ما القراءة التي يمكن على ضوئها فهم الاستقالة الأخيرة للكادر السياسي المؤطر لفيدرالية الأفافاس على مستوى ولاية بجاية، المعقل الرئيسي لحزب آيت أحمد التاريخي؟! لقد جاءت هذه الاستقالة لجماعة بجاية التي يقدر عددها ب 30 عضوا في لحظة تتسم بالدقة والحرج البالغين لحزب عتيد طالما اكتسب صدقية كبيرة خلال عقود في نظر الرأي العام.. وتنبثق هذه اللحظة من عاملين أساسيين ودالين، الأول تخلي آيت أحمد عن قيادته المباشرة للحزب وانتقال السلطة داخل الحزب إلى فريق جديد يمتلك كل السلطة في اتخاذ القرارات، والعامل الثاني هو اقتراب موعد الرئاسيات الذي لمع خلاله الأفافاس بغيابه وصمته الثقيلين.. وهذا ما أصبح يثير عدة تساؤلات مشوبة بالشك والحذر تجاه القيادة الحالية لدى أنصار الحزب ومحبيه بشكل خاص.. هل كان انسحاب آيت أحمد من على رأس الحزب غير متعلق بسنه المتقدمة ورغبته في تسليم الحزب لمن هم في الميدان، بل لصفقة مع جناح في الحكم لم يعارضها آيت أحمد بعد ضغوط من داخل المقربين منه الذين سئموا من المعارضة الراديكالية التي أفقدتهم، حسب قولهم، تواجدا فعليا داخل الساحة السياسية، وداخل المؤسسات السياسية، كما أفقدتهم القوة في التأثير على التوجهات العامة داخل الساحة السياسية، بل كان انسحابه لتمهيد الطريق أمام دخول الحزب في صفقة قد تجلب له الكثير من المنافع السياسية ضمن خطة الطريق الجديدة التي ستظهر ملامحها عشية النتائج المرتقبة والمخطط لها لرئاسيات 2014؟! وبحسب المناضل السابق في الأفافاس والصحفي حاليا بجريدة الوطن حسن واعلي، يكون الأفافاس قد عقد صفقة فعلية مع جناح في النظام، وهذا الجناح يشكل النواة الصلبة التقليدية في النظام التي لم تزل تحتفظ بقوتها على إعادة صياغة المشهد السياسي وبالتالي التأثير على صناعة القرار السياسي، وكانت الصفقة حسب حسن واعلي ستعبر عن نفسها بشكل واضح عشية تشكيل الحكومة بقيادة رئيس الحكومة الحالي عبد المالك سلال، إلا أن ذلك لم يحدث في آخر دقيقة وفق حسابات تكتيكية ارتأت أن دخول عناصر من الأفافاس في تشكيلة سلال، بعد أن انخرطوا في التشريعيات كان من شأنه أن يعود على الحزب بالسلب خاصة وأن الموعد الرئاسي كان على الأبواب، لذا أرجئت العملية إلى ما بعد الرئاسيات ليكونوا لاعبين أساسيين داخل تشكيلة سياسية جديدة يكون لها دورها الأساسي والفعلي في رسم خريطة الطريق الجديدة.. ويعد خالد تزغارت، هذا المناضل الذي قاد حركة الاستقالة القوية في مثل هذا الظرف، من الوجوه التي كان يعتمد عليها في إضفاء صورة جديدة على الأفافاس كونه من الجيل الثاني للحركة الثقافية البربرية، وأحد الشباب المتخرجين في التسعينيات من قسم الفلسفة بجامعة بوزريعة، وكان أول من دعا آيت أحمد للقاء مع الطلبة بجامعة بوزريعة، وهو إلى جانب كونه برلماني يعد من العمود الفقري لفيدرالية الأفافاس ببجاية.. وكان خالد تزغارت من بين الأصوات التي قاومت إلى آخر لحظة النزعة الإصلاحية الداعية إلى الاقتراب من السلطة، لكن كان خروجه بمثابة إعلان براءة من سياسة قد تقود الحزب إلى حتف أكيد ومبين.. ويحاول المشككون في نية القيادة الحالية، أن أحد الوجوه ضمن القيادة الجماعة الحالية يجر تراثا سيء السمعة في نظر أنصار الخط التاريخي الذي عرف به الأفافاس كحزب معارض وهذا الوجه، هو محند امقران شريفي الذي يعتبره المطلعون على الحياة الداخلية للأفافاس، محسوبا على جناح داخل النظام، وهو جناح أقرب إلى العسكر، بما أن مساره مثير للجدل والشكوك، فلقد كان محند أمقران شريفي، أحد العملاء البيروقراطيين المقربين من خليفة العروسي والد عبد المومن خليفة، الرجل القديم في المالڤ، كما أنه كان عضوا إضافيا في المكتب السياسي للحزب الحاكم (الأفالان) وترشح كمنتخب في المحليات عام 1990 على قائمة حزب جبهة التحرير على مستوى بلدية عزازقة، وكان انتقاله عام 1991 إلى الأفافاس عندما ترشح في نفس الدائرة في الانتخابات التشريعية يدل على انتهازية سياسية، ويكون هذا الرجل أول من سارع إلى دعوة سلال ليحضر المؤتمر الأخير للأفافاس ومن هنا يعتقد هؤلاء المشككون في التوجه الحالي للأفافاس أن محند أمقران شريفي هو الرجل الذي أوكلت له مهمة تدجين الأفافاس، وبالتالي انهاء دوره التاريخي، الذي عرف به، ليصبح حزبا مواليا للنظام... وعلى هذا الأساس يميل عدد من المراقبين إلى قراءة خروج الفدرالية على قيادة الأفافاس الحالية، هو كشف عن الوجه السري للصفقة التي يحضر لها بشكل وتيد ضمن استراتيجية ستظهر علاماتها بشكل واضح أمام الرأي العام بعد الرئاسيات المرتقبة، فهل يعني ذلك نهاية للأفافاس التاريخي؟!.