كان العقيد هواري بومدين جالسا وحيدا تحت شجرة صفصاف شبه عارية عندما وصل أحمد بن بلة إلى منطقة البرزخ، انتبه العقيد إلى مجيء بن بلة من بعيد فقال لنفسه ''الحمد لله، ها هو قادم جديد من الحياة يخفف عني وحدتي··'' فاقترب من القادم الجديد الذي كان يبدو عليه الهدوء والحيرة العميقة، فحيّاه بصمت، لكن ما إن اقترب منه حتى قال له ''يبدو أنني أعرفك يا أيها القادم''، ''وأنا أيضا يبدو لي أنني أعرفك'' وبعد لحظات قال بومدين ''ألست سي احميمد'' وعندها أجاب بن بلة ''أنت بومدين، أليس كذلك'' ثم راحا يحضنان بعضهما البعض والدموع تسيل غزيرة من عينيهما··· ثم قال بومدين ''أعرف أنك غاضب مني، وأنني انقلبت عليك ووضعتك تحت الإقامة الجبرية دون أن أحاكمك··'' فقال بن بلة ''لا·· لم أعد غاضبا، لقد شكرت الله أنني لم استمر في الحكم·· فهذا أنجاني من كل السقطات وكل الذنوب وكل الأعمال الشنيعة التي كان الحكم سيضطرني إلى ارتكابها يا سي بومدين·· الحمد لله يا بومدين أنني لم أجد نفسي مضطرا لتصفية رفاقي المجاهدين·· وهنا قاطعه بومدين ''أرجوك يا أخي احميمد·· لا تذكرني بالماضي، إنني نادم الندم الكبير حول ما اقترفته ضد إخوتي في السلاح··· وبكل صدق أنني شعرت بالألم الدفين عندما فاجأني المرض·· وقلت لهم وأنا على فراش الموت أن يطلقوا سراحك·· فقال أحمد بن بلة ''أعرف، أعرف أنك أوصيت بإطلاق سراحي·· أعرف يا أخي أنك ندمت، لكني أشكرك على كل حال··'' وعندئذ قال بومدين ''أخبرني يا أخي احميمد، كيف تركت الجزائر·· أنا لا علم لي بما حدث ورائي منذ أن جئت إلى هنا·· هل لازالت الجزائر اشتراكية··؟! من جاء من بعدي على رأس الحكم يا أخي احميمد؟!'' فقال أحمد بن بلة ''جاء بعدك رجال كثيرون·· أول من خلفك، كان الشاذلي بن جديد، ثم محمد بوضياف، ثم علي كافي، ثم اليامين زروال، ثم عبد العزيز بوتفليقة·· فقال بومدين مستغربا·· ''كل هؤلاء؟!!''·