أقرأ أحيانا قضايا تستحق التأمل والمساءلة لأنها تستدعي نقاشا أكثر عمقا، ومن ذلك ما تعلق بالزمن والحداثة، وتحديدا في الجنس السردي الجديد، رواية وقصة، من الناحية النقدية ومن حيث الممارسة الكتابية، ولا أقصد بالزمن ما تعلق بالجانب الفلسفي، كما ورد في رسائل إخوان الصفاء، أو في كتابات غاستون باشلار وطروحات الفلاسفة، إنما الزمن كتقنية، أو كبناء. ثمة اعتقاد سائد مفاده أن بلبلة البنية الحدثية تدخل في باب التحديث. وقد يكون ذلك صحيحا، بيد أنَ هناك نسبية كبيرة يمكن أن تؤخذ في الحسبان، لأن هذا الاعتقاد المتواتر في بعض النقد ليس حتمية، إن لم يدخل في باب الطرح التبسيطي لماهية البنية الزمنية كجزء من الوعي السردي. تتعلق هذه البلبلة، كما يسميها بعضهم، بتجاوز الزمن الخطي، أو التسلسل المنطقي للأحداث كما هي حاصلة في الواقع، ومن ثم الاستعانة بالزمن المركب، أو بالزمن المتعدد الأبعاد كما يسميه بعض النقاد الغربيين الذين سبقوا كتاب خطاب الحكاية لجيرار جينيت، لأن المسألة تتعلق بالمتخيل، وليس بالحرفي. كما يطلق جينيت مصطلح المفارقات السردية أو الزمنية على هذا النوع من البناء، مع أن المصطلح ليس جديدا، كما أن الفكرة نفسها ليست مستحدثة، وقد تنطبق على عدة أنماط حياتية لا علاقة لها بالسرد بالمرة، لأنها قد ترتبط بعلامات غير لغوية وبأشياء في عالمنا الخارجي، بالأثاث وباللباس مثلا. كما سنوضح ذلك في مقال آخر، إن سمحت الظروف. نشير أيضا إلى أن الدراسات الواصفة لم تهتم بأسباب البلبلة الزمنية، ولا بوظيفتها، ولم تربطها بالتقليد أو بالحداثة، بقدر ما ركزت على التمفصل. لقد درس جينيت، بدقة استثنائية، نصوصا رآها تمثيلية، ومنها البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست. وربما كانت طبيعة المنهج وحدوده هي التي جعلت دراسته تقنية، لأنه لم يتطرق إلى مسائل ذات علاقة بعلم الجمال، أو بالشكل وقيمته، على عكس ما فعله ألبيريس، وميشال بوتور إلى حد ما، أو ما قام به بول ريكور في كتابه الموسوعي: الزمن والقصة (مع تباين ترجمة العنوان إلى العربية). ..تتمة ص11