يكشف الأمين العام للديوان الجزائري المهني للحبوب، عن أمور وحقائق مثيرة للغاية حول ثلاثة ملفات هامة تخص سياسة الدولة في تسيير محاصيل الحبوب المنتجة محليا والمستوردة، ككشفه لوجود مافيا الحبوب التي تعيد بيع القمح للديوان بعد أن يبيعه للمطاحن، على أنه محصول جديد، كما يكشف تفاصيل جديدة عن سر عودة الجزائر لاستيراد الشعير بعد أشهر فقط من أهم أول عملية تصدير قامت بها الدولة منذ أربعين سنة في هذا المجال، التي بقيت تفاصيل صفقتها مجهولة الوجهة والقيمة المالية. وتطرقت “الجزائر نيوز" مع الأمين العام رماش عبد الوهاب أيضا، إلى ما وراء لجوء الديوان لبيع “العدس واللوبيا" في فصل الصيف الحار هذا وخلال رمضان، رغم أن إطارات من وزارة الفلاحة يرون بأن تلك الكميات المعروضة للبيع، موجهة لضبط السوق في فصل الشتاء عندما ترتفع أسعار هذين المادتين.. جدير بالذكر، أن الأمين العام رفض أن نسجل أقواله أو نصوره. سبق ل “الجزائر نيوز" أن كتبت في عددها الصادر الأحد الفارط، عن وجود رائحة فساد في صفقة تصدير الشعير، وكشفت في الموضوع عن الإجراءات التي تمت بها والقيمة المالية التي بيع بها القنطار الواحد لشركة غرانيت الفرنسية، وهي كلها تفاصيل رفضت وزارة الفلاحة والديوان المهني للحبوب عرضها للصحافة رغم أن ذلك من صميم حق الرأي العام في معرفته ولا يمنع أي شيء من كشفه، خاصة وأن عملية التصدير قد مرّ عليها اليوم قرابة الحولين. ما لا يعرفه الجزائريون عن صفقة تصدير الشعير من بين التفاصيل التي كشفها لنا الأمين العام، أن الدولة سطّرت بعد جني المحاصيل مليون قنطار أي مائة ألف طن من الشعير، إلا أن الذي حصل هو تصدير عشر الهدف المسطّر فقط، أي لم تتجاوز الكمية المصدّرة أكثر من 10 آلاف طن. المثير في القضية أن الأمين العام لديوان الحبوب، أكد لنا أنه لا يعرف قيمة الصفقة التي أبرمت بها، لكنه بالمقابل أقرّ بأن شركة غرانيت هي التي كانت مستفيدة مثلما كشفت “الجزائر نيوز"، لكن استبعد أن يكون في الصفقة وساطة تونسية ترفع الإجراءات الضريبية والجمركية عن الفرنسيين في إطار التعاون المغاربي بين الجزائر وتونس مثلما أوردنا. الأمين العام أصر على إبقاء نصف الحقيقة مخفية، إذ أكد جهله التام بقيمة الصفقة وسعر القنطار الواحد من الشعير الذي بيع به لغرانيت الفرنسية التي تعد من التجار الوسطاء في سوق الشعير والقمح الدولية، رغم أن العديد يعتقد إلى حد الساعة، بأن شعيرنا تم تصديره إلى دولة من الدول. لكن مقابل ذلك، أكد بأن الصفقة غير خاسرة بالمنطق الذي أوردته “الجزائر نيوز"، حيث كانت قد نقلت عن مصدر من الوزارة بأنه بيع بعشرة يورو للقنطار الواحد، وهو سعر أدنى حتى من السعر الذي اشترى به الديوان، ذلك الشعير عن الفلاحين الجزائريين بعد الحصاد قبل موسمين (2500 دج). ويقول الأمين العام بأن الديوان لم يخسر رغم تأكيده قطعا أن لا علم له بالقيمة وأنه “حتى لو علمت بها لن أكشفها. ويعتبر هذا الموقف الأخير بلغة الاقتصاديين مسكا لسّر السوق حيث تلتزم الجهة البائعة بعدم إعلان قيمة البيع حتى يتسنى للجهة التي اشترت أن تسوّق ما اشترته في السوق الدولية بالسعر الذي يناسبها، مع العلم أن الأسواق الدولية مهد المضاربات. لكن حسب نظرة الاقتصاديين أيضا، فإنه لا يوجد ما يمنع وزارة الفلاحة بعد مرور عامين عن صفقة التصدير، من إعلان السعر الذي بعنا به شعيرنا للفرنسيين، وهو الأمر الذي تصفه مصادر من وزارة الفلاحة بالمريب للغاية، حتى أن مصالح الوزير رشيد بن عيسى، لم تكذّب الخبر الذي نشرناه بالكشف عن السعر الحقيقي. ماذا حصل للكمية المتبقية التي لم تنجح الجزائر في تصديرها؟ إن حاجة الجزائر من الشعير 2.5 مليون قنطار سنويا، لكن مع إنتاج تجاوز كل التوقعات وفاض عن قدرة المخازن، أكد بن عيسى لمسؤوله، الوزير الأول أحمد أويحيى، أن الجزائر تحوز على مخزون لثلاث سنوات قادمة، إلا أنه بعد توقيع الوزير الأول على صفقة التصدير والتطمينات التي تلقاها، عادت الجزائر بعد أشهر فقط من استيراد المحصول ذاته.. تحددها مصادرنا في فترة ثلاثة أشهر ويمتنع الأمين العام عن حصرها لكنه يكذبها بقوله إنها أكثر من ذلك. في الباب ذاته، يكشف أمين عام الديوان في غياب المدير نورالدين كحال (كان في عطلة أثناء المقابلة)، أن سبب العودة للاستيراد كان بأمر من الوصاية “إذ كنا نمول فقط الجهات التي تحتاج فيها الماشية إلا أنه تقرر خلال الموسمين الماضيين إلى منح الشعير وفتح الاستفادة منه لجميع الموالين على اختلاف التربية الحيوانية التي يمارسونها لتنفذ الكمية المخزنة في ظرف أشهر". وبهذه البساطة يبرر الأمين العام العودة للاستيراد بعد أن أكد بن عيسى لأويحيى اكتفاء ذاتيا للجزائر من الشعير لثلاث سنوات، وهو ما تقرأ فيه المصادر التي زودتنا بهذه المعلومات سوءا لا غبار عليه في التسيير. نعم.. للقمح مافيا أيضا بالجزائر!؟ في ملف تكشفه “الجزائر نيوز" للمرة الأولى على الساحة الإعلامية، تنشط بالجزائر مافيا قد تكون قديمة، لكنها بالنسبة للرأي العام جديدة، يقول مصدرنا. ويعترف الديوان هو الآخر لأول مرة بوجودها بل يعترف أيضا باحتمال وقوع الديوان الجزائري المهني للحبوب، ضحية لها. برزت هذه المافيا منذ أن عزمت الدولة على شراء المحاصيل من القمح عن الفلاحين المحليين في خطوة لكسر الاحتكار والسيطرة على الأسعار، إذ يقوم ديوان الحبوب بعد شراء الكميات في الفترة المحددة ما بين الحصاد إلى غاية 31 أوت، ببيعها للمطاحن بعد غلق عملية الشراء. وبما أن الديوان يستورد الحبوب بما فيها القمح ويشتري الانتاج الوطني أيضا، قامت مافيا القمح بابتكار أسلوب جهنمي تبيع به المحصول أو الكمية الواحدة للديوان مرتين. كيف ذلك؟ يحدث هذا عندما يؤكد الديوان على لسان الأمين العام بأن المحولين في حاجة دائمة للتزود بالقمح، الأمر الذي يجعل مخازن الديوان والخواص في حركية دائمة، لا يستطيع الديوان احترام فترة غلق الشراء، إذ يفترض أن يبيع ديوان الحبوب، القمح بعد غلق الشراء من المنتجين، ليضمن بألا يعود إليه القمح الذي يبيعه للمطاحن بسعر مدعم من الجهة الخلفية بعد أن يبرم أحدهم صفقة مع فلاح يدعي أنه جاء ليبيع محصوله. وللأسف، هذا ما يحدث اليوم حيث يمكن أن يكون الديوان قد باع قمحا بسعر مدعم خلال فترة الشراء القانونية التي تنتهي في ال31 أوت ب 4500 دينار، ليعيد شراءها مرة أخرى عن فلاح آخر بعد إبرامه لصفقة مع المشتري الأول. ويعترف الأمين العام بذلك صراحة ويقول “لمثل هذه الممارسات وضعنا أجهزة رقابة لكننا لا نعلم ما إذا كنا قد وقعنا ضحية هذه الممارسات أم لا"، بينما يؤكد مصدرنا أن “الديوان وقع في ذلك عدة مرات ولا أحد يجرأ على كشف الأمر". ويوضح الأمين العام عبد الوهاب، ل “الجزائر نيوز" أن الديوان “سجّل محاولات من هذا القبيل قادمة من خنشلة وبسكرة وتيارت وعين مليلة"، مضيفا “الرقابة ليست مهمتنا وحدنا بل مهمة عدة أجهزة أيضا فالناقلون يفترض أن تكون معهم فواتير ووثائق تبيّن مصدر الشُحنة ووجهتها وسبب نقلها ويتبيّن مع ذلك ما إذا كان الناقل يتجه عكس المعطيات الموجودة على الوثائق أم لا وبالتالي لا يصلنا القمح الذي يباع مرتين إلا بعد أن يمر على أجهزة رقابة غير أجهزتنا"، وهو كلام واضح من حيث الجهة المعنية به. لماذا يبيعنا الديوان “العدس واللوبيا والحمص" في الصيف؟ قرّر منذ أيام ديوان الحبوب وضع كميات كبيرة من اللوبيا والحمص والعدس والأرز، وهي بقوليات معروف لدى عامة الجزائريين أنها ضئيلة الاستهلاك في فصل الحر الشديد، خاصة وأنه صادف هذا العام قلب الصيف. لماذا؟ يقول مصدرنا إن “العدس واللوبيا والحمص التي بحوزة الديوان يُفترض أن تكون موجهة لكسر أسعارها حينما تبدأ في الارتفاع في فصل الشتاء وليس عرضها للبيع في الصيف بدل تخزينها حينما يشرع المضاربون دوليا والمستوردون محليا في رفع أثمانها"، ويضيف “حتى المستوردين الخواص يتوقفون عن استيراد هذه المادة منذ شهر أفريل وتسويق فقط الكميات التي بقيت في المخازن حتى لا تصيب سلعتهم الكساد، فلماذا يفعل الديوان كمنافس وهيئة يُفترض أن تكسر الأسعار؟". الإجابة موجودة لكن هل هي مقنعة؟ يقول الأمين العام للديوان، بأنه لو لم نضع هذه الكميات الآن للبيع لوجدتموها في السوق بضعف السعر الذي هي عليه اليوم، ثم إننا نراهن على الحمص الذي يستهلكه الناس بكثرة في رمضان"، ولكننا لما طلبنا من الأمين العام تزويدنا بأرقام المبيعات لهذه المواد حتى نتأكد من كلامه قال إن “ليس من مهمة الديوان الكشف عن تلك الأرقام بل هناك جهة أكثر تخصصا في ذلك"، كما رفض الأمين العام حتى تزويدنا بمبيعات يوم واحد لتلك البقول المعروضة للبيع في نقاط التعاونيات عبر الوطن. موضحا أن بيع تلك المواد سياسة استراتيجية للديوان، وأضاف مرافقاه اللذين التقيناهما في المكتب ومكثا معنا طيلة المقابلة وهما مرواني وساخي، أن لتبرير الاستراتيجية قولهما “بعض الخواص أرادوا أن يشتروا علينا العدس واللوبيا الذي يبدو لك ولمصدرك من غير المنطقي بيعهما في الصيف حتى يبيعوه للناس بالسعر الذي أرادوه".