روى الكاتب وضاح شرارة اغتيالات لبنان تحت عنوان "يوم القتل العادي". لكثرة ما تكرر الاغتيال السياسي المعلن، اعتاد اللبنانيون المشاهد التي أصبحت الآن عادة عربية مألوفة. الموت والحياة سيان. العدل والقهر. المواطن واللاجئ. السلم والخراب. يوم اغتيل جبران تويني وهو في الطريق إلى مكتبه جاءتني زوجتي إلى الشرفة قائلة التلفزيون يتحدث عن انفجار كبير. لم أرفع رأسي عن الكتابة. عادت بعد قليل تقول: الانفجار على طريق بيت مري. لم أرفع رأسي. لم يخطر لي أن طريق بيت مري تُفجَّر. لم يرد في ذهني لحظة أن جبران تويني يُستهدف. في منزله في باريس كان غسان تويني يشاهد البث المباشر. روَّعته صورة التفجير. بعد قليل سوف يعرف من التلفزيون، أن القتيل هو ابنه. آخر من بقي من أولاده. يومه قال: "عادة يتركون لنا جبينا نقبِّله. لم يتركوا لنا حتى الجبين". أمس جاءت زوجتي إلى الشرفة وقالت لي، التلفزيون يتحدث عن انفجار. كنت أقرأ تحفة توفيق الحكيم "يوميات نائب في الأرياف" عن مفهوم العرب للقانون. لم أرفع رأسي. عادت بعد قليل تقول: "يبدو أن سياسيا استُهدف". لم أرفع رأسي، فمن بقي كي يُستهدَف؟ عندما علمت أن محمد شطح هو الضحية هذه المرة، أصابني ما يصيب بلد "يوميات القتل العادي". حمدت ربي أولا على أنني لا أعرف الرجل ولم ألتقه في بلد صغير جميع الناس تلتقي بعضها البعض. عرفت محمد شطح كشخصية سياسية عامة، وفي هذا المعنى كان من أرقى الناس وأرفع الطبقات، خلقا ومعرفة ورؤية وأصولا. لكن هكذا كان أيضا جميع الذين حصدهم الموت بالاغتيال عبر السنين. من كمال جنبلاط إلى رفيق الحريري مرورا برشيد كرامي ورينه معوض. لكن محمد شطح كان من الفئة "غير المتوقعة" التي ضمت الكثيرين ممن نجح الاغتيال في تغييبهم، أو كاد، مثل مروان حمادة وإلياس المر ومي شدياق. تعبت اللائحة ولم يتعب واضعوها. لكن أيضا المطلوب إرهابهم - لم تصبهم الرهبة. ما زالوا، مثل محمد شطح، يعتبرون أن لهم الحق في الاعتراض، وفي التعبير عن مواقفهم ومشاعرهم. إذا كان وضاح شرارة يعد جزءا ثانيا من "يوميات القتل العادي" فلن يفاجئه منظر السيارة المفحَّمة والجدران القريبة المتكسرة. ولا مشهد الناس التي تزدحم حول الموت، كأن المنظر لا يكتمل من دون مشاهدين.