لا تبدو السلطة آبهة ولا متعجلة جراء شغور منصب الأمين العام في التجمع الوطني الديمقراطي، بينما كادت مؤسسات الدولة تتعطل لشغور منصب أمين عام الأفلان، فهل هذه مؤشرات تخلي السلطة نهائيا عن الأرندي في المرحلة القادمة..؟ لقد شهد الجميع كيف قضّت أزمة الأفلان مضاجع عدد كبير من المسؤولين والمؤسسات في في الدولة بل واضطرت المؤسسة الأمنية بأقسامها الهامة للتأطير الأمني لدورة اللجنة المركزية، التي عرفت خلع الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم بفندق الرياض. وأدى الشرخ والانشطار داخل الأفلان إلى التأثير على سريان خطة الحكومة في تنفيذ برنامج الرئيس، وظهرت ملامح ذلك في تمرد الكتلة البرلمانية بل وتسرب أن الوزير الأول انتقد في اجتماع حكومي، ما يحدث في الأفلان، لشعور الحكومة بتحول الحزب إلى معارضة قد تعرقل استراتيجية عمله، وهو الأمر الذي ظهرت في أعقابه "حركة الوزراء الأفلانيين" الذين تجندوا للإطاحة ببلخادم. في تلك الفترة كان حزب الأرندي يُعاني من الأعراض الانشطارية ذاتها، لكن التوصيف الذي أطلق على أزمة الأرندي بعد تصاعد حدة المطالبة برحيل أحمد أويحيى، كان توصيفا غير سلبي يعكس مستوى الصراع الذي لم تُنتهك فيه قواعد الانضباط إلى الحد الذي اُنتهكت به في جبهة التحرير الوطني. وبرغم تباين مستوى المناضلين وطرق معالجتها وخطابات أزمة الأفلان والأرندي، إلا أن الدولة كانت أكثر اكتراثا لما يحدث في الأفلان، بينما يظهر إلى اليوم أن السلطة غير منزعجة لشغور منصب الأمين في الأرندي. صحيح أن الأمر يختلف، وأن رئيس الجبهة هو رئيس البلاد وكوادر الجبهة أكثر من كوادر الأرندي في دواليب الحكم بحكم الأقدمية السياسية، إلا أنه لا ينبغي التغافل عن عامل محدد، وهو أن الرئيس كان في كل مرة يمتنع عن التدخل في الأفلان، وإلا كان أنقذ بلخادم من السقوط وهو الذي ظل محسوبا عليه إلى الآن. الأمر الذي لا يلغي مشروعية التساؤل حول أسباب عدم اكتراث السلطة للأرندي والهرولة لتسوية أوضاعه الداخلية وهو الذي سُمي عليها (حزب السلطة).. وهو الذي لعب دور صمام الأمان الحقيقي في المؤسسة التشريعية بحلوله ثانيا في الانتخابات ووجوده ضمن التحالف الرئاسي، ضامنا بذلك مرورا آمنا لكافة مشاريع السلطة، بل وظل أمينه العام أحمد أويحيى أحد الرجالات التي اعتمد عليها عبد العزيز بوتفليقة في حكمه لتسيير الجهاز التنفيذي مجددا الثقة فيه على مرتين وهو الامتياز السياسي الذي لم يجعله بوتفليقة بين يدي أي أفلاني، برغم ما يُقال في الكواليس عن أن علاقتهما التي يحصرها البعض في كونها كانت خاضعة لتوازنات داخل السلطة وليس لأن بوتفليقة كان يراهن على أويحيى كأحد رجالات ثقته.. هل يُعتبر هذا التخلي مؤشرا على أن الدور التاريخي للتجمع الوطني الديمقراطي انتهى؟ هل ستذهب السلطة إلى رئاسيات بأفلان يُبيّن أن الأرندي لم يكن في الواقع أكثر من مجرد ورقة، وأن نعته بالحزب الحاكم للإدارة، إنما هو توصيف زور وبهتان وأن الأرندي لا ثقل له اليوم سياسيا، وليس رقما في المعادلة السياسية المقبلة وأن الأفلان عاد لقوته وسيحصد الأخضر واليابس في المرحلة القادمة بجعل عمار سعيداني على رأسه، دون الاعتماد على أي حزب آخر؟! تبدو هذه الأوصاف السياسية للأرندي صحيحة على الأقل حاليا برغم من أن الأرندي يسير في صمت لإعادة بناء قيادة جديدة، لم تتضح بعد ملامح الرجل الذي سيقودها لخوض رئاسيات كل السيناريوهات، ولو أن خرجة الأمين العام بالنيابة عبد القادر بن صالح، بصفته رئيس البرلمان قد فاجأت الجميع عندما أظهر شبه تزكية لعبد المالك سلال كمرشح جدير بالرئاسيات، واصفا إياه برجل الميدان والاستقرار ومُرمم الثقة بين الشعب والسلطة وهو الكلام الذي لم يقله كبير الأرندي حاليا حتى في أحمد أويحيى ولو من باب التضامن الحزبي، إذ لم يكن هناك ما يمنعه من ذلك، تماما مثل اليوم لم يكن هناك ما يمنعه في قول ما قال، في شخص عبد المالك سلال الذي لا ينتمي لأي حزب.