يقود المدرب رابح سعدان المنتخب والجزائريين عموما إلى تحقيق حلم التأهل إلى نهائيات كأس العالم بعد 24 سنة من الغياب، وبين لحظة حلم العودة ولحظة الغياب تلك، حدثت أشياء كثيرة في انتصارات قليلة وخيبات كثيرة· فيما يلي عودة للحكاية منذ ما قبل بدايتها: ملعب المنزه بشكل مدرجاته الغريب، بالعاصمة التونسية يوم السادس من أكتوبر ,1985 وبعد تأهله إلى الدور الرابع والأخير من تصفيات مونديال ميكسيكو 1986 بعد مقابلة أشبه بالحرب الأسطورية في العاصمة الزامبية لوزاكا والفوز على المنتخب المضيف القوي بفضل هدف اللاعب تاج بن ساولة، يواجه أشبال المدرب الشاب رابح سعدان المنتخب التونسي المحلي في مواجهة أجمع الكل على صعوبتها، وعندما سجل النجم التونسي عبد القادر الركباوي هدف تونس في الربع ساعة الأول، كبر حلم التونسيين في الذهاب إلى المونديال، لكن آلة لاعبي سعدان المجنونة تحركت بعد ذلك لتنهي اللقاء بفوز الجزائريين بأربعة أهداف كاملة مقابل هدف يتيم، سجلها للجزائر كل من جمال مناد ورابح ماجر وقاسي السعيد محمد، ولم تكن مقابلة العودة التي جرت بعد ذلك بأيام في ملعب 5 جويلية بالجزائر العاصمة إلا مناسبة لبداية الاحتفال بالصعود الرسمي للمونديال، ورغم ذلك أنهى ''ثعالب الصحراء'' المقابلة بثلاثة أهداف نظيفة لصالحهم، وبدأت آمال الجزائريين تكبر في رؤية منتخب بلادهم وهو يذهب بعيدا في نهائيات كأس العالم بالمكسيك بعد أشهر من ذلك، كيف لا والجزائر قبل أقل من أربع سنوات من ذلك التاريخ، والكل يعيد بلا ملل أطوار ''الفيلم السينمائي'' الذي حدث في كأس العالم 1982 عندما تفاهم الألمان والنمساويون على نتيجة مقابلتهم بفوز ألمانيا بهدف لصفر، لإبعاد الجزائر التي تمكنت من الفوز على ألمانيا بنتيجة تاريخية غير متوقعة، في أول مشاركة لها بعد تخطيها لعقبة المنتخب النيجيري ذهابا وإيابا في قسنطينة· 1980 بداية العصر الذهبي للمنتخب كان المنتخب الوطني يعيش عصره الذهبي، ويصارع على القمة الإفريقية منذ عودته القوية في نهائيات كأس إفريقيا للأمم 1980 وهزيمته القاسية في المباراة النهائية أمام المنتخب المضيف بثلاثة أهداف كاملة، وما دار من حديث عن الظروف القاسية التي أحيطت بالمباراة، ولم يتمكن المنتخب الجزائري من تحقيق الحلم الإفريقي في نهائيات كأس إفريقيا للأمم 1982 في ليبيا عندما انهزم في نصف النهائي ضد غانا، ولا حتى بالفوز بكأس إفريقيا 1984 في ساحل العاج رغم المستوى الكبير الذي ظهر به وخرج من المنافسة في نصف النهائي على يد حامل لقب تلك الدورة منتخب الكاميرون بالضربات الترجيحية· وبعد التأهل لنهائيات كأس العالم 1986 كان للمنتخب الجزائري موعد مع نهائيات كأس إفريقيا للأمم في ربيع نفس السنة بمصر، وظن الجميع أن الأمر أشبه بنزهة، وأن الكأس أو على الأقل المرور إلى النهائي ''في الجيب''، لكن المفاجأة كانت في الانتظار، انتهت مباراة الجزائر ضد المغرب بنتيجة سلبية مثلما حدث في المباراة ضد زامبيا وانهزم المنتخب بنتيجة ثلاثة أهداف لهدفين ضد الكاميرون، وكان الخروج غير المتوقع من الدور الأول بمثابة الصدمة التي لم يصدقها الكثير وظنوا بأن القوة الحقيقية للمنتخب يتم ادخارها لنهائيات كأس العالم بملعب خاليسكو بغوادالاخارا المكسيكية وانتهت أسهل المباريات بالتعادل الإيجابي ضد منتخب إيرلندا الشمالية هدفا لمثله وكان الهدف الجزائري من تسجيل اللاعب جمال زيدان، ولم يشفع العرض الجميل الذي قاده رفقاء بلومي وماجر وعصاد أمام المنتخب البرازيلي القوي وبروز النجم الشاب فضيل مغارية، وتمكن البرازيليون من إنهاء المباراة بهدف يتيم سجله كاريكا نتيجة لخطأ مجاني في الدفاع الجزائري، وانتظر الجميع مقابلة إسبانيا من أجل المرور إلى الدور الثاني، لكن المفاجأة القاتلة كانت في الانتظار وانهزم المنتخب الجزائري بثلاثة أهداف كاملة كانت بمثابة الصدمة التي أعادت الكثير إلى الواقع المأساوي الذي كانت تعاني منه الكرة الجزائرية، وتحول فجأة رابح سعدان من محبوب الجماهير إلى المتهم الأول بارتكاب تلك ''الجريمة'' وشنت ضده حملة إعلامية كبيرة، ولم يتمكن من العودة إلى الجزائر في تلك الأجواء، وقد أصبحت حياته معرضة للخطر. وفي الوقت الذي ألزم فيه سعدان الصمت، قيل بعد ذلك أن الكثير من المسؤولين النافذين كانوا يتدخلون في شؤونه وفرضوا عليه إقحام بعض اللاعبين ''المحظوظين''، ولم يعد سعدان إلى الجزائر إلا ''زائرا'' بعد أكثر من سنتين من ذلك، وتمكن من أخذ كأس إفريقيا للأندية البطلة (رابطة الأبطال لاحقا) من وهران وكان يقود الرجاء البيضاوي المغربي، وكان ذلك أول انتصار نفسي لرابح سعدان ضد من شنوا عليه تلك الحرب القاسية، ولم يتمكن المدرب السوفياتي روغوف من إعادة المنتخب الجزائري إلى سابق قوته، رغم العمل الكبير الذي قام به وقاد المنتخب إلى نهائيات كأس إفريقيا بالمغرب، ولم يتخط عقبة المنتخب النيجيري في الدور نصف النهائي عندما هزم المنتخب بالضربات الترجيحية بعد نهائية المقابلة بهدف لمثله، وجاءت مرحلة المدرب كمال لموي التي تراجع فيها مستوى المنتخب بشكل كبير وانتهت بتعثر الجزائر في مباراة الذهاب أمام مصر في ملعب 5 جويلية سنة 1989 ليعوض بالمدرب عبد الحميد كرمالي الذي لم يتمكن من تدارك الوضع في مباراة العودة وانهزمت الجزائر في القاهرة بهدف لصفر وتمكن ''الفراعنة'' من المرور إلى نهائيات كأس العالم بإيطاليا ,1990 واستمر غياب المنتخب الجزائري عن نهائيات كأس العالم منذ ذلك الوقت وكان الفوز بكأس إفريقيا 1990 بالجزائر تحت قيادة كرمالي نفسه بمثابة التعويض عن ذلك الغياب القاسي عن نهائيات كأس العالم· تتويج تاريخي يسبق زمن انحطاط ولم يكن فوز المنتخب الجزائري بكأس إفريقيا للأمم 1990 لأول مرة وآخر مرة (لحد الآن) إلا بمثابة الشجرة التي غطت على المشاكل الكبيرة التي كانت تعاني منها الكرة الجزائرية، وبعد سنتين من ذلك يخرج المنتخب الجزائري بقيادة المدرب نفسه من الدور الأول لنهائيات كأس إفريقيا بالسنغال بنتيجة قاسية وبمستوى كارثي، واستمر ''الانحطاط'' بعد ذلك عندما فشل المنتخب في الذهاب إلى نهائيات كأس العالم 1994 ولا حتى نهائيات كأس إفريقيا للأمم لنفس السنة بتونس بسبب ما عرف ساعتها ب ''فضيحة اللاعب كاروف''، وبعد سنتين من ذلك، جاءت مشاركة المنتخب في نهائيات كأس إفريقيا للأمم بجنوب إفريقيا تحت قيادة المدرب علي فرفاني، وقد خرج المنتخب من الدور ربع النهائي، وجاءت كارثة أخرى مع نهائيات كأس إفريقيا للأمم 1998 ببوركينا فاسو، وخرج لاعبو المدرب عبد الرحمن مهداوي من الدور الأول بنتائج مؤسفة، وهي السنة نفسها التي فشل فيها المنتخب في التأهل إلى نهائيات كأس العالم بفرنسا، وهو الحلم الذي أصبح صعب المنال بل هو أقرب إلى الكابوس، لكن المنتخب الذي أصبح عاجزا عن الذهاب إلى نهائيات كأس العالم، كان بمثابة العقبة التي وقفت في وجه المنتخب المصري سنة 2001 عندما فشل المصريون في العودة من عنابة بفوز يمكنهم من الذهاب إلى نهائيات كأس العالم باليابان وكوريا الجنوبية، ورفض المدرب كرمالي حينها التلاعب بالنتيجة، ومكن تعادل المنتخبين من صعود السنغال إلى النهائيات، وهي السنة نفسها التي شارك فيها المنتخب في نهائيات كأس إفريقيا للأمم بمالي ولم يتمكن من تخطي عقبة الدور الأول وبمشاركة ضعيفة، وفي الوقت الذي لم يكن الجميع يراهن على حظوظ المنتخب في نهائيات كأس إفريقيا بتونس ,2004 فاجأ لاعبو المدرب رابح سعدان الجميع رغم نقص التحضيرات بصعود الفريق إلى الدور ربع النهائي، ولم ينهزم أمام المغرب إلا في الوقت الإضافي، ولم يتمكن المنتخب من الذهاب إلى نهائيات كأس إفريقيا 2006 و2008 على التوالي، وقد توالت الهزائم وغاب المنتخب عن نهائيات كأس العالم لأكثر من عشرين سنة كاملة، ولم تعرف الأجيال الجديدة منتخبهم ينافس على ذلك، بل أصبح التأهل إلى نهائيات كأس إفريقيا نفسها بمثابة الحلم البعيد المنال، وكان المنتخب في سنين ماضية يتأهل إلى النهائيات باللاعبين الإحتياطيين· هل يعيد سعدان الشيخ الاعتبار لسعدان ''الشاب''؟ وفي زمن اليأس، يعود رابح سعدان مرة أخرى إلى المنتخب قادما من فريق وفاق سطيف الذي فاز معه بالبطولة الوطنية وبكأس العرب للأندية وقد انتزعها من الفيصلي الأردني أمام أنظار الملك عبد الله الثاني نفسه، وفي الدور الثالث والأخير من التصفيات المزدوجة لكأسي إفريقيا والعالم، حقق المنتخب انتصارات تاريخية على مصر وزامبيا وتمكن من التأهل إلى نهائي كأس إفريقيا ,2010 ويوجد في خطوة متقدمة جدا في سبيل الذهاب إلى نهائيات كأس العالم لنفس السنة بجنوب إفريقيا، ومن غرائب الصدف وعبث الأقدار أن يكون هذا الحلم الجديد بقيادة رابح سعدان الذي أصبح معبود الجماهير وملهمهم، وكان قبل 23 سنة من الآن محور سخط الجميع، وقد حملّوه مسؤولية الإخفاق في نهائي كأس العالم بالمكسيك·