفية القيام بحسابات تجنبه الأضرار التي تخلفها المواجهات العنيفة التي تقع في الملاعب وأجوائها، حيث يعمل هذا المواطن على الدخول باكرا إلى منزله ونقل سيارته إلى مكان بعيد، فيما يفضّل التجار غلق محلاتهم طول النهار حتى لا تتعرّض للتكسير والتهشيم· أما رجال الأمن المكلفون بمكافحة مظاهر الشغب، فهم كذلك لم تنجوا في هكذا مناسبة من مخلفات ما تقوم به جماهير الملاعب، فكم من شرطي فارق الحياة أو أصيب بجروح بليغة، ويكفي في هذا المجال الإشارة إلى ما وقع بملعب العلمة، أمس الأول، حيث تسببت أعمال الشغب في إصابة 56 شرطيا منهم واحد في حالة خطيرة، ذنبهم الوحيد أنهم حاولوا تفريق جماهير الفريقين وإعادة الأمن والطمأنينة للمواطنين والسكان والتجار· صراحة، إن الذي حدث أول أمس لأمر أعطانا اليقين بأن الأحداث التي تشهدها ملاعبنا اليوم يخيم عليها شبح أحداث بورسعيد الأخيرة، وهو ما يخافه كل مواطن جزائري·