كشف مصدر من اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني أن 175 عضو من اللجنة المركزية يعملون صراحة لصالح علي بن فليس لرئاسيات 2014، وهم أعضاء أصحاب خبرة كبيرة في إدارة الآلة الانتخابية وطنيا لصالح مرشح الحزب. وبالمقابل تمتنع الأحزاب الصغيرة عن إعلان موقفها من العهدة الرابعة أو حتى موقفها من الرئاسيات، وتشكلت ضمن قطب وطني يرتقب تطورات الساحة السياسية، خلافا للعهدة الثالثة التي كانوا يتهافتون على تأييدها، وهو واقع يفيد بأن الآلة الانتخابية للرئيس بوتفليقة فقدت كثيرا من فعاليتها إلى حد الآن مقارنة بقرب الاستحقاق. عكس العهدة الثالثة التي بدأت الأحزاب الصغيرة تتموقع إزاءها في وقت مبكر جدا، تشهد الحالة الحزبية في الجزائر جمودا غير مسبوق تجاه الرئيس بوتفليقة بامتناع إلى حد الآن أحزاب كانت السبّاقة لمساندة رئيس الجمهورية في عهداته السابقة، إذ توجد الجزائر على بعد شهر ونصف على أكثر تقدير، من استدعاء الرئيس للهيئة الناخبة، بينما لا يظهر للرئيس بوتفليقة من أنصار إلا بعض الأصوات المتفرقة في المجتمع المدني الذي يلقاه الوزير الأول في خرجاته الميدانية للولايات. بل تفيد المعطيات الميدانية أن ما "يُخيف" أكثر على مصير العهدة الرابعة وأنصارها، إذ تقول المعلومات التي تحصلت عليها "الجزائر نيوز" أن 175 عضو باللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني أصبحوا يعملون صراحة لصالح علي بن فليس، المترشح الأسبق للرئاسيات. ويفيد مصدر هذه المعلومة أنهم ليسوا مجرد أعضاء في اللجنة "فهم من خيرة أبناء الجبهة داخل وخارج اللجنة المركزية ومن ذوي الخبرة العالية في إدارة الآلة الانتخابية الأفلانية لصالح مرشحها"، مضيفا:«الجميع يعرف ماذا يزن عباس ميخاليف في الشرق من حيث التجنيد لمرشح الحزب، والجميع يعرفون عبد القادر زيدوك ومستواه في التجنيد بالوسط، وكذا الوزير السابق ضرباني في الطارف على وجه التحديد، إلا أن كل هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، يعملون لصالح علي بن فليس وليس بوتفليقة". بالإضافة إلى كل ذلك يوجد قطاع كبير من جبهة التحرير الوطني الذي يضم تحت لوائه شخصيات الحزب وهويته التاريخية والسياسية، لا يبدو أنه يساند الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهو فصيل حركة التقويم والتأصيل والتحصين التي انضمت إليها مؤخرا علاوة على أسمائها التقليدية، جماعة بلعياط بعد واقعة 29 أوت المطعون فيها بسبب تعطيل العمل بقرار العدالة التي منعت اللقاء. وتعد هذه الحركة داخل جبهة التحرير الوطني مقياسا كبيرا للمصداقية في حال عملها لصالح مرشح الحزب في الميدان، بالنسبة للأفلانيين وحتى الرأي العام، إلا أنها حاليا بعيدة عن العهدة الرابعة. حتى الأحزاب السياسية التي كانت تُعرف عند العامة والأوساط الإعلامية بأنها أبواق الرئيس والمطبّلة له ولعهداته الرئاسية السابقة، تبدو اليوم محسوبة على أنصار الوقوف والتصدي للعهدة الرابعة. وقد يتجلى ذلك أكثر في تشكيل ما أسموه ب"القطب الوطني" الذي يضم 19 حزبا يقوم حاليا بمشاورات عديدة في اجتماعات دورية تخص الرئاسيات المقبلة. الأحزاب الصغيرة تبدو أنها استصغرت العهدة الرابعة، وهذه المرة بعدما كانت تتسابق لإعلان مساندتها للرئيس آثرت الاتحاد في قطب سياسي يتشاور رغم دنو توقيت إعلان استدعاء الهيئة الناخبة. ولا تجد شلبية محجوبي، رئيسة حركة الشبيبة والديمقراطية، مثلا، في اتصال مع "الجزائر نيوز"، أي حرج في القول:«كنت دوما من مساندي الرئيس لكن اليوم نحن في تكتل سياسي يتم من خلاله ترتيب إعلان موقف موحد يُناقش كيفية خوض الانتخابات إما بترشيح ممثل أحزاب أوبخيار آخر". ويقول طالب محمد شريف، رئيس الحزب الوطني للتضامن والتنمية، الذي ساند الرئيس بوتفليقة سابقا: "نحن دوما كنا إلى جانب مؤسسات الجمهورية، والإعلان عن مساندة مرشح يتطلب الآن إعلان المرشح ذاته عن نيته في الترشح، ولكن الرئيس بوتفليقة لم يفعل هذا إلى اليوم. ثم إن هذا الموقف له علاقة بدورة للمجلس الوطني للحزب أو المؤتمر الذي سينعقد قريبا، وسيكون للحزب موقفه". أما رئيس الجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية، خالد بونجمة، فيقول بلا تردد:« لم نساند الرئيس بوتفليقة إلى حد الآن، لا يعني أنه تأخر، بل هناك معطيات جديدة، فلم يكن أحد يسبقنا لذلك عندما كان الرئيس معافى بدنيا، أما اليوم فنحن مضطرون إلى الاستماع للقواعد وعامة الجزائريين الذين أصبحوا لا يؤمنون بأن الرئيس في كامل قوته وقدرته على إدارة البلد. ثم إن الموقف ينبغي اتخاذه داخل هيئات الحزب العليا وهي حرة في مساندة الرئيس أوغير الرئيس". واللافت هنا أن الأحزاب الموصوفة عادة بالصغيرة، تظهر أنها على تنسيق عالي المستوى بخصوص توحيد موقفها من داخل القطب الوطني رغم غياب ناطق رسمي، فبعد أن كان الجميع يستبق اجتماعات هيئات الأحزاب السيادية لمساندة بوتفليقة، هاهي اليوم تعود إلى الالتزام بمواقف قواعدها وتتريث قبل أي "مغامرة". إذا أمعنا النظر في أحزاب عبد الله جاب الله وعبد الرزاق مقري وأحمد بطاطاش، ومحسن بلعباس، ومجيد مناصرة وعبد العزيز بلعيد وجيلالي سفيان وموسى تواتي والطاهر بن بعيبش وعبد العزيز غرمول، ومصطفى بلمهدي ولويزة حنون، ونورالدين بحبوح.. فسنجدها أحزابا إما معارضة للعهدة الرابعة وإما أنها قررت ترشيح ممثل عنها، أو أنها بصدد بلورة موقف من الرئاسيات، وهي أحزاب من الطراز الذي له قوة تجنيد لا بأس بها بالنظر إلى بشخصياتها ذات الباع الطويل في النضال السياسي، وبالتالي تكون في غالب الظن خارج الوعاء الانتخابي للرئيس بوتفليقة وبعيدة عن مساندة عهدة رابعة محسومة، إذ تبقى محسوبة إلى حد الآن على المعارضة. وتسود هذه المواقف في وقت لاتزال لم تظهر إلى اليوم لجان المساندة ولا الجمعيات الوطنية ولا الزوايا التي كانت تستغل مناسبات زيارة المسؤولين الكبار لتلاوة بيانات المساندة والمناشدة في نشرة الأخبار. لقد نال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كل عهداته الثلاثة السابقة عن طريق القوة الشعبية، طالما التي ضاعفت وقعها العام، كل تلك الأحزاب والشخصيات واللجان والجمعيات والمنظمات المذكورة آنفا، ما كان يجعل عهدات الرئيس ولو من الناحية الرمزية مفتكة عن جدارة واستحقاق كبيرين، ويتردد صداها لدى عواصم من وراء البحار عبر بيانات التهنئة لنجاح بوتفليقة وتنظيم الانتخابات. لكن يبدو اليوم أن الطبقة السياسية تأخذ بالحسبان معطيين هامين تجعلهما سندا رئيسيا لبناء موقفها من الرئاسيات المقبلة.. الأول هو احتمال خرجة ربع الساعة الأخير للرئيس بوتفليقة، يُعلن فيه امتناعه عن العهدة الرابعة رغم أن الواقع السياسي يقول عكس ذلك. والمعطى الثاني هو أن الطبقة السياسية قد تكون وصلت بها درجة الشك إلى مدى بعيد، وضعها أمام خيار واحد وهو انتظار الرئيس بوتفليقة توقيعه لمرسوم استدعاء الهيئة الناخبة رسميا، للتأكد من وجود رئاسيات رسمية، خاصة أن الرئيس يملك آلية تعطيلها عن طريق تأجيل الرئاسيات تحت طائل التهديد الأمني الذي يُحيط بالجزائر من كل حدودها التونسية والمغربية والمالية والليبية، ما سيُمدد عهدة الرئيس آليا وإلى وقت غير محدد بتاتا. أضف إلى ذلك أن الطبقة السياسية لم تفهم ولم تهضم بعد الدور أوالمسافة التي ستكون عليها كل النوى الصلبة داخل النظام من الرئاسيات المقبلة، خاصة بعد التعديلات العميقة التي أجراها الرئيس بوتفليقة على دائرة الاستعلامات والأمن.