1 في أوَّل البياض وقبل الحِبر، أيُّها الكاتب تقع في حبِّها·· وتمنحك كلَّ المُتع ونوافذَ لسفرٍ داخلي لا نهاية له·· في الخارج يتَّسِع صدرُك لهواء الحرية وتحاول الفرار، لكنك تظلُّ العاشق وأنت تخونُها، الشاعر بما تمدُّك به من ظلال، وتعجز عن ترتيب العالم بدون أحرفها·· غواية للأموات على شرفات باردة ·· أشجار عارية في منتصف اللَّعنة·· يتسلَّل الدِّفء عبر أغصانها إلينا نحن الأحياء ربما! ننمو في تربتها الأولى ونكبُر، وتبتدئ الحكاية··· من يقنِعُك غيرها بهكذا معنى؟؟؟ والحكاية لا تخلو من مغامرة الاكتشاف والدَّهشة·· اخترتَ أن تكتب بها أكثرَ من حياة تتجاوزك لاقتراف المزيد من الحلم، من الحبر، من البياض المستفز، لقصَّةِ عشقٍ تختلف كل البدايات في سردها بينها وبينك، لكنَّها تتقاطع في أكثرِ من كتاب وقصيدة وعنوان··· ليس السؤال لماذا تكتب بالعربية؟ وأين سترحل معها، لأنَّك تمدُّ لها يدك كطفلٍ صغير يتمسَّك بأمِّه ويُغلِق عينيه أو يفتحهما قليلا على خطاه المتلعثمة، ليلتحق بأحلامٍ تتوالد لحظتها ولا يبدو أنها ستنتهي لأنَّ كلّ الطرق محفوفةٌ بشهوةِ الحياة ولا يحدُّها موتٌ أو نسيان أو غياب· إن غبتَ أنتَ، حضرت هي، في أيِّ جسدٍ منكَ أضاءت روحَها، ومنحتكَ بسحرها شيئا من الخلود·· ولماذا يجرح صباحاتنا السُّؤال: لماذا العربية بالذّات؟ والعالم يتكلّم لغة أخرى ويمضي دون أن يلتفت لما نحاول أن نكتب! غير مبالين بشيء إلا أحلامنا وتطلعاتنا ورغائبنا وحواسنا·· نكتب ولا نراهن على شيء سوى هذا النص المفتوح على احتمالات الإنسان فينا· 2 لعلَّ الحياة بأكملِها، لغة! ولغة حياتي عربية أمارس معها كل الألاعيب الخطرة بدءاً بحبِّ فتاة تكبُرني في العمر·· إلى غاية آخر همسات الحبر·· وللصخب مكان أيضا في هذا البياض الممتد بأغصانه العالية نحو سماء الكتابة· وبعدها، أقصد قبلها بأكثر من نص ومتعة في القراءة والكتابة حيث أقضي ساعات أتخيَّلُها مياها تتدفق في أعماقي لتُبلِّلني حتى العظم·· خبط أجنحةٍ أندلسية يمتدُّ صداها إلى نهر الفرات·· وأقرأ ما يدهشني ويمنحني تلك السعادة /الممكنة/ بامتيازٍ واقعي وخيالي وسوريالي وانطباعي وله ألوان قوس قزح سماؤه لا هي برمادية ولا يكسوها غيمٌ شاحب·· غير أنفاس الشعراء وأجساد الكتب وأرواح من احترقوا بالحرف والكلمة· لم أتساءل يوماً رغم قراءتي المبكِّرة باللغة الفرنسية: لماذا أعشق لغتي؟ وحين كتبت متأخراً كنت أقترف حروفا عربية بكلِّ ما تحمل أناي من هواجس ورؤى مختلفة/ متعدِّدة· وتجربتي الإبداعية على تواضعها تنتمي بلا شكٍ إلى الحداثة الشعرية والكتابة الجديدة لكنها بعيدا عن أي تصنيف مجحف ولا مسؤول تُرعِبني اللُّغة العربية وتزعزع أسبابَ الصَّمت بداخلي وروتين الأيام في عالم لا ينكر أحدٌ خبله! وكان لا بدَّ من شعر جاهلي إذن، وما بعده·· لتُقدِّس الذّاكرة بهاء اللُّغة، كما كان لكلام الله في الكتاب المقدَّس حظُّ الدَّهشة الأولى والانبهار الأول· 3 كنت سأكتفي ببضع كلمات وأجيب كما أجاب صموئيل بيكيت، عن سؤال كبير بحجم: /لماذا تكتب؟/ حين ردَّ بيكيت بأقل من جملة: /إلا لهذا··/ أو /أنا لا أصلح إلا لهذا··/ فكيف إذا ما تعلَّق الأمر بالكتابة واللغة معاً؟؟؟ ولي أن أقول في كلمات: السؤال هنا مصدر لجدلٍ ما، وليت الضِّفاف وإن تقاسمت مياه النَّهر، أن تنتصر للجمال وللجمال فقط! سأعود وقد بقي في دمي عطر و ورد وكلام جميل عن الكتابة باللغة العربية·· ولنا أن أن نقتفي تساؤل محمود درويش في بداية القصيدة·· بقراءتها من أولها إلى آخرها·· /من أنا؟ هذا سؤال الآخرين ولا جواب له أنا لغتي وأنا معلقةٌ، معلقتان، عشرٌ هذه لغتي، أنا لغتي أنا ما قالت الكلمات: كن جسدي فكنت لنَبرِها جسداً··/