“يا صغيري إنني سأحفظك أَمْنًا لك من متاعب الدنيا القريبة من الباب.. وسأحميك إلى أن تكبر وتصبح قويا بما يكفي لأن تقف بمفردك". بام براون.. كاتبة إنجليزية «الأطفال هم زينة الحياة، بل وهم ملاذُنا إلى التشبث بالحياة والأمل والمستقبل بعد الله عندما تحل بنا المآسي وتنتابنا الأحزان، أو عندما يغدر بنا الآخرون خصوصا الأصدقاء، أو لما تضيق بنا الدنيا، فحينها لا تريحنا سوى مجرد بسمة صبي صغير يحمل كل ألوان البراءة والحب الصادق والصفات الملائكية الصافية". وعندما يمرض أطفالنا أو يلحقهم بأس ما تَسْوَدُ الدنيا أمامنا وتضيق ونتمنى حينها أن نمرض نحن ليُشفى أطفالنا فلذات أكبادنا . فكيف سيكون حال أولئك الأولياء المساكين وقد اختطَفَ منهم بشر - يحملون معهم صفة الآدمية المزيفة أطفالهم من بين أيديهم أو عندما يخرجون مع أترابهم للعب أو عند الذهاب للمدرسة ثم يقدمون على اغتصابهم أو خنقهم أو ذبحهم أو المتاجرة بأعضائهم بعد أن يتنصلوا من أجلى الصفات التي كرّمنا بها المولى جلت قدرته وهي العقل والإنسانية. لقد هزت العملية البشعة التي انتهت بوجود الطفلة شيماء مقتولة وملقى بها في إحدى المقابر بولاية تيبازة مشاعر الناس في بلادي بعد أن تم اختطافها من شخص يفترض أنه جارهم الذي أوصى به نبي الهدى خيرا حتى كاد الإسلام يورثه. فقد أدْمَى هذا الفعل الإجرامي الشنيع قلوب الملايين، تماما مثلما أفجعت لاحقا عملية قتل الطفلة سندس الآباء والأمهات الذين صاروا قلقين جزعين على ما قد يحدث لأطفالهم من جرائم في أية لحظة. وأضحت العديد من العائلات الجزائرية مذعورة على فلذات أكبادها بفعل ما يقع للعديد من الأطفال في مختلف مناطق الوطن من عمليات اختطاف تصاحبها في أغلب الحالات أعمال قتل شنيعة، وتحوّلت الإشاعة في معظم الأوقات إلى كابوس قاتل مرعب أرغم عددا من الآباء والأولياء على ترك أعمالهم لمصاحبة أبنائهم إناثا وذكورا إلى المدارس خوفا من المصير الذي انتهت إليه شيماء وسندس وياسين وياسر ومئات الأطفال الآخرين الذين ترتفع حصيلة اختفائهم، ومن ثمة قتلهم كل عام، حتى بلغت حصيلة اختطاف الأطفال - حسب آخر الأرقام - 200 حالة بالنسبة للسنة الماضية، وكانت تلك الحصيلة قد وصلت إلى 500 حالة في الفترة الفاصلة ما بين 2010 ونهاية 2012، في حين تتحدث بعض الأرقام أن عمليات الاختطاف هذه تتجاوز الآن 15 حالة كل شهر، وهو رقم مذهل ومخيف يحتم علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الظاهرة الآخذة في الاستفحال.. لقد أعادت مثل هذه الحوادث المفزعة إلى الذاكرة قصة مرعبة عشتها شخصيا مع زوجتي في نهاية سبعينيات القرن الماضي إزاء ابنتنا سناء، فقد كادت سناء التي تحضر الآن لشهادة الدكتوراه في الهندسة المعمارية من إحدى الجامعات في باريس تكون ضحية لمثل هذه العمليات لولا لطف الله ويقظة الزوجة. كان من عادتي أن ترافقني الزوجة في تلك الفترة مرة كل أسبوع إلى سوق علي ملاح بأول ماي لاقتناء الخضر والفواكه. تركتُ الزوجة بصحبة الطفلة سناء التي لم تكن قد أكملت عامها الثالث بعد في السوق، وذهبتُ لركن السيارة غير بعيد من السوق، ثم عدتُ من جديد للزوجة والطفلة سناء، فوجدت أم سناء مذعورة وفي حالة غير طبيعية، فخلال انشغالها لشراء الخضر والفواكه من أحد بائعي الخضر الذي كنا معتادين على شراء الخضر والفواكه من عنده بالسوق باغتت امرأة مجهولة كانت ترتدي الحايك أم سناء، وأخذت الصبية بين يديها وفرت هاربة بها، ولما التفتت الزوجة نحو ابنتها فوجئت وهي تشاهد امرأة هاربة بابنتها فانطلقت وراءها وانطلق معها بائع الخضر يجريان وراء تلك المرأة المختطفة، وبعد أن أمسكا بها راحت المرأة الخاطفة تدعي أمام الملأ بأن الطفلة ابنتها، غير أن صراخ الطفلة سناء ومحاولتها التنصل من الأم الوهمية الخاطفة أفسد على تلك المرأة خطتها الخبيثة. وعندما أدركت تلك المرأة أنها باتت في ورطة وأن الناس أصبحوا يتجمعون حولها وأنها ستصبح في قبضة الشرطة رمت بالبنت وتسللت هاربة بين الصفوف واختفت عن الأنظار. لما عدت للزوجة وجدتها في حالة يُرْثى لها، فقد كانت متشبثة بالصبية الصغيرة سناء وهي تبكي بفزع بالغ. ومنذ ذلك اليوم وقصص اختطاف الأطفال تهز مشاعرنا من الأعماق. كيف يمكن تصور والدين، بل وعائلة بكل أفرادها من الأب والأم والإخوة والأجداد والأعمام والأخوال والأصهار وحتى الجيران بما فيهم الأطفال، وقد تم اختطاف هذا الطفل أو تلك الصبية التي ما تزال في عمر الزهور، ثم يسمعون بأنه قد تم العثور عليه أو عليها مقتولة بعد أن قام وحش بشري أو مجموعة وحوش باغتصابه (ها)، وقد تتبع هذا الفعل الشنيع عملية قتل بشعة. واللافت للنظر أن أسباب الاختطاف تتعدد، فبعد أن كان الاختطاف بالأمس يتم لسببين أساسيين وهما الانتقام وعدم الإنجاب بهدف تبني الأطفال المخطوفين، وكذلك بسبب الخلافات التي قد تنشب بين بعض العائلات أو حتى بين العائلة الواحدة أو بين الجيران وبين الشركاء في بعض النشاطات التجارية أو بسبب الوراثة والخلافات على الأرض أو بسبب فشل العلاقات الزوجية، فإن أشكال الاختطاف الآن تعددت وتباينت، فإضافة إلى هذه العوامل هناك أسباب أخرى لم تعد ترتبط بشخص معين بحد ذاته يمارس الاختطاف وما قد يتبعه من جرائم بقدر ما تعدته إلى وجود عصابات متخصصة صارت تقوم بخطف الأطفال لعدة أسباب أبرزها الاختطافات المصحوبة بعمليات اغتصاب وخاصة للبنات، وقد تنتهي أغلب هذه الأعمال الشنيعة بقتل هذه البراءة خوفا مما يتبع عمليات الاغتصاب من عقاب من طرف العائلات الضحية والمجتمع ككل كعقاب معنوي تجاه صاحب الفعل، أو من العدالة. واللافت للنظر أن معظم من يقومون بمثل هذه الأعمال الشنيعة هم أشخاص غير أسوياء وخاصة منهم مدمنو المخدرات التي أغرقت بلادنا والكحول وأصحاب الجرائم المختلفة المنبوذون والمهمّشون من المجتمع. كما يلجأ عدد من الأشخاص بما فيهم المنضوون في عصابات إجرامية بعضها مسلحة إلى هذه الاختطافات وطلب الفدية من عائلات الضحية، وخصوصا الثرية التي يتم اختطاف فلذات أكبادهم لا لسبب إلا لطلب المال في عملية جشعة يكون ضحيتها الأطفال الأبرياء، لكن دون أن يعني ذلك أن الأمر في مثل هذه الحالات يقتصر على العائلات الميسورة والغنية، فقد تمتد عمليات الاختطاف المصحوب بالقتل إلى عائلات فقيرة، لأن المجرم في هذه الحالة لا يفرّق بين غني أو فقير بقدر ما يريد الحصول على المال بأية طريقة. أما الجديد في هذه العمليات الشنيعة، فهو الاختطاف من أجل انتزاع الأعضاء البشرية قصد بيعها والمتاجرة بها لاحقا لبعض من فقدوا صفة الإنسانية داخل الوطن وربما حتى للخارج. وأيا كانت الأسباب والعوامل، و أيا كان القائمون على هذه الأفعال الإجرامية، فقد بات من الضروري دق ناقوس الخطر للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة بكل الوسائل القانونية والمادية والمعنوية وبالردع بمختلف أشكاله. من بين الأصوات التي تعالت مطالبة بإنزال أشد وأقصى العقوبات على مرتكبي هذه الجرائم الشنيعة بحق الأطفال البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، فقد ذهب، مؤخرا، إلى حد المطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام بحق هذه الوحوش الآدمية، وهي العقوبة التي لم تطبقها الجزائر تجاه أي حالة من مثل هذه الجرائم منذ عشرين عاما. وأيا كان الأمر بين موقف كهذا تؤيده فئات واسعة من المجتمع بما فيه المجتمع المدني والأحزاب السياسية المحسوبة على التيار الإسلامي، وبين موقف الرافضين لتطبيق عقوبة الإعدام وعلى رأسهم فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، والمدعوم ببعض الأحزاب السياسية، وكذا الموقف الرسمي للدولة، إذ أن الجزائر أعلنت رسميا منذ 2010 موافقتها على مبدأ إلغاء عقوبة الإعدام والانضمام إلى اللجنة الدولية من أجل وقف عقوبة الإعدام بعد المصادقة على القرار 62/149 الصادر عن الأممالمتحدة في 2008. وأيا كان الأمر، فقد حان الوقت لإنزال أقصى العقوبات على من باتوا يختطفون البراءة بل ويقتلونها دون سبب، ويتاجرون بأعضائها البشرية بأساليب أقل ما يقال عنها إنها خالية من كل نزعة إنسانية. والملاحظ أن آخر حكم بالإعدام بالجزائر صدر في عام 1993 ضد مرتكبي تفجير مطار هواري بومدين في صائفة 1992 الذي أدى إلى مقتل وجرح العشرات من الأشخاص في عملية مروعة. فالقانون لابد أن يُطبق بصرامة على مرتكبي هذه الجريمة الشنعاء، وإلا فإننا سنشهد براءة مليئة بالعقد وتخاف من المستقبل ومن كل ما يحيط بها من رجال ونساء قد يكون بعضهم على أعلى درجات من الإنسانية لطفا ورقة، فقد يصبح كل من يقترب من هذا الطفل أو يتلمسه إعجابا به حاملا لفيروس جريمة اختطاف واغتيال البراءة في نظر بعض الأولياء الذين باتوا مسكونين بهاجس الاختطاف. ويبدو لي أن المجتمع المدني له دوره في محاربة هذه الظاهرة مثلما على وسائل الاتصال والإعلام عموما دورها في ذلك. كما أن المدرسة ومختلف وسائل التربية والتعليم، وكذا المسجد، بل وكل المجتمع، عليه أن يتصدى لهذه الظاهرة الإجرامية التي باتت تهدد كيان المجتمع بالتوازن والتماسك. لقد رأينا قبيل نهاية العام المنقضي كيف تحركت الهند كلها من رئيس الوزراء إلى وزير الداخلية إلى مختلف المؤسسات والمجتمع بعد موت طالبة إثر تعرضها للاغتصاب الجماعي. وقد ذهب الأمر بالمسؤولين في هذا البلد الذي يعرف عمليات اغتصاب لا نظير لها إلى حد نشر أسماء وصور أصحاب هذا الفعل المشين عبر الأنترنت لإدانتهم من قبل الرأي العام الوطني الهندي والدولي، مؤكدين أنه سيتم من الآن فصاعدا القيام بمثل هذا العمل تجاه كل من يقومون بمثل هذه الأفعال الشنيعة. وحتى لا تُغْتال البراءة مرة أخرى في بلادنا، فإنه يتحتم على المجتمع أن يتجند كل في موقعه بالوسائل الأخلاقية الملائمة لردع هذا الفعل المشين، وخاصة إن لم تنفع مع هؤلاء المجرمين مختلف وسائل التربية والتوجيه والردع والعقاب التي تقوم بها مختلف الوسائل التابعة لمؤسسات الدولة. فقد آن الأوان للتحرك بكل قوة لردع كل من يريدون اغتيال البراءة في هذا الوطن. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته