- التكنولوجيات الحديثة ..مرآة وعامل رقي المجتمع ظاهرة حضارية، التكنولوجيات الحديثة أصبحت مرادفا للتنمية ومردودية المؤسسة، وكل شيء يعتمد على قدرة مجتمعاتنا عموما والمؤسسة الاقتصادية خصوصا في تحكمها واستغلالها ميدانيا لهذه التقنيات الحديثة والتي تستحوذ على القسط الأكبر من وسائل الاتصال والتواصل، خصوصا وهي تجمع بين تبسيط عمليات الاتصال وجدواها على الجماهير. وبفضل هذه التقنيات تحولت عمليات الإشهار والتسويق من ظاهرة العصر إلى رمز ما أصطلح عليه بالنهضة الحضارية والبسيكو- اقتصادية ذات البعدين الاقتصادي والاجتماعي، وعلى هذين البعدين سنحاول التركيز في هذه المساهمة. يعتبر الإشهار التسويقي بمثابة سلطة الضبط الاقتصادية، هدفها زيادة نسب المبيعات، بحثها على زيادة الاستهلاك العام لفائدة المنتج في المقام الأول وتوازن السوق وأيضا لصالح المستهلك نفسه. ويعد قانون - حامورابي- المنظم لعملية البيع والعلاقات بين البائع والزبون أقدم عقد في هذا المجال، ومنذ سن هذا القانون (1800 ق م) عرفت تقنيات البيع والتسويق تغييرات عدة وجذرية، ورغم ذلك يبقى الهدف الأسمى منها هو تسويق منتوجات النشاط البشري، اليوم والتسويق في قلب المسائل الاقتصادية، كل اقتصاد مبني على التسويق، وبدونه يتهاوى الاقتصاد كقصر من ورق. ولم يكن اقتصاد بلادنا ببعيد عن هذه التغيرات، بحيث عرف نقلة نوعية بعد خروجه من نمط الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر، نقلة لم تكن سهلة ودون عقبات، إذ بات يواجه تحديات عديدة أملتها نمطيات الاقتصاد اللبرالي، غيرت واقعنا الاقتصادي رأسا على عقب. فالوصول الفجائي والقوي للسلع الأجنبية وبالنوعيات المختلفة والأسعار التنافسية، كذلك اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي والمناطق الحرة وما سيترتب عن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة مستقبلا، لن يزيد الواقع إلى تعقيدا من خلال الحضور الرهيب للمؤسسات الأجنبية التي تفرض منطقها في السوق، كونها لا تكتفي بالحضور الكلاسيكي الظرفي في السوق بل تسعى للاستحواذ على أكبر حصة ممكنة في السوق، وهذا ما يفسر دخولها السوق بكل الأدوات اللازمة حتى تنال القسط الأوفر واستمرارية أطول، باصطحابها لآليات المرافقة لسياساتها التجارية. فعلى سبيل المثال رافقت العديد من المؤسسات الأجنبية الكبرى المستثمرة بالجزائر فروع المؤسسات الإشهارية لبلدانها الأصلية إلى الجزائر. لذا على المؤسسة الجزائرية إن أرادت مواكبة التطورات ومجابهة التحديات بنجاعة، أن تعمل على التمكن الجيد من التكنولوجيات الحديثة واستغلالها بشكل جيد، التواصل حول نفسها وللفت نظر المستهلك، جذب رغبته، جلب استحسانه والفوز بثقته في منتوجها ووفائه له، وعليها العمل ليس فقط على تلبية حاجيات الزبون، بل تسعى إلى خلق الحاجة إلى منتوجها والرغبة فيه، والدعوة إلى شراء المنتوج عبر استراتيجية تسويقية تشرك المستهلك في الحملات الإشهارية التسويقية بصبغة جوارية وما بين المهنيين وكبار المستهلكين وشبكاتهم والعلاقات الجماعية. عرفت الجزائر خلال بضع سنوات من دخول الهاتف النقال الخدمة بقوة، ثورة في مجال الاتصالات أدت إلى جمهرتها، جعلت من هذه التقنية الوسيلة الأكثر شعبية في الجزائر، وحولت يومياتنا وعاداتنا بل وحتى أخلاقنا وأفكارنا. وفي المجال التجاري عرفت السوق الجزائرية وصول وظهور معلنين إشهاريين كبار وبدينامكية لم تعرف في الجزائر أفضت إلى استحداث مناصب عمل لم تكن موجودة من قبل. كذلك سيكون الأمر مع تقنية G3، ستقلب الأمور رأسا على عقب وذلك بربط مستعملي هذه التقنية بهواتفهم و لوحاتهم، من خلال بقائهم على تواصل دائم باستعمال الوسائط المتعددة التي توفرها هذه التقنية كالأنترنيت عالية التدفق، ليصبح المستعمل بذلك هدفا سهل المنال. وبفضل هذه التقنية ذات الوسائط المتعددة، سيجد المستهلك نفسه مستهدفا بالدرجة الأولى وهو المستقبل والناشر للمعلومة بامتياز أو بالأحرى -قاض وطرف في القضية في الوقت نفسه، وفي هذه المعادلة يجد كل واحد منا معلومة لا يستهان بها في جدول البيانات لكل دراسة اقتصادية أو استراتيجية تسويقية. وبفضل تقنيات الجيل الثالث للهاتف النقال سيكون الإشهار ظاهرة أخرى اجتماعيا واقتصاديا، لما يستحدثه من تغيرات على مجتمعنا برمته، وستتربع على عرش تعاملاتنا ومعاملاتنا الاجتماعية والاقتصادية. ففي الجانب السوسيولوجي، تقنية الجيل الثالث للهاتف النقال ستظهر كسلطة اجتماعية تتكفل ببناء التواصل مع المحيط، إنتاج صورة دلالية عن ثقافة المجتمع وكذلك ترقية ثقافة الاتصال والتواصل داخله بالفعل. والجانب البسيكولوجي لهذه التقنية لا يقل أهمية عن الجانب السوسيولوجي من خلال سعيها إلى إشراك المستهلك بكامل أحاسيسه في عملية التسويق، ليرمي بنفسه في معركة الإشهار التسويقي دون أدنى شعور. وبما أن الإشهار ليس إلا عملية تأثير على الوعي واللاوعي، تحفيز، وتواصل، زيادة عن دورها التوجيهي ذي أهداف دقيقة، وإذا كان الهاتف النقال وسيلة إعلامية جماعية والإشهار التسويقي أسلوب وطريقة مخاطبة جماهيرية، فإن تقنية الجيل الثالث ستجعل منها وجهان لعملة واحدة. إذا كانت جل الدراسات تدل على أن الإنسان عادة يحتفظ ب 30 % مما يسمعه، 60 % مما يقرأه و90 % مما يراه، فان تقنية الجيل الثالث للهاتف النقال تتفوق على هذه النظرية الكلاسيكية وثلاثية الأبعاد بفضل البعد الرابع الذي تقدمه هذه التقنية، فإضافة لكونها تحتوي على التقنيات الثلاث -الصوت (مسموعة)، الكتابة (مقروءة) والصورة (مرئية)، فإنها تحتفظ لنفسها بالتقنية الرابعة وهي التي تسمح لمستعمليها بالمشاركة التفاعلية المباشرة بفضل خدمة الأنترنيت ذات التدفق العالي، وهذا يعطيها صدى إعلاميا أكبر من الوسائل الإعلامية الأخرى كونها تقدم أربع خدمات في واحدة 4IN1. مع هذه التقنية لن يعود معنى التسويق مجرد إعلان وإشهار والذي لازمه لمدة طويلة حتى كرس هذا المفهوم في أذهان الجزائريين، فالمفهوم الجديد للتسويق مع تقنية الجيل الثالث للهاتف النقال سيكون بمثابة لعبة - شد الحبل- لا أحد يريد التفريط فيها، فهي لعبة المد والجزر، الأخذ والعطاء، فهي الوصفة السحرية التي ستبقي على شعرة معاوية لأطول مدة زمنية دون أن تنقطع، هذه هي لعبة التسويق التفاعلية ذات الأهداف البراقماتية التي تمليها ضروريات اقتصاد السوق و تطلعاته، بطرق ووسائل عمل ذات صلة بمعارف وذهنيات أفراد المجتمع ونفسيتهم، وتتقاسم معهم ما لا يمكن توقعه. الG 3 ستعطي السوق الكلاسيكية المعهودة لدينا إلى يومنا هذا روحا جديدة، حيوية وجاذبية، ليكون الوسيلة لأولى و بامتياز لتسويق و جلب الأنظار نحوها، لتصبح بذلك تقنية ال G 3 الأداة الأكثر فعالية في عمليات التسويق وبقاعدة بيانات غنية بالمعلومات والبيانات الدقيقة ذات الصبغة التوجيهية، والتي بمقدورها توفير أكثر الحلول توفيقا لإطلاق حملة تسويقية بفضل التطبيقات المتعددة التي تتوفر عليها هذه التقنية. وكذلك بإمكانها إشباع رغبات الباحثين عن المعلومة والإجابة عن التساؤلات التي يطرحها المستعملون، إن كانت أسئلة عن شخصية واقعية أم خيالية، منتجات أو خدمات، وتوجيه مستعملها بل وحتى مشاركته الرأي، إن لم نقل صنع القرار في لاوعيه. وبالتالي يمكننا القول إن هذه التقنية، تمثل الوسيلة المثلى التي من خلالها يمكن للمسوق أن يقرر مكان المستهلك للمنتوج أو المعلومة، لينتزع بذلك حق اتخاذ القرار من صاحبه الأصلي. نلاحظ بذلك، أن التسويق بوسائط ال G3 الآدات الأنسب لإطلاق حملة تسويقية واسعة النطاق في وقت وجيز من أجل خلق رد فعل معين، إثارة شعور ما أو رغبة محددة، مع إظهار الإحتياجات و الرغبات الكامنة في وعي ولا وعي المستهلك بشكل أكثر وخلق رابط دائم بين المستهلك والمنتوج، تجديد الرابط أو تمتينه. وعندما نتكلم عن التسويق عبر وسائط ال3G وما يخلقه من احتياجات وتمايز بين منتوج وآخر، فإننا نتحدث عن مصالح أفراد وجماعات أفراد، بالتالي القول إن التسويق عبر هذه التقنية له تأثير كبير على نفسية المستهلك، تأثير على عواطفه، آرائه وأفكاره، وكذلك العادات، وهذا هو الهدف الأسمى للعملية الإشهارية والتسويق، والتقنية تبقى الوسيلة الأوسع انتشارا في أوساط الجماهير مما يجعلها الطريقة المثلى لتحقيق الأهداف المرجوة من كل حملة إشهارية وتسويقية، ولبلوغ هذه الغاية الأسمى، تضع تقنية الجيل الثالث للهاتف النقال تحت تصرف المؤسسات والهيآت أفضل الحلول بوسائطها المتعددة وخدمات الأنترنت ذات التدفق العالي، لتنظيم حملات تسويقية منتوجاتها، التعريف بمنتوج جديد، تحسين صورتها وترقيتها، بيع أحسن واقتناء أفضل أو زيادة حصتها من كعكة السوق، وللهيئات إطلاق حملات تحسيسية أو توعوية، ولتمرير خطاب ما، ولإظهار مزايا معينة أو تلبية حاجيات محددة، وتبقى الفوائد العديدة لهذه التقنية للاكتشاف والتطوير من خلال الممارسة، وبمضاعفاته التي ستغير ثقافتنا بأفق جديدة. في البدء كانت الحاجة هي حلقة الحرفة أو كما يقال الحاجة أم الاختراع، واحتكاما لقانون الطبيعة الذي يحدد مراحل دورة الحياة لكل كائن حي في خمس مراحل وهي (الميلاد، النمو، البلوغ، الشيخوخة، الزوال)، و لضمان الاستمرارية توجبت عملية التجديد والتشبيب، وهنا يبرز دور التسويق والإشهار من خلال اللجوء إلى الحملات الإشهارية التسويقية لتحديث الصورة أو العلامة، المنتوجات أو الخدمات، ففي تقاليدنا كان البراح أسلوبا إشهاريا وتسويقيا شعبيا وما يزال مستعملا في بعض المناطق من البلاد وفي حالات خاصة، ومنذ بداية عهد البراح إلى يومنا هذا عرفت مهنة التسويق والإشهار تطورات وتحولات كثيرة عبر مرور الوقت، تكيفت فيها بالوسائل التي امتلكها المجتمع وموازاة لتطور هذا الأخير وبوتيرة بطيئة بطء الممارسات السياسية والاقتصادية والثقافية التي كبحت نموها الطبيعي، مما أنتج نقصا فادحا في مجال الاتصال والتواصل والتسويق وحصر دورهم في الإجابة عن الاحتياجات الأساسية والضرورية المحدودة لزمن طويل، ونقصا أكبر في مجال المعلوماتية. لقد احترمت هذه العلاقة التلازمية بين مستوى المجتمع الثقافي والسياسي من جهة ودور الإشهار والتسويق من جهة أخرى لمدة زمنية طويلة، طول مسار الوظيفة الإشهارية والتسويق في مجتمعنا وبالخصوص خلال مرحلة الاقتصاد الموجه، لكن الانفتاح الاقتصادي، السياسي وخاصة الإعلامي الذي عرفته الجزائر بداية التسعينيات سمح للجزائريين باكتشاف ثقافات أخرى ومنتوجات متنوعة وبالخصوص احتياجات جديدة لم يكن يتصورها من قبل. هذا الانفتاح فسح المجال لانبعاث جديد لوظيفة الإشهار والتسويق بوتيرة سريعة وفي مهمة الإجابة عن حاجيات المستهلكين، مرحلة لم تدم طويلا لتتجاوزها الأحداث مع وصول ممولين إشهاريين كبار، على غرار المتعاملين في الهاتف النقال، الممثلين الحصريين لعلامات السيارات العالمية وغيرهم في الصناعات الغذائية، الكميائية والكهرومنزلية إلى غير ذلك، مما أنعش سوق الإشهار والتسويق، وبمهام جديدة ليس فقط الإجابة عن مطالب فئات المجتمع بل خلق حاجيات جديدة واقعية منها أو وهمية في نفوس أفراد المجتمع، لكن هذا العائق آيل للزوال بفضل الوسائط المتعددة التي تقدمها تقنية الجيل الثالث للهاتف النقال لمختلف احتياجات عملية الاتصال والتسويق، والتي ستسمح لكل عمليات الإشهار والتسويق والدعاية، مهما كان محتواها أن تصيب هدفها وتوجيهه نحو مبتغاها كتوجيه المستهلك أثناء عملية الشراء نحو منتوج معين، استهدافه في الاحتياجات الآنية، تقديم عرض مناسب في الوقت المناسب عكس الأدوات والطرق الكلاسيكية المستعملة حتى الآن، التي تستغرق وقتا أطول في الإعداد والإطلاق أو التوزيع كالملصقات مثلا، مع خلق علاقة حية ووفية ونسج شبكة اتصالات حول المنتوج وتواصل دائم بين العارض والزبون، وبلغة المعلوماتية نتجاوز كل العراقيل المعهودة، المادية منها والمعنوية، فهي تمكننا من مخاطبة كل فئات المجتمع، كالصم والبكم بلغة الإشارة.